15-مايو-2021

73 عامًا: فلسطين ثورة.. فلسطين ربيع

يواصل الكاتب والمناضل السياسي الأهوازي جابر أحمد، شأنه شأن معظم الكتّاب الأهوازيين، نشاطه الفكري والسياسي من منفاه في العاصمة الفنلندية هلسنكي، حيث يحاول التعريف بقضية وطنه وشعبه من خلال البحث والكتابة والترجمة.

وبموازاة انشغالاته هذه بقضية أبناء جلدته، لا يغفل أحمد عن متابعة شؤون بقية قضايا التحرر الوطني المعاصرة والمصيرية، وتحديدًا القضية الفلسطينية التي كان، وبحكم عضويته في الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز، مطلّعًا على تفاصيلها وتحولاتها أيضًا.

هنا حوار معه يتناول مسائل مختلفة، ابتداءً بالقضية الأهوازية ونضال الشعب الأهوازي، مرورًا بالثورة الإيرانية وانعكاساتها على المنطقة، وانتهاءً بالقضية الفلسطينية وتحولاتها وواقعها الراهن.


  • بعد هزيمة الجيوش العربية على يد إسرائيل في حزيران/يونيو عام 1967، وقيام الأخيرة باحتلال باقي الأراضي الفلسطينية، إلى جانب بعض المناطق العربية، انتشرت مرويات كثيرة تتناول ما حدث حينها. بالنسبة لك، هل من مروياتٍ معينة تتذكرها حول تلك الحرب، وترى أن الإعلام العربي أغفل آنذاك؟

في تلك المرحلة، وكما تعلم، كان وصول الخبر إلى المتلقي الأهوازي ليس بتلك السهولة الموجودة حاليًا، حيث كانت الأخبار تصلنا آنذاك عبر الإذاعات الناطقة بالعربية، ومنها "هيئة الإذاعة البريطانية"، والإذاعة العراقية، وأحيانًا الإذاعة المصرية، وذلك في الوقت الذي كان فيه البث التلفزيوني محدود جدًا، فيما كان الصراع القائم آنذاك بين القومية العربية، ممثَّلةً بالرئيس المصري جمال عبد الناصر، والفارسية التي مثَّلها شاه إيران محمد رضا بهلوي، على أشده.

فجَّرت هزيمة الجيوش العربية في حزيران/ يونيو عام 1967، الحقد الدفين لدى العنصريين الفرس الذين احتفلوا بنصر إسرائيل

ولعل أبرز مظاهر هذا العداء، هو الشعارات المعادية للعرب، وتحديدًا جمال عبد الناصر، التي كانت تغطي حينها جدران المدن الأهوازية، خصوصًا المدن الكبرى التي انتشرت فيها عبارات مثل: "خليج فارس كورستان عبد الناصر خواهد شد"، أي إن: "الخليج الفارسي سوف يصبح مقبرة لعبد الناصر".

اقرأ/ي أيضًا: كيف وظفت ولاية الفقيه هجوم الأهواز ضمن "برنامجها" في العراق؟

وأحد أسباب هذا العداء، هو دعم عبد الناصر لأول تنظيمٍ عربيٍ في إقليم الأهواز، وهو "اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان"، الذي تشكل في نهاية الخمسينيات، وتحديدًا في عام 1958، وأُعدِم قادته، وهم: دهراب اشميل، ومحي الدين حميدان آل ناصر، وعيسى مذخور، عام 1963.

نتيجة هذا الصراع، ناصَرَ الشعب العربي الأهوازي قضايا العرب عمومًا، والقضية الفلسطينية خصوصًا، حيث عبَّر شعبنا عن سخطه إزاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية. أما بالنسبة للإعلام العربي، لا أعلم ما إذا كان قد نقل موقفنا من القضية الفلسطينية أم لا آنذاك، ولكنني وبعد خروجي من إقليم الأهواز والتحاقي بصفوف التنظيم السياسي في الخارج عام 1968، وجدت أن بعض الصحف العراقية، لا سيما في عهد عبد السلام عارف، قد اهتمت بقضية الشعب العربي الأهوازي، وسلطت الضوء على مواقفه المؤيدة لقضايا الشعب العربي المصيرية، ومنها القضية الفلسطينية.

في المقابل، فجَّرت هزيمة العرب في حزيران/ يونيو عام 1967 الحقد الدفين لدى العنصريين الفرس الذين أخذوا يحتفلون بنصر إسرائيل، ويعلنون، أسوةً بدولتهم، تأييدهم لها، حتى أنني أتذكر أنه عندما كنت طالبًا، كان بعض المدرسين يشرحون لطلابهم أن: "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

أحد أسباب العداء بين جمال عبد الناصر وشاه إيران، هو دعم الأول لـ "اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان"

ولكن هذه الهزيمة أحزنت الشعب العربي الأهوازي، وخاصةً الجيل الشاب المتعلم، بل إن الأمر كان يصل أحيانًا إلى درجة الاشتباك بالأيادي بين الطلاب الأهوازيين العرب، ونظرائهم الفرس الذين سكنوا الإقليم عبر سياساتٍ جلبتهم من العمق الإيراني، بهدف توطينهم وتغيير التركيبة السكانية للإقليم، وهي سياسات بدأت منذ ضم الأهواز إلى جسم الدولة الإيرانية في 20 نيسان/ أبريل عام 1925.

  • تبنّت المعارضة الإيرانية، ما قبل الإطاحة بالشاه، خطابًا يربط الحركة الإسلامية الثورية في إيران بفلسطين وقضيتها العادلة. وبذلت، ما بعد وصولها إلى الحكم، جهدًا هائلًا لصبغ النضال الفلسطيني بصبغة إسلامية. كيف استطاعت المعارضة الإيرانية  فيما بعد توطيد العلاقات مع التيارات الفلسطينية على مدى ما يقارب خمسة عقود؟

العلاقة بين المعارضة المناهضة للشاه والثورة الفلسطينية هي علاقة قديمة سبقت انتصار الثورة الإيرانية بفترة طويلة، وقد تطورت بعد تأسيس وتطور الحركات الفلسطينية المسلحة، مثل حركة "فتح"، و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بشقيها اليساري والقومي. وازدادت متانة هذه العلاقة بعد نكسة حزيران/ يونيو عام 1967، وانتقال هذه المنظمات إلى لبنان فيما بعد.

اقرأ/ي أيضًا: القومجيون العرب كمصيبة عربية!

وبما أن شاه إيران كان مؤيدًا لإسرائيل بسبب عدائه لمصر، وهو ما دفعه أيضًا إلى عدم الاعتراف بـ "منظمة التحرير الفلسطينية"، احتضنت بعض فصائل الثورة الفلسطينية أفراد المعارضة الإيرانية، ومنهم رجال دين وأعضاء تنظيمات يسارية تضم أهوازيين عرب كانوا يعملون آنذاك ضمن إطار "الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز"، وقد تدربوا جميعًا في معسكراتها، سواءً تلك التي كانت موجودة في سورية، أو في لبنان.

وبعد انتصار الثورة وعودة المنفيين وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية، سارع المرحوم ياسر عرفات إلى زيارة إيران، والتقى حينها بكبار قادتها، ومن ضمنهم الخميني، قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى إقليم الأهواز، حيث ألقى كلمة أمام آلاف المواطنين الذين رحبوا به في الملعب الرياضي بمدينة الأهواز. وعلى أثر هذه الزيارة، أُغلقت ممثلية إسرائيل في طهران وأصبحت مقرًا لسفارة المنظمة، إلى جانب افتتاح مكتبٍ لها في الأهواز، عاصمة الإقليم.

  • ما هي الآفاق التي فُتحت أمام الحركات الإسلامية الفلسطينية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران؟ وكيف انعكس ذلك على العلاقة بين الحركة السياسية الأهوازية والفلسطينيين؟

في بداية انتصار الثورة الإيرانية، كانت "منظمة التحرير الفلسطينية" الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني بالنسبة للنظام الإيراني الجديد، حيث عُيِّن المرحوم هاني الحسن في عام 1979 سفيرًا لها في طهران، وقد تسلَّم آنذاك من قيادات الثورة مكاتب البعثة الإسرائيلية في إيران، لتصير مقرًا لسفارة فلسطين.

ولكن بعد أسلمة البلاد، وتحول إيران إلى جمهورية إسلامية يشرف على مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية الولي الفقيه، تدهورت العلاقة بين نظام الجمهورية الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أخذ النظام يقيم علاقاتٍ جديدة مع المنظمات الفلسطينية الإسلامية، مثل حركتي "حماس" و"الجهاد"، متجاهلًا بشكلٍ تامٍ دور المنظمة، ليترك هاني الحسن نتيجة ذلك منصبه كسفيرٍ لدولة فلسطين، ويغُلَق مكتب المنظمة في إقليم الأهواز، ويُعيَّن صلاح الزواوي سفيرًا لدولة فلسطين في إيران عام 1983.

لقد كنت عضوًا في وفد الشعب العربي الأهوازي، الذي ذهب إلى طهران للتفاوض حول حقوقه، وبما أن هناك علاقات تربطنا مع منظمة التحرير، ومع السيد هاني الحسن شخصيًا، فقد اقترحنا نحن أعضاء الجبهة الشعبية المشاركين في الوفد زيارة مقر السفارة الفلسطينية في طهران، وقد رحَّب أعضاء الوفد المكون من 30 شخصية أهوازية بهذه الفكرة، لتتم الزيارة فعلًا في أيار/ مايو عام 1970، حيث جرى لقاءٌ حار بين أعضاء الوفد والسيد هاني.

أما بالنسبة إلى العلاقة بين الحركة السياسية الأهوازية وحلفائها القدماء من الفلسطينيين، مثل حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، فقد توقفت بعد الثورة. وأذكر أنني حينما خرجت مضطرًا من البلاد عام 1980، حاولت اللقاء ببعض قادة "فتح" و"الجبهة الشعبية" بهدف إقامة نوعٍ من العلاقات، ولكنهم رفضوا ذلك، لتنقطع حينها العلاقات السياسية لا بيننا وبينهم فقط، وإنما بينهم وبين المعارضة الإيرانية بشكلٍ عام.

  • هل يمكن الحديث عن سياق نضالي مشترك بين الأهوازيين والفلسطينيين؟ وفي حال النفي، هل كان هناك محطات مشتركة تقاطعت فيها المصالح النضالية، إن صح التعبير، بين حركات التحرر الفلسطينية، بمختلف توجهاتها، وبين الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز؟

تاريخيًا، نعم؛ ذلك أنه بعد نكسة عام 1967، وضم الكيان الصهيوني أراضٍ عربية جديدة، وتتالي الانكسارات العربية على وقع المتغيرات العالمية، مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وانكشاف ما يمكن تسميته بالعالم الإسلامي، بالإضافة إلى اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربية وما تلاها من محاولات للتطبيع مع الصهاينة، بموازاة محاولات شيطنة النضال الفلسطيني في أروقة الإعلام العالمي، نُسيت قضية الأهواز تمامًا، عربيًا وعالميًا.

لم يكتفي النظام الإيراني بتخوين قادة منظمة التحرير الفلسطينية، بل قام بتحريض بعض الفصائل الفلسطينية ضد بعضها البعض

  • كيف لك الآن، بوصفك مناضل أهوازي، التوفيق عاطفيًا بين ما يتعرض له الفلسطينيون من أذىً، خصوصًا بعد الهبة الأخيرة للمقدسيين عقب أحداث حي الشيخ جراح؟ وكيف ينظر جابر أحمد، باعتباره مناضلًا له له باعٌ طويل مع النشاط النضالي والسياسي إلى آفاق الحل في فلسطين المحتلة؟

بصفتي سياسي خَبِرَ النضال بمختلف أشكاله، من خلال انتمائي تاريخيًا لـ "الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز"، وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 1967 وحتى 1979، كنت أُدِينُ ولا أزال أي شكلٍ من أشكال الاحتلال. ومن هذا المنطلق، أُدِينُ بشدة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كما أُدِينُ الاعتداءات التي تعرض لها أبناء حي الشيخ جراح على يد جنود الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وأعتبرها عملًا يتنافى والمقررات الدولية، بما فيها المنشور العالمي لحقوق الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: إيران.. "إمبرياليَّة" الوليّ الفقيه

كما أنني، وبصفتي ناشطًا سياسيًا وعضوًا في منظمة حقوق الإنسان الأهوازية، أؤيد موقف "منظمة التحرير الفلسطينية" الذي يدعو إلى انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم.

  • ماذا يمكن أن تخبرنا عن "حركة الصابرين الشيعة" التي سعت إيران إلى خلقها في الداخل الفلسطيني؟

النظام الإيراني الذي اعتمد مبادئ "ولاية الفقيه" في إدارة البلاد، وفقًا للشريعة الإسلامية الشيعية، يؤمن بتصدير الثورة الإسلامية إلى كافة الدول الإسلامية. ومن هذا المنطلق، دعَمَ حماس والجهاد، ولكنه يحاول عبر دعمه هذا شراء الذمم من أجل نشر مذهبه "الشيعي الصفوي"، إذ إنه لم يكتف بتخوين قادة منظمة التحرير، وعلى رأسهم السيد أبو مازن فحسب، وإنما حرض بعض الفصائل الفلسطينية ضد بعضها البعض، حيث خلق "منظمة فتح الإسلامية" في لبنان، ومدها بالمال والسلاح، في الوقت الذي كان يحاول فيه تصدير بضاعته الطائفية إلى المنظمات الإسلامية نفسها.

انطلاقًا من هذه السياسة، قام النظام الإيراني، وعبر ضخ الأموال، بتأسيس منظمة فلسطينية في قطاع غزة أُطلق عليها اسم "صابرين" عام 2014. ولا يختلف هذا التنظيم الذي يدعي التشيُّع، من حيث الشكل والمضمون، عن الحرس الثوري الإيراني، إذ إنه في الحقيقة مجرد ذراع إيرانية في غزة، وامتداد لأيديولوجيا نظام ولاية الفقيه، لا سيما أنه يسعى إلى نشر التشيُّع بين أبناء غزة، عبر استغلال ظروفهم الاقتصادية الصعبة.

يخفي هذا التنظيم الذي انبثق من "حركة الجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين" بعد انشقاقه عنها، انتماؤه إلى المذهب الشيعي. ولا يفوتنا هنا القول إنه، وفي عام 2008، أُعلن عن تأسيس "حزب الله الفلسطيني"، غير أن هذا الحزب انكشف، وفضَّل النضال السري على النضال العلني، ولم يُعرف أي نشاطٍ له.

  • ماذا تستطيع أن تخبرنا عن تجربتك الشخصية مع الإخوة الفلسطينيين؟

إذا أردنا الحديث عن تجاربي الشخصية مع الإخوة الفلسطينيين، فيجب النظر إلى هذه المسألة انطلاقًا من مرحلتين؛ مرحلة ما قبل انتصار الثورة الإيرانية الممتدة، منذ عام 1969 وحتى 1970، التي شهدت نوعًا من العمل المشترك مع مختلف المنظمات الفلسطينية، ابتداءً بحركة "فتح"، و"الجبهة الشعبية" الأم بزعامة جورج حبش، و"الجبهة الشعبية: القيادة العامة" التي يتزعمها أحمد جبريل، مرورًا بـ "الجبهة الديمقراطية" بقيادة نايف حواتمة، وانتهاءً بـ "جبهة النضال الشعبي" بزعامة سمير غوشه، وهو عملٌ تم في إطار العلاقات القائمة مع "الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز".

تدهورت العلاقة بين النظام الإيراني ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد أسلمة إيران وتحولها إلى جمهورية إسلامية يقودها الولي الفقيه

لقد تسنى لي، بصفتي أحد المسؤولين في لجنة العلاقات الخارجية للجبهة، وعضو لجنتها الإعلامية، اللقاء بقيادات هذه التنظيمات. وفي الحقيقة، لم يفتح لنا الإخوة الفلسطينيون مكاتبهم فقط، وإنما قلوبهم أيضًا، ووجدت أنهم حقًا مناضلون، وكنت قد تحدثت في مذكراتي "الحصاد المر: صفحات منسية من تاريخ الشعب العربي الأهوازي" عن هذه العلاقة بشيءٍ من التفصيل.

اقرأ/ي أيضًا: نهاية الشيطان الأكبر

أما المرحلة الثانية فتمتد من عام 1980 وحتى عام 2000، وهي علاقة بقيت موجودة على المستوى الشخصي فقط، بسبب حل "الجبهة الشعبية لتحرير الأهواز"، حيث عملت لفترة في "مركز الدراسات الفلسطينية" متابعًا للوضع الإيراني عمومًا، وما تنشره الصحف الإيرانية خصوصًا، وهي الفترة التي قدَّمت فيها دراستين مهمتين، الأولى عن "يهود إيران"، والثانية حول "الحرب العراقية – الإيرانية". ولكن، وبسبب الانشقاقات التي حدثت داخل حركة فتح وظهور ما يسمى بـ "فتح الانتفاضة"، قلَّ عمل المركز، واضطررت نتيجة ذلك إلى ترك العمل فيه.