04-يونيو-2021

صورة سليماني خلال مسيرة لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، على عربات لعناصر من الجبهة الشعبية (فيسبوك)

"أرسلت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين باسم لجنتها المركزية ومكتبها السياسي وأمينها العام المناضل أحمد سعدات، المعتقل في السجون الصهيونية، برقية تهنئة باسم جميع قواعدها وكوادرها ومقاتليها على أرض فلسطين وفي كل مواقع اللجوء، إلى سوريا قيادة وجيشًا وشعبًا بمُناسبة انجاز الاستحقاق الدستوري. وقالت الشعبيّة في برقيّة التهنئة التي أرسلتها للرئيس السوري بشار الأسد: "ننقل لسيادتكم ومن خلالكم لشعب سوريا العظيم وجيشها الباسل أعمق وأحر التهاني بمناسبة إعادة انتخابكم لرئاسة الجمهوريّة العربيّة السوريّة".

هل المطلوب فلسطينيًا أن تكون تحالفاتنا تصب في محور يعادي تطلعات الشعوب العربية في الحرية والكرامة والتغيير؟

ورد هذا البيان بالصفحة الإلكترونية لمجلة الهدف الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية، وبعيدًا عن لغته الخشبية، كما أننا لسنا في معرض مناقشة حيثيات ما كتب، لكن هذا يفتح الباب للتساؤل: هل المطلوب فلسطينيًا أن تكون تحالفاتنا تصب في محور يعادي تطلعات الشعوب العربية في الحرية والكرامة والتغيير؟ هل يعتقد البعض أن مطلب الحرية مفصّل على حسب تطلعات الشعب الفلسطيني من دون سواه؟

اقرأ/ي أيضًا: تحول في الرأي العام الأمريكي تجاه الدعم غير المشروط لدولة الاحتلال

ما حدث في النكبة وما تبعها من مآسٍ وآلام وتضحيات وحروب وخسارات عبر كل مراحل التاريخ الفلسطيني المعاصر خلق، للأسف، فئة جعلت من تلك الجراح تعلو على كل مآسي الآخرين، وتعطي لنفسها الحق في انتقائية غير مبررة ولا مفهومة.

من يقرأ أدبيات التنظيمات الفلسطينية في السابق يجد ما لا يمكن إحصاؤه من بيانات وخطب ومواقف داعمة لحق الشعوب العربية بالحرية والعيش بكرامة في ظل نظام ديمقراطي تعددي، لكن تلك المواقف بقيت حبرًا على ورق موزعة بين دفات الكتب والبيانات، على أرض الواقع وفي محطات عدة كنا نشهد حالات انفصام وإنكار للواقع وتعاليًا على مآسي الآخرين. هل الأمر راجع إلى قصر في القراءة السياسية للأحداث؟ أم هناك اعتقاد بصوابيه الخيارات التي انحازت للأنظمة وكانت فوق النقد والمراجعة؟

هنا علينا أن نعود إلى بدايات لفهم هذا الخلل. استمدت أغلب الأنظمة العربية شرعيتها ليس عن طريق الانتخابات، بل كانت وريثة ثورات وموجات تحررية استطاعت هزيمة الاستعمار منتصف القرن الماضي، ولكن يبدو أن هذه الشرعية الثورية التي أفرزت أنظمة يقال عنها وطنية لطالما تغنت بالشعارات القومية والتقدمية عملت على استغلال القضية الفلسطينية، وبنت على حسابها هالة من الوهم انطلت على العديد من الفلسطينيين للأسف، ففي كل الأحداث المفصلية في المنطقة أثبتت تلك الأنظمة العربية أنها أفضل من وظف القضية الفلسطينية كشماعة تحت عنوان عريض هو محاربة الإمبريالية وإسرائيل فقط لقهر شعوبها وإذلالها وسلب حقوقها لتستمر في القبض على رقابها.

بكل تأكيد أن المشروع الصهيوني هو مشروع استعماري كولونيالي، قائم على العداء لكل العرب، لذا لم تكن حرب إسرائيل على الفلسطينيين فقط، بل شنت حربها على شعوب المنطقة واحتلت أراضي عربية، وهذا جعل الجميع مستهدفين وفي خندق واحد وبنفس الدرجة، وتكمن المفارقة في أن البعض رضخ لثقافة تناهض التطلعات المشروعة للشعوب العربية بالتغيير والحرية عوضًا عن تكريس ثقافة التضامن بين الشعوب العربية.

صحيح أن القضية الفلسطينية هي أعدل القضايا، ومسيرة كفاح شعب يناضل من أجل حريته، لكن هل من المعقول أن نرى صور قاسم سلماني ترفع في غزة بمسيرة لحركة الجهاد الإسلامي بعد الحرب الأخيرة وعلى عربات يستقلها عناصر من الجبهة الشعبية؟ بأي حق نتجاوز آلام الشعوب بمثل تلك التصرفات والجميع يعلم أن إيران تحتل أربع عواصم عربية؟ ما هو المبرر الذي يمكن أن نقدمه للشباب المنتفض بساحات الحرية في العراق والذي قدم المئات من الشهداء برصاص الميليشيات التي تأتمر بأوامر رجال قاسم سليماني؟ هل عوائل الشهداء وضحايا النظام الإيراني أقل شأنًا؟

حينما يتجاوز أسامة حمدان كل المبادئ والقيم الإنسانية ويشكر مجرم دمشق غير مبال بكل عذابات ومآسي السوريين، وحين تهدي ليلى خالد نصر المقاومة في غزة، الذي لم تشارك فيه لا من قريب أو بعيد، إلى بشار الأسد فهي تمعن مرة ثانية في قتل شهداء مسالخ أقبية الأمن السورية ضحايا التعذيب، من سوريين وفلسطينيين على السواء.

هنا نحن أمام أزمة قيم أخلاقية تجعلنا نفكر هل هؤلاء هم امتداد للثوار الذين قاوموا عصابات القتل والتهجير الصهيونية؟

للشعوب العربية أحلامها بوجه أنظمة فاسدة قمعية مجرمة وعصابات حاكمة لا يحق لنا أن نكسرها بحجة أننا على نحتكر الحقيقة، لا يملك الفلسطيني الأفضلية ليقفز على آمال وآلام تلك الشعوب لأنه على الأقل جزء منها ومصيره هو مصيرها.

‏يتحدث الدكتور عزمي بشارة في ندوة بعنوان "في راهنية النكبة، وفي قضية فلسطين عربيًا"، أقامها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عن تلك الازدواجية القاتلة في المعايير فيقول: "لا نستطيع أن نكون في الوقت ذاته، نطالب بالعدالة والديمقراطية والحرية ونبعث رسائل تحية لبشار الأسد ونحن خارجين من معركة بهذا الحجم ونخسر 70% من السوريين دفعة واحدة. الشعب الفلسطيني ليس شعب الله المختار، يجب أن نفهم هذا الأمر، وبالتالي نفهم قضايا الشعوب الأخرى، نفهمها ونتفاعل معها، الناس لديها مشاكل وقضايا، الناس تهتم بنا، شعوب العالم فيما يسمى الجنوب تهتم بنا لأننا آخر قضية استعمارية ليس لأننا شعب الله المختار إذا فقدنا هذه القيمة المعادية للاستعمار حتما سنفقدهم".

هل نحن لهذه الدرجة غير قادرين أن نتفهم رغبه هذه الشعوب في الكرامة والعدالة والحرية والمساواة، بالمقابل كيف نصدق أن من يقمع شعبه يحارب اسرائيل؟

فلسطين رديف للكرامة والإنسانية والحرية، وعنوان لكل القضايا العادلة، من يحاول أن يجيرها لصف أنظمة تتنكر لحق شعوبها في الحرية وتتسلط عليها هو حتمًا عدو لها

شرط مقاومة إسرائيل أن تكون الشعوب حرة وسيدة في قراراتها لأنه فقط عندها تشعر أنها تدافع عن حريتها فهي تدافع عن أوطانها، للأسف لم نفهم تلك المعادلة وسقطنا في فخ انحيازنا لأنظمة قمعية لم تكن في يوم من الأيام معنا وخسرنا شعوب تطلعاتها وأحلامها مثل تطلعاتنا وأحلامنا، والثورة السورية هي المثال الأوضح على تخبط قسم من الفلسطينيين باختيارهم الوقوف مع الطرف المجرم.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تعاملت إدارة بايدن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟

يجب أن تكون البوصلة مطالب الناس العادلة والمحقة، ولا يغيب عنا أن وجود أنظمة ديمقراطية في المنطقة يشكل خطرًا على إسرائيل، بل يرعبها، لذا بقاء الأنظمة القمعية جعلت الوطن العربي سجنًا كبيرًا وذلك كان مصلحة إسرائيلية بالدرجة الأولى بدليل أن رأس الثورات المضادة التي واجهت ثورات الربيع العربي هم من أصبحوا حلفاء إسرائيل وعرابيها في المنطقة.

فلسطين رديف للكرامة والإنسانية والحرية، وعنوان لكل القضايا العادلة، من يحاول أن يجيرها لصف أنظمة تتنكر لحق شعوبها في الحرية وتتسلط عليها هو حتمًا عدو لها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في معنى أن النكبة ليست حدثًا

ذكرى مختلفة.. ذكرى للمستقبل