15-سبتمبر-2019

لا يتفق اللبنانيون بخصوص الموقف من الدولة العثمانية (Getty)

مع اقتراب ذكرى مئوية إعلان قيام دولة لبنان سنة 1920، أطلق رئيس الجمهورية سلسلة من المواقف تناول فيها حقبة السلطة العثمانية التي كانت حكمت لبنان لعدة قرون، وهي حقبة يختلف اللبنانيون حول توصيفها، بين من يعتبرها احتلالًا، وبين من يرى أن لبنان كان يومها جزءًا طبيعيًا من السلطنة. عون اعتبر اأن كل محاولات التحرر من النير العثماني قد باءت بالفشل، وأن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خلال الحرب العالمية الأولى، أودى بمئات آلاف الضحايا ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة.

يتخوف اليوم الجزء الأكبر من اللبنانيين من أن يؤدي التوتر القائم بين لبنان وتركيا إلى تعليق العمل بإلغاء التأشيرات، وبالتالي ارتفاع تكلفة السفر إلى تركيا بالنسبة إلى ما كانت عليه في السابق

لمحة تاريخية: لبنان تحت الحكم العثماني 1516 – 1918

في عام 1516 نجح الجيش العثماني في السيطرة على لبنان وسوريا وفلسطين، وأصبح لبنان تابعًا للسلطنة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول، وقد عهد إلى الأمير فخر الدين المعني، وهو أمير لبناني من الأسرة المعنية، بتولي شؤؤن لبنان تحت وصاية الباب العالي.

اقرأ/ي أيضًا: للعنصرية أيضًا بيئتها الحاضنة في لبنان

استمر الحكم العثماني حوالي خمسمئة عام، وقد شهدت هذه القرون الخمسة سنوات هادئة وأخرى مشتعلة، وكان الباب العالي يولي أهمية كبيرة لقضية الجزية وجباية الضرائب. وكان بعض السلاطنة الجدد يفرضون ضرائب جديدة فتحدث ثورات وحركات تمرد. في العام 1822 فرض عبد الله باشا والي عكا التي يتبع لبنان إداريًا لها، ضرائب جديدة تفوق قدرة الفلاحين بالدفع، ما أدى إلى مظاهرات فلاحية رافضة لهذه الضرائب.

لم تخرج المشاكل بين اللبنانيين والسلطنة من إطار الاحتجاجات حول الضرائب، وكانت العلاقة جيدة في المجالات الأخرى، إلى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى ودخول السلطنة الحرب إلى جانب ألمانيا ضد الحلفاء، وفرض التجنيد الإجباري على الشبان اللبنانيين وتضييق الحريات العامة، وصولًا إلى أحداث 1916 المأساوية، وتعليق جمال باشا المشانق للناشطين في ساحة الشهداء.

كلام عون يشعل الصراع ويقسم اللبنانيين

لاقى كلام عون ردودًا قوية من داخل لبنان وخارجه، واستنكر المتابعون أن يخرج من رجل بموقع عون كلام غير مسؤول من شأنه أن يضرّ بمصلحة لبنان. هيئة العلماء المسلمين وصفت خطاب عون بالشعبوي وغير المسؤول، ورأت أنه يتضمن تزييفًا للحقائق، ورأت أن "خطاب الكراهية" الذي افتتحت به احتفاليات مئوية لبنان الكبير أساءت للمناسبة ولموقع رئاسة الجمهورية، وأنه ينتهك مقتضيات الحقيقة والعدالة. كذلك تركزت خطب الجمعة في عدد كبير من المساجد (في المناطق السنية تحديدًا) على رفض كلام عون، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على أحسن العلاقات مع تركيا، باعتبارها دولة إسلامية حليفة كبرى.

وقد أدانت وزارة الخارجية التركية بشدة تصريحات عون، وأصدرت بيانًا أعلنت فيه استنكارها الشديد لكلامه وقالت: "نرفض بشكل مطلق التصريحات المبنية على الأحكام المسبقة، والتي لا أساس لها عن الحقبة العثمانية، واتهامه للإمبراطورية العثمانية بممارسة إرهاب الدولة في لبنان. وأكد البيان على اعتزاز الدولة التركية بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية. وأشار إلى أن فترة الوجود التركي  في لبنان والمنطقة تميز على الدوام بالتسامح والهدوء إلى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وكما هي العادة إزاء كل حدث، تباينت آراء الجمهور اللبناني حول القضية. صباح الخميس الماضي تسلّلت مجموعة من مناصري التيار الوطني الحر الذي أسسه ميشال عون باتجاه السفارة التركية، حاملين يافطة تحتوي العلم التركي مشوهًا بجمجمة، في إشارة إلى الجرائم التي ارتكبتها السلطنة العثمانية، كما كتبوا عبارة "انضبوا" وهي العبارة نفسها التي استخدمها أمين حزب الله في أحد خطاباته مؤخرًا، متوجهًا للجنود الإسرائيليين. وقد تقدم عدد من المحامين اللبنانيين بدعوى قضائية ضد الناشط العوني طوني أوريان، ومن يظهره التحقيق مشاركًا أو محرضًا، وملاحقتهم بجرم الإساءة وتعكير صفو علاقة لبنان بدولة أجنبية، تبعًا للمادة 288 من قانون العقوبات.

فيما رفض قسم آخر من اللبنانيين كلام عون، ورأى أنه يضرب مصالح اللبنانيين، وبعلاقة لبنان مع تركيا. كما تشكل تركيا متنفسًا سياحيًا وتجاريًا للبنانيين، حيث كان البلدان قد ألغيا تأشيرة الدخول في ما بينهما في العام 2010، فباتت تركيا مقصدًا رئيسيًا للبنانيين حيث يستفيدون من تدني أسعار الخدمات والمنتجات هناك، في مقابل الغلاء الفاحش في لبنان مع التردي المتزايد في الخدمات، حتى أصبح قضاء أسبوع إجازة في اسطنبول أو مارماريس أقل كلفة على اللبناني من تمضيته في المناطق السياحية في لبنان.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

وكان السفير التركي في لبنان قد صرح في حديث صحفي في وقت سابق، بأن أكثر من مليون لبناني زاروا تركيا في العالم 2018، وبأن تركيا هي الوجهة المفضلة للبنانيين. وأشاد بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، وبأن الشركات اللبنانية تنظر إلى السوق اللبناني كسوق أساسي. كما بات رائجًا في الأشهر الأخيرة أن يشتري اللبنانيون من تركيا، إضافة للملبوسات والأحذية والأقمشة، الأدوية المزمنة والتي تتوفر في تركيا بأسعار زهيدة مقارنة مع أسعارها المرتفعة في لبنان.

لاقى كلام عون ردودًا قوية من داخل لبنان وخارجه، واستنكر المتابعون أن يخرج من رجل بموقع عون كلام غير مسؤول من شأنه أن يضرّ بمصلحة لبنان

يتخوف اليوم الجزء الأكبر من اللبنانيين من أن يؤدي التوتر القائم بين لبنان وتركيا إلى تعليق العمل بإلغاء التأشيرات، وبالتالي ارتفاع تكلفة السفر إلى تركيا بالنسبة إلى ما كانت عليه في السابق، ويوجهون اللوم إلى رئيسهم الذي عليه أن يكون صمام أمان له، وأن يبتعد عن الخطابات الشعبوية التي كان يشتهر بها يوم كان رئيسًا للتيار الوطني الحر.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سكاي نيوز عربية.. ما هكذا يُصَدق الكذب

لماذا يتودد أردوغان إلى بوتين؟