31-أكتوبر-2015

في قسم الكتب النادرة من مكتبة أتاتورك (Getty)

قبل قرابة مائة عام، كانت فكرة أن يكون التركيّ سائقًا لقطار أو مهندسًا أو موظّفًا في مصرف فكرةً خياليّة في تركيا نفسها كما يذكر إريك زوركر في كتاب تاريخ تركيا الحديث. فقد كان هنالك في قطاع المصارف مثلًا تسعة عشر بالمائة فقط من الموظفين المسلمين العثمانيّين في بداية القرن العشرين، والبقية من المسيحيين واليهود. 

بلغ عدد الكتب التي نُشرت في تركيا عام 2011 حسب الاتحاد الدولي للناشرين 43،100 كتاب

أمّا اليوم، فنرى أن تركيا قد أطلقت أقمارها الصناعيّة محليّة الصنع إلى الفضاء، وصارت في عداد الدّول ذات الاقتصادات الناهضة ونسب النموّ الكبيرة رغم الأزمات الماليّة التي تعصف بالعالم، بل وصارت على أعتاب أن تصبح واحدةً من الدول الصناعية كما أنّها تخطو خطوات جدّية، وإن كانت دومًا غير كافية وغير مكتملة بسبب الأزمات الداخلية والخارجية، لتصبح دولة من دول الرّفاه في المنطقة، وذلك بفضل إمكاناتها ومصادرها الطبيعية والإنسانية. 

أنا أعمل في إسطنبول في إحدى الجامعات التي تضمّ واحدة من أكبر المكتبات في إسطنبول وأكثرها شهرة بين الطلّاب والباحثين خاصة في مجال الإنسانيات والعلوم الاجتماعية، ولكنّ هذه المكتبة تضمّ قرابة ثلاثمائة وخمسين ألف كتاب، وإذا ذهبت إليها بعد الظهر فلن تجد على الأغلب مقعدًا أو طاولة تستقبلك في بعض الأيام، نظرًا لتواضع حجمها، مقارنة بعدد الطلاب والباحثين الذين يرتادونها. وحين أسأل الطلّاب في الجامعة عن القراءة على المستويات الشخصيّة فقلّما تكون الإجابات تدلّ على ثقافة قراءة راسخةٍ على مستوى طلّاب الجامعات. وقد دفعني ذلك إلى محاولة الوقوف على بعض الأرقام والإحصاءات المتعلّقة بالأمّية ونسب القراءة وعدد الكتب في تركيا، وما وجدته كان مثيرًا للاهتمام. 

كانت تركيا وحتى قبل سقوط السلطنة وإلغاء الخلافة في حالة من الأمّية العامّة مقارنة بجاراتها في أوروبا، حتّى أنّ إريك زوركر، صاحب كتاب تاريخ تركيا الحديث آنف الذكر والذي وُفّق إلى ترجمته عن الإنجليزية الأستاذُ اللبنانيّ عبداللطيف الحارس، يذهب إلى أنّ مصطفى كمال حين اعتمد الحروف اللاتينيّة لم يلقَ معارضة شعبيّة عارمة وذلك أنّ نسبة المتعلمين المسلمين القادرين على القراءة حينها كانت منخفضةً للغاية ومرتكزة في إسطنبول ولم يكن ذلك التغيير ليؤثّر على الحياة اليوميّة للغالبية العظمى من أولئك النّاس الذين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة حينها ولم يلتقوا بالدّولة ومؤسساتها أصلًا في حياتهم إلا نادرًا. 

أمّا في عصرنا الحاضر، ومع ما حققته تركيا من إنجازات عظيمة على مستوى التعليم ومحو الأمّية منذ تأسيس الجمهوريّة حتى الآن، ومع ارتفاع عدد الجامعات بالأخصّ في السنوات العشرين الماضية، تبقى مسألة القراءة أمرًا مؤرّقًا يتناوله الدارسون وصنّاع القرار نظرًا لتواضع الأرقام في هذا الجانب، خاصّة مع زيادة الهواجس بين المثقفين والناشرين من قضيتي الرقابة الحكوميّة والرقابة الذاتيّة، وهذا ما عبّر عنه متين جلال رئيس اتّحاد الناشرين في تركيا في مقابلة نشرت في نيسان الماضي على موقع الجزيرة تُرك. 

في تركيا، بلغ عدد المكتبات العامّة في العام نفسه 1118 مكتبة تشتمل على ستة عشر مليون كتاب تقريبًا

بلغ عدد الكتب التي نُشرت في تركيا عام 2011 حسب الاتحاد الدولي للناشرين (43،100) كتاب، قرابة النصف منها ترجمات عن اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها، أما في ألمانيا (نفس عدد السكّان تقريبًا) فقد وصل عدد الكتب التي نشرت في العام نفسه إلى (82،048) كتابًا. الغريب أنّ هذا العددَ قد انخفض في تركيا عام 2012 بنسبة 1%. وربّما لا تكون المقارنة منصفةً هنا، ولكنّها تكشف بلا شكّ عن البون الواسع بين تركيا وغيرها من الدول المتقدّمة في هذا الصدد، خاصّة إذا عرفنا مثلًا أنّ بريطانيا وحدها في العام 2014 كانت تنشر 20 عنوانًا جديدًا في الساعة! وأنّ عدد الكتب الجديدة والطبعات الجديدة من الكتب الصادرة فيها عام 2013 وصل إلى 184،000 كتاب حسب تقرير الاتحاد الدولي للناشرين. 

أمّا المكتبات، فالمكتبة الوطنية التركيّة وفق إحصاءات 2013 تشتمل على أقل من مليون ونصف كتاب، وبلغ عدد المكتبات العامّة في العام نفسه 1118 مكتبة تشتمل على ستة عشر مليون كتاب تقريبًا. كما أنّ هنالك 533 مكتبة جامعيّة يبلغ عدد الكتب فيها ثلاثة عشر ونصف مليون كتاب تقريبًا. 

ولو أجرينا مقارنة سريعة مع ألمانيا سنجد ما يلي: هناك خمس مكتبات كبيرة تابعة للمكتبة الوطنية، بمحتويات تبلغ 25 مليون مادّة و8030 مكتبة عامّة بمحتوى يبلغ 124 مليون مادّة و510 مكتبات جامعية بمحتوى يبلغ 158 مليون مادّة. 

لا شكّ أن تركيا، وخاصّة إسطنبول، عاصمة التاريخ والثقافة تحتاج إلى مكتبات كثيرة وكبيرة تستوعب سكانها وتليق بجمالها وتزيد من حضورها، فالمدينة التي تكاد تختنق بازدحام شوارعها وسرعة وتيرة الحياة فيها تستحقّ أن تتنفّس الصعداء بسعة مكتباتها وتوزّعها العادل في المراكز والأطراف.

اقرأ/ي أيضًا:

الجبناء والتاريخ.. نظرات حول الحروب ودوافعها

المفتي في التأريخ الإسرائيليّ