05-ديسمبر-2015

لاجئون سوريون يصلون إلى شواطئ اليونان (توماس كامبيان/الأناضول/Getty)

غياث الجندي هو شاب سوري منحته الحياة حظًا بأن يكون بعيدًا عن مآسي الحرب السورية كونه يعيش منذ سنوات في لندن. لكنه قرر أن يرى وجهًا آخر من وجوه ألم وخوف السوريين على الشواطئ اليونانية محطة وصول اللاجئين من رحلة أقل ما يمكن وصفها بالمغامرة المميتة.

رؤية مآسي السوريين في قوارب الموت بشكل يومي هي ما دفعت غياث للسفر لرؤية وتوثيق هذه الكوارث الإنسانية بشكل مباشر: "رأيت مشاهد من المعاناة والألم محمّلًا على هذه المراكب. قررت الذهاب لعلني أخفف قليلًا من هذه المعاناة. حجزت تذكرتي وذهبت. لم أعمل مع أية منظمة إنما تطوعت بشكل شخصي مثل الكثيرين".

غالبية اللاجئين إلى اليونان هم من حلب المدمرة وضواحي العاصمة دمشق كداريا والغوطة والمعضمية

منذ اليوم الأول لوصول غياث لجزيرة لزبوس اليونانية بدأ بتوثيق ظروف وأوضاع اللاجئين. التقط صورًا لأطفال يرتجفون بردًا وخوفًا وأُخرى لرجال ونساء تغلبهم الفرحة حينًا بوصولهم آمنين، وحينًا آخر دمعة ألم وحرقة نتيجة رعب عاشوه بينما الموت متربصًا بهم بين هذه الموجة أو تلك. وكأنهم لا يصدقون أنهم مازالوا على قيد الحياة. غالبية اللاجئين ينتمون لمدينة حلب المدمرة، وضواحي العاصمة دمشق كداريا والغوطة والمعضمية. وأيضًا بعض الهاربين من وحشية داعش في محافظتي دير الزور والرقة، إضافة لعدد لا بأس به من الكرد.

وكأن الخوف الذي دفع هؤلاء السوريين للهروب من بلدهم مازال يلازمهم حتى لحظة نزولهم من المركب ورؤيتهم للمتطوعين. كيف لا وقد أصبح الخوف من سمات السوريين. هم بالأصل حاملين لخوف الموت غرقًا ويصلون وهم خائفون من أن يجبرهم البوليس اليوناني على الرجوع إلى تركيا. يخبرنا غياث أن أحد اللاجئين قام بثقب المركب لحظة وصوله لجزيرة لزبوس خوفًا من أن يتم إرجاعهم من حيث أتوا. ناهيك عن خوفهم مما ينتظرهم في الطريق إلى أوروبا.

يتذكر المتطوع: "فور وصول المركب للشاطئ نكون بانتظارهم مع الماء. أول ما نقوم به هو أن نقول لهم أنتم بأمان ولن يتم إعادتكم لتركيا. نشرح لهم أن البوليس اليوناني لا يتدخل بهم أبدًا ولا توجد طريقة لإعادتهم. في غالبية الأحيان يبدأ اللاجئون بالبكاء عندما نشعرهم بالأمان. فالخوف يكون هو المسيطر على الغالبية. ونطمئنهم بأن الرحلة انتهت وأن البحر انتهى. نقوم بضم الناس الخائفة أو المنهارة ونتكلم معهم ونعطيهم الملابس الدافئة. فالعامل النفسي هو أكثر ما نركز عليه إلى جانب تقديم المساعدات الأخرى كالطعام والملابس الجافة".

كأن الخوف الذي دفع هؤلاء السوريين للهروب من بلدهم مازال يلازمهم حتى لحظة نزولهم من المركب ورؤيتهم للمتطوعين

ولا تقتصر مساعدة غياث على تقديم الطعام أو تهدئة الواصلين ومنحهم الأمان. فكثيرة هي المرات التي اضطر غياث وأصدقاؤه للذهاب إلى قلب المأساة وسط البحر لإنقاذ المراكب التي توشك على الغرق.. "قمنا في حالات كثيرة بإنقاذ مراكب تعطلت بقلب البحر وذلك عبر قوارب لاجئين وصلت للتو نأخذها ومن ثم نسحب المراكب المتعطلة أو التي تقترب من الغرق. لقد سحبنا عشرات المراكب للشاطئ بعد أن كانت في حالة غرق. ومرات كثيرة قمنا بالسباحة وإنقاذ المراكب إذا كانت قريبة نسبيًا من الشاطئ".

لا يتكلل وصول اللاجئين بالنجاح دائمًا. صحيح أن هناك من يذرف الدموع فرحًا بوصوله لكن أيضا هناك من يصل بألم وقلب مكسور لا تستطيع أي نهاية سعيدة أن تخفف من جراحه. هذا كان حال أم وأب غرقت طفلتهم خلال الرحلة ولم يُكتب لها متابعة الرحلة مع والديها. يقول غياث في منشوره على الفيسبوك:

"الطفلة التي ماتت البارحة بالمركب عمرها ثمانية أشهر... غمرتها المياه وكان المركب مكتظًا. لم تستطع أمها رؤيتها تغرق لأن المكان ضيق. الأم في حالة انهيار والأب في حالة انكسار... إنه الوجع".

أم تبكي موت طفلتها وأخرى تصرخ ألمًا لاستقبال مولودها الجديد الذي قرر أن يخرج من رحم أمه الآمن ليواجه مصيره المحتوم عاجلًا أم آجلًا. فبعد دقائق من نزول إحدى السيدات من المركب دخلت في حالة مخاض انتهت بولادة صبي لا أحد يعرف إن كانت الأقدار قد منحته حظها أم بؤسها لمجيئه في هذه الظروف. يوثق غياث الحادثة على صفحته قائلًا:

"الطفل الذي ولد على شاطئ بحر لزبوس، ولد بعد خروج أمه من المركب بدقائق. لم يكن هناك طبيب، زميلتنا الدانمركية ولدتها..."

رغم عمله في لندن والتزاماته العائلية تجاه ابنته وزوجته إلا أن غياث سيعاود السفر إلى اليونان في التاسع من الشهر المقبل. يشعر أنه معني، أنه مشارك في هذا الألم العظيم.

اقرأ/ي أيضًا:
الهجرة إلى أمريكا.. سودانيون يحلمون ببلاد العم سام
الهاربون إلى الله.. الوصول إلى ألمانيا!