29-يناير-2024
نشطاء أهوازيون في لندن

(Getty) نشطاء أهوازيون في لندن

في ظل انشغال حكومات العالم الغربي بالتبرير لجرائم الكيان الصهيوني المرتكبة في فلسطين المحتلة، وتشاغل العالم العربي بقضاياه القطرية المنفردة كبديل لمواجهة الاستحقاق الأساسي الذي يتعلق بواجباتهم تجاه قضية فلسطين؛ تتوارد إلى الذهن أسئلة شتى، تتعلق لا بفلسطين وحدها، بل بكل أرض عربية ترزح تحكم دولة أجنبية.

ولعل أبرز تلك القضايا العالقة والتي تزامنت دونما شكّ تاريخيًا وشعبيًا وعاطفيًا هي قضية الأهواز العربية.

فوجئت عدة مرات لدى طرحي لاسم الأهواز أمام أشخاص يمتلكون ثقافة وفكرًا بأنهم مغيّبون تمامًا عن تلك القضية، بل يكاد بعضهم لا يعلم بأن إقليم الأهواز العربي الغني في إيران يتكلم سكانه العربية.

قبل مدة سألني أحدهم سؤالًا مهمًا: أين روسيا الآن مما يجري؟ وكيف اختفت فجأة بعد أحداث غزة؟

وقلت له: أعتقد بأن المسألة بسيطة، فالتغطية الإعلامية التي رافقت الحرب الروسية الأوكرانية اختفت بشكل مقصود، وما لا تراه وتسمع عنه لا يعود موجودًا، الأمر بالنسبة لغزة مختلف لأن قضية فلسطين توفّر لها هذه المرة تعاطفًا شعبيًّا هائلًا، وناب عن المحطات الإعلامية المغرضة والمنحازة للكيان في كثير من الأحيان تداولُ الفيديوهات والأخبار عبر صفحات السوشيال ميديا.

الكاتب الأهوازي جابر أحمد قال: "ناصَرَ الشعب العربي الأهوازي قضايا العرب عمومًا، والقضية الفلسطينية خصوصًا، حيث عبَّر شعبنا عن سخطه إزاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية

وبالرجوع لمسألة الأهواز العربية المحتلة، فالأمر على كل تعقيداته التاريخية والسياسية ليس استثناء، فالقضية مغيبة إعلاميًا، ولذلك ما لا تراه وتسمعه لن يكون موجودًا. لكن الحقيقة والواقع يقولان بأن الأهواز العربية التي تسمى أيضًا بعربستان وبالأهواز، أو خوزستان كما أطلق عليها الفرس، موجودة وشعبها ذو قلب ينبض بالعروبة.

تمتلك الأهواز تاريخًا غنيًّا يعود للعصور الغابرة، خضعت لحكم شعوب متعددة، كالعيلاميون والبابليون والآشوريون والكلدانيون، ومن ثم اجتاحها الأخمينيون بقيادة قورش، كذلك الأمر حينما خضعت لحكم الاسكندر ثم السلوقيون من بعده، ثم الباريثيين وتلاهم الساسانيون، الذين سمحوا للقبائل العربية بتكوين الإمارات مقابل الضرائب والدعم.

ومن يقرأ ويبحث سيطلع حتمًا على الكثير مما يخص تاريخ الإقليم حتى نشوء الدولة الكعبية واستلامها الحكم من 1724 – 1925، حيث وصلت القيادة للشيخ خزعل الكعبي.

قامت بريطانيا باعتقال الشيخ خزعل وتسليمه لإيران وسجنه حتى نهاية حياته، وتم ضم الإقليم لإيران.

الإقليم العربي الذي اكتشف لاحقًا غناه الهائل بالثروات النفطية، وقبلها بالمياه والتنوع الطبيعي والموقع الجيوسياسي الممتاز، صار محل نزاع شديد بين العراق وإيران وترتب ما تربب على ذلك من صراعات سياسية وكانت عاملًا في اندلاع الحروب.

يقول محمد خاتمي: "إيران با خوزستان زندة است"، وترجمتها أن "إيران تحيا بخوزستان".

لا يعلم كثيرون أيضًا بأن مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، برفقة وفد فلسطيني، زار مدينة المحمرة والتقى بالشيخ خزعل بن جابر، الذي بذل منحة مالية ضخمة جدًا لترميم قبة الصخرة والمسجد الأقصى.

زار الأهواز أيضًا المرحوم ياسر عرفات، بعد وصوله لطهران في يوم 17 شباط/فبراير 1979، بطلب رسمي من الدكتور ابراهيم يزدي، مساعد رئيس الوزراء مهدي بازرغان، وعلى إثر ذلك طلب أبو عمار زيارة الأهواز.

رحب الشعب العربي الأهوازي بالقائد الفلسطيني ترحيب حارًا واستقبلته الجماهير بعد أن امتلأ الملعب.

في حوار نشر سابقًا في "الترا صوت" مع الكاتب الأهوازي جابر أحمد قال: "ناصَرَ الشعب العربي الأهوازي قضايا العرب عمومًا، والقضية الفلسطينية خصوصًا، حيث عبَّر شعبنا عن سخطه إزاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية. أما بالنسبة للإعلام العربي، لا أعلم ما إذا كان قد نقل موقفنا من القضية الفلسطينية أم لا آنذاك، ولكنني وبعد خروجي من إقليم الأهواز والتحاقي بصفوف التنظيم السياسي في الخارج عام 1968، وجدت أن بعض الصحف العراقية، لا سيما في عهد عبد السلام عارف، قد اهتمت بقضية الشعب العربي الأهوازي، وسلطت الضوء على مواقفه المؤيدة لقضايا الشعب العربي المصيرية، ومنها القضية الفلسطينية. في المقابل، فجَّرت هزيمة العرب في حزيران/ يونيو عام 1967 الحقد الدفين لدى العنصريين الفرس الذين أخذوا يحتفلون بنصر إسرائيل، ويعلنون، أسوةً بدولتهم، تأييدهم لها، حتى أنني أتذكر أنه عندما كنت طالبًا، كان بعض المدرسين يشرحون لطلابهم أن: "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

القضايا العربية لا تتجزأ، وهذا مثال صارخ لقضيتين تلتقيان في أبعاد كثيرة، ليس أولها أن مسبّب الكارثة هم البريطانيون، ولا منتهاها أنها قضايا عادلة لشعوب لا يُسمع صوتها.