23-أبريل-2016

عبد الفتاح السيسي (Getty)

يتعامل بعض السكارى وروّاد بارات البيرة المغشوشة مع سقوط النظام في مصر وكأنه "مسألة وقت"، يعتبرون نزول مظاهرات في الشوارع المحيطة بميدان التحرير إشارة لقرب رحيل السيسي، وبداية مرحلة توزيع الغنائم، والمناصب، وكراسي الحكومة والبرلمان، ومساومة الأجهزة السيادية على "حصة أكبر" من المكاسب. 

لن يسمح النظام المصري بوجود ثورة أو فوضى أو احتجاجات، سيتحاور مع جميع الأطراف

اختلف مع النظام، تظاهر ضده، اهتف بسقوطه، لا بد أن تستمر حركة المعارضة وتحجز مساحات جديدة وترفع سقف الحرية، وهي ليست دليلًا على وجود خونة وعملاء ومخربين وإخوان في الشوارع كما يروج إعلام رجال الأعمال، إنما يدلّ على حيوية الحياة والسياسة والثورة.. هناك رجل يحكم، ومجلس نواب يتآمر ويحصل على مكاسب شخصية، وشعب يعبر عن غضبه.

اقرأ/ي أيضًا: التنظيمات المتشددة.. قراءة أخرى

الدولة تضع المتظاهرين في خانة "المتآمرين"، والمتظاهرون يحاولون استدعاء لعبة الثورة لا السياسة. لكن، الآن، السياسة تحكم، ولا عودة للثورة بشكل المتخيّل. حالة الهوس التي يتعامل بها الجميع مع المظاهرات تدفع كل الأطراف إلى الوقوف على الحافة، حيث لا أحد يسمع الآخر، ولا نية للاستجابة للمطالب، ولا صوت يعلو فوق صوت بنادق الخرطوش وقاذفات قنابل الغاز. 

لن يسمح النظام بوجود ثورة أو فوضى أو احتجاجات، سيتحاور مع جميع الأطراف، ويكسب دعم كل الأجهزة التي تلعب ضده من الداخل. ستقول: وهل من حق النظام أن يسمح أو يرفض؟ الإجابة جاهزة، ليس من حقه، إنما في قدرته أن يوافق أو يرفض، في قدرته أن يغلق ميادين التظاهر ويمنع سيولة المتظاهرين، فالمعركة الآن ليست إرادة، إنما -بالنسبة للجميع- حرب وجود. 

النظام سيدافع عن وجوده، وهو -بالمناسبة- قوي على الأرض، ولا يبدو أنه سيسقط الآن، لا في "25 أبريل" ولا "25 يناير". السيسي صاحب شعبية، ومهما علا نجم شخصيات وسياسيين، فلا أحد ينافسه.. ليس لأنه ساحر، إنما لأن كل من حوله أقزام، ولذلك يطرح حزب الكنبة، الذي سيظلّ حزب كنبة مدى الحياة، السؤال الصعب، وعلى كل من يدعم رحيل السيسي ليأتي غيره، أن يطرح البديل.

كرسي الرئاسة في مواجهة مع تاريخ بارد وفاضح مع "دكة البدلاء" التي لا تخرج عن حمدين صباحي، وأحمد شفيق، ومحمد مرسي.. وجوه إن لم تكن "ديكور" لن تكون أكثر من "دوبلير" لأجهزة ودول وجماعات أخرى تحكم. الذين يكرهون "السيسي" يقفون على أقصى يساره، والذين يذوبون فيه عشقًا وتقديسًا وتأييدًا يقفون في أقصى اليمين، وهم ليسوا أقل من عشرة أضعاف كارهيه، هم قوته الجبارة التي لا تزال تؤمن به، وتسلم له، وتصدق إنه "عايز يديك، لكن مش قادر".

الذين يكرهون "السيسي" يقفون على أقصى يساره، والذين يذوبون فيه عشقًا يقفون في أقصى اليمين

هل نكره الثورة؟.. لا، هي كل تاريخ وإنجازات جيل قدّم "25 يناير" لنفسه قبل أن تكون للبلد. ادع لثورة، اغضب، عارض، قف على سلالم نقابة الصحفيين.. لا بد أن يشعر الرئيس ورجاله وحكومته بالقلق، فهم ليسوا في مأمن من طعنات جماعات الغاضبين، التي تعتبر أسهل هتاف ممكن "الشعب يريد إسقاط النظام"، لكن هل يسقط النظام فعلًا؟ 

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. لماذا تخاف الحكومة من الطلاب؟

الأرض غير جاهزة لاستقبال حاكم جديد، الغضب لم يتحوّل إلى لغم سينفجر في لحظة. الانتفاضة القادمة ستكون انتفاضة جائعين وليست ثورة باحثين عن الحرية، فلا مكان للباحثين عن الحرية وسط غضب الجوعى والمفلسين والواقفين في انتظار الموت. بدون شك، غضب السيسي من مظاهرات "جمعة الأرض" كأي رئيس لا بد أن يغضب من نزول مظاهرات ضده، المعلومة التي نشرتها "الشروق" المصرية عن سلسلة لقاءات بينه وبين كبار معاونيه لمنع أي مظاهرات أخرى في "25 أبريل" أقرب إلى الصحة بدليل حملة القبض على النشطاء لمرور اليوم بأقل الخسائر.

من حق الرئاسة أن تنفي، لكن صحيفة بحجم "الشروق" لن تجازف باسمها في شائعات، خاصة إذا كانت حول "قصر الرئاسة". يمكن أن تعتبر الصحيفة، التي تعتبر محمد حسنين هيكل، أباها الروحيّ، من جماعة إثارة القلق حول السيسي. وفق "مصادر مطلعة" قالت "الشروق" إن السيسي أمر بعدم السماح لنزول بمظاهرات جديدة، لن يفتح الشوارع لاستقبال غاضبين جدد.. مشاهد الجمعة الماضية كافية لجرح النظام. السؤال الآن حول "المصادر المطلعة" التي ورَّطت الصحيفة المصرية في الخبر. 

حول "السيسي" جماعة -من داخل السلطة- تثير القلق حوله، تضعه في قلب الأزمة، تكشف خبايا القصر للصحافة، تستفز الشباب بنشر إجراءات الرئيس لمنع المظاهرات لتوريطه في صدام سينتهي بهم في الأقسام والسجون بتهمة "التظاهر" أو في المستشفيات الميدانية، وفي الحالتين، النظام لن يهتز.

النظام قوي على الأرض، والثورة قوية أيضًا، وكل الأطراف يؤدون أدوارهم على المسرح بامتياز: الشباب يتظاهر، والأمن يفضّ ويشتبك، والرئيس يحكم. الكل يؤمن بأنه ليس مهزومًا ما دام يقاوم، الثورة "مكمّلة" والنظام مستمر، سيقاومان حتى النهاية.. لن يسقط أحدهما.

اقرأ/ي أيضًا:

بين هويتين

علم الجينات يوجه الضربة القاضية لإسرائيل