21-يناير-2016

للوليتا سلام,, (أتلانتيك برس)

على الأريكة الحمراء الإسفنجية، في تلك الغرفة التي تقبع في الطابق الرابع في بناية رثة شبه مهجورة، جلست لوليتا تحدثه عن الألم الذي يتكور في داخلها ليأخذ شكل مشنقة.

لم تكن لوليتا جريئةً بما يكفي لأن تنظر في عينيه وتكلمه عن المسخ الذي صار يكبر في داخلها. في جو كئيب ومربك حاولت لوليتا أن تضبط ارتعاشاتها المضطربة، وأن تستجمع شيئًا من الشجاعة لتفرد حزنها قطعة قطعة أمامه، ليتأمل روحها العارية تحت ضوء الشمس الذي كان يتسلل من النافذة المضببة، التي تطل على أحد الشوارع المزدحمة في عمان.

لم تستطع لوليتا أن تحدثه عن تلك اليد التي حينما غطت فمها وكتمت أنفاسها لئلا يُكشف سره الصغير، قد تحولت إلى مقصلة قطع بها لسانها وأنفاسها إلى الأبد. ما زالت لوليتا تتعثر بالكلام وتختنق بالكلمات كلما حاولت أن تعود إلى هناك.

همبرت ذهب، لكنه لم يغادر جسدها قط.

همبرت ليس رجلًا بالمعنى العادي الذي صوره نابكوف في روايته. لم يكن لهمبرت هنا رأسًا أو أنفًا أو فمًا أو حتى قدمين. لو كانت لوليتا قادرة على الرسم لرسمت جسدًا ضخمًا شاحبًا بيدين كبيرتين وأظافر لوزية، ومكان العينين لوضعت ثقبًا أسود، وعوضًا عن رسم قلب في صدره المشعر لرسمت مقبرة.

قالت: "يداه هما الخطيئة"، لكنه نظر إلى لوليتا ولم يفهم.

قالت بسرعة -لتتدارك الهوة التي بدأت تنمو بينهما- بأن شارل أزنافور في أغنيته "الموت حبًا" قد غنى: "الخطيئة تلامس أعضاء الجسد لكنها لا تعرف الروح"، شرحت له بأن الخطيئة قد علقت بين فخذيها الهشيين، وبأن همبرت قد تسلل إلى روحها من ثقبها الصغير ونقل مقبرته إلى صدرها. قالت بأن الخطيئة قد لامست روحها وبأن أزنافور رجلٌ كاذب.

لم يعد ينظر إليها الآن، فقد حول نظره إلى بقعة الضوء التي تركزت عند قدميها المرتجفتين.

لو كانت لوليتا قادرة على رسم نفسها، لرسمت طفلةً صغيرة بوجه خائف، تداعب قطة سوداء، مرتديةً بنطالًا أحمر بصدر عارٍ وفي نقطة النهديين لرسمت منفضة سجائر.

بدأت تحدثه عن همبرت وهوسه بالطيران واللون الأزرق والمقابر. حدثته عن يديه القذرتين وكيف كان يقبض بهما على رسغيها الهزيلين، يدور بها إلى أن ترتفع عن الأرض ويمتزج ظلها مع السماء التي كانت تضيع في عينيه.

حدثته عن محترفه الصغير، وعن الأغراض المكدسة فيه، وعن أصوات القطط التي كانت تموء في تلك الخرابة التي اقتادها إليها. حدثته عن بنطالها الأحمر الذي تمزق يومها، وعن الغبار الذي كان يتطاير مع أنفاسه الثقيلة ليملأ رئتيها. وعن الجدار الأسمنتي الخشن الذي كتم ضحكاته المتلذذة بجسدها الصغير. وعن البرد القارص الذي تجمع في ركبتيها. قالت لوليتا بأن همبرت غرق في بحر من البياض، وبأن يومها لم تكن خائفة إلا من مواء القطط.

دفنت رأسها بين يديها وبكيت. كانت عاريةً تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا:

ديجافو الانتصار القادم

القصيدة الأخيرة لبيكتور خارا