23-أكتوبر-2015

يوم فازت إيطاليا (Getty)

حين كنّا صغارًا كنّا نلعب كرة القدم في الشارع الممتد من بيتنا وحتى شارع عامودا. بالطبع لا أحد يعرف الأسماء الرسميّة للشوارع في القامشلي، وهو شارع طويل كلُّ قسم منه بالنسبة إليّ هو حارة مختلفة. كانت حارتنا هي قسم من الشارع إضافة إلى الشوارع الأخرى حول الحديقة المتواجدة في المنتصف.

مثل كلّ جيلي من أبناء المدن المنسيّة كنا نخترع ألعابًا غير مكلفة لأنّ الفقر ينهش أجساد عائلاتنا، وكانت كرة القدم لعبتنا المفضلة. نشاهد الفرق العالميّة، نعرف أسماء اللاعبين ونكتب هذه الأسماء على قمصاننا بقلم ذو حبرٍ أزرق جاف، نشجع منتخبات لدول لا نعرف موقعها على الخارطة، نلعب بهذه الكرة في الشوارع ونجرح ركبنا وأكواعنا ونتلف أحذيتنا الرخيصة فيضطر أهلنا لشراء أحذية رخيصة جديدة.

كنا نذهب إلى الملعب البلدي لنشجع نادي المدينة "نادي الجهاد" حيث يوزعون بعض الصبية ممن يعرفون في بعض الأحيان حول الملعب، كنت من أولئك الصبية مرتين أو ثلاث، كنا نلعب دور جامعي الكرات من جهات الملعب المختلفة. ذات يوم أعطيت الكرة للاعبنا المفضل قذافي عصمت، ومرة أعطيتها لحامي عريننا سامر سعيد فابتسم لي، رويت هذه القصة عشرين مرة في ذلك اليوم.

كنا نذهب إلى الملعب البلدي لنشجع نادي المدينة "نادي الجهاد"

كانت الكرة عشيقتنا واللاعبون أنبياؤنا ونحن الأتباع، نحن المجانين الذين نتسمر أمام الشاشة حين تلعب البرازيل، روماريو بطل العالم، رونالدو بطل العالم، كّلهم أبطال العالم. كانت الحياة حينها جميلة غزيرة بالنجوم، ذلك عصر لم يكن ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو موجودين فيه ويسيطرون على كلّ شيء.

كنّا نلّف جواربنا، ثلاثة، أربعة، عشرة، جوارب فوق بعضها ونلصقها بشريط لاصق عريض فتصبح كرة بشكل أو بآخر ونلعب في صالون بيتنا، فنكسر الأشياء الثمينة النادرة التي تمتلكها عائلتنا. ذات مرة كسرتُ تمثالًا من الكريستال كانت أمي قد جلبته معها من الاتحاد السوفيتي منذ أكثر من عشر سنين، حين كانت تدرس هناك.

حلمت أن أصبح لاعب كرة قدم فألعب نهائي كأس العالم ضد البرازيل أو ضد إيطاليا، أنا حارس المرمى الشهير الذي تبتغي كلّ أندية العالم أن تنال رضاه، كنت سألعب لبرشلونة لسنة واحدة فقط بعد أن أربح كأس العالم ومن ثمّ أعتزل اللعب، فتبقى الكرة هوايّة بعد أن أحقق المجد فيها ومن ثمّ أتجه نحو السينما التي أحب.

أنا حارس المرمى الشهير الذي تبتغي كلّ أندية العالم أن تنال رضاه!

بقيت كرة القدم رفيقتي وحبيبتي، كلّ شيء يأتي ويذهب، العمل، الحبيبة، العائلة، الوطن.... كلّ شيء يرحل لكن تبقى كرة القدم هي رفيقة الدرب والمشوار، أمارس اللعبة مرة أو اثنتين في الأسبوع على الأقل، أشاهد مباريات كلّ الفرق، أحيانًا وفي أوقات الذروة السنويّة، في الدوريات الأوربيّة خاصة، أشاهد أربع أو خمس مباريات في اليوم.

أعود لذاكرتي الكرويّة، نادي الجهاد نادي الطفولة ثم نادي الكرامة الحمصي نادي المراهقة والحماس والسفر إلى مدينة أخرى للتشجيع من داخل الملعب، هذه هي أنديّة الوطن أما الفرق العالميّة فكان نادي ريال مدريد هو حلمنا في الطفولة المبكرة ثم تحولتُ إلى برشلونة كخائن. حين كبرت قليلًا اكتشفت أندية الإنجليز مانشتر يوناتيد وليفربول وأرسنال. كبرت قليلًا فكان بروسيا دورتموند الألماني رفيقي وما زال، وإن سُئلت عن لون الدماء في عروقي فسأجيب أنها بلون ثياب دورتموند.

كنت في طفولتي أشجع البرازيل كما كلّ عائلتي، كبرت وأحببت الطليان وما زلت أشجعهم حتى اليوم. يوم التاسع من تموز/يوليو من العام 2006 كان عرسًا: إيطاليا ربحت كأس العالم.

نعم نحن نختار فرق لا نعرف سياسات دولها ولا نعرف أشكال حكامها ولا نعرف إن كان شعبها يحبنا أم لا، نحن فقط نحب اللعبة ولا نهتم لباقي الأمور، كرة القدم تجمعني مع الكثير من الأشخاص من حول العالم.

لا أفهم الكثير من الأشياء في هذا العالم، مثلي مثل الجميع كما أعتقد، ومن أكثر الأشياء التي لا أفهمهما هو صراع البشر في كوكب الأرض، كيف يمكن لكوكب يحتوي على شيء جميل مثل كرة القدم أن يحتوي على هذه الكمية الهائلة من الحروب والقتل والمجاعات والكوارث؟ كيف يمكن لبشرٍ يحبون هذه اللعبة أن يكونوا جزءًا من هذه المهزلة الأرضيّة؟ لا أفهم حقًا.

اقرأ/ي أيضًأ:

إنه الشغف!

بكاء على أطلال الميلان