افتتح المفكر العربي والمدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة، أعمال الدورة الرابعة من برنامج المدرسة الشتوية التي ينظمها المركز العربي حول "إعادة النظر في الثقافة السياسية: عن العلاقة بين السياسة والقيم السائدة"، من خلال محاضرة عامة بعنوان "عن الثقافة السياسية والانتقال الديمقراطي"، اليوم السبت 7 كانون الثاني/ يناير 2023.

افتتح المفكر العربي والمدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة، أعمال الدورة الرابعة من برنامج المدرسة الشتوية التي ينظمها المركز العربي

انطلق بشارة في محاضرته من تقديم شرح وتأطير لـ"الثقافة السياسية"، قبل أن يصل إلى الانتقال الديمقراطي، وشرح فكرة الثقافة السياسية من خلال استعراض ما قدمه ألكسيس دو توكفيل تحت تسمية "أعراف الناس" و"عادات القلوب"، والتي تميل إلى أن تكون نتيجةً للتنشئة الاجتماعية، وهي ما وصفها الفيلسوف الألماني هيغل باسم "الأعراف"، بمعنى الأخلاق الاجتماعية.

وركزت المحاضرة على العلاقة بين الثقافة السياسية والانتقال الديمقراطي، بهدف الوصول لفهم أكثر دقة لمعنى الثقافة السياسية الديمقراطية من خلال شرح الأمر عبر الواقع الملموس.

واستكمل بشارة حديثه، بإشارته إلى أن هذه الأعراف لا تسبق المؤسسات الاجتماعية، ومن النادر أن تظهر بمعزل عنها، بل تتشكل وتتطور إلى جانب هذه المؤسسات وتصبح جزءًا منها، أي أن هذه الأعراف يتم إنتاجها داخل المؤسسات القائمة. كما استعرض بشارة أعمال عالم  السياسة الأمريكي سيدني فيربا المرتبطة بالثقافة السياسية.

وقدم بشارة خمس نقاط أساسية حول الثقافة السياسية والأخلاق أو الأعراف وارتباطها بالمؤسسات القائمة، أولًا، الافتراض أن للثقافة السائدة لدى السكان أثرًا مباشرًا في ترسيخ النظام الديمقراطي من عدمه. وانتقد بشارة في هذا السياق بعض التسميات المبنية على هذا الافتراض الخاطئ، مثل "ثقافة الطاعة". ثانيًا، بيّن بشارة كيف يحاول مؤيدو الأنظمة السلطوية تبرير الحكم الدكتاتوري من خلال الترويج لفكرةِ أن الحكم الديمقراطي يجب أن يسبقه نشوء ثقافة قابلة لاستقبالها. 

وأضاف بشارة في النقطة الثالثة، فكرة أهمية تحلّي النخب في عملية الانتقال الديمقراطي بثقافةٍ سياسية، تنطوي بالحد الأدنى على الاستعداد للحوار، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، والاعتقاد المشترك بأن العمليات والمؤسسات الديمقراطية المعترف بها دوليًا تبقى الإطار الأفضل لتسوية النزاعات. ورابعًا، أكّد بشارة أنه لا يحاول التقليل من أهمية قيم الناخبين، لا سيما أن حقوق الاقتراع تُمنح على الفور للشعب بأكمله عند تحقق الانتقال الديمقراطي. على عكس ما كان عليه الوضع تاريخيًا؛ إذ كافحت قطاعات مختلفة من السكان لانتزاع حقهم في التصويت، وحققوا ذلك تدريجيًا، حتى باتَ الاقتراع العام جوهر فكرة الديمقراطية. إن نجاح الانتقال الديمقراطي في أيامنا، يعني منح حق الاقتراع العام على الفور، مع إيلاء اهتمام أكبر لقيم السكان مقارنةً بالتجارب السابقة للدمقرطة، ولكن حتى في هذا السياق يبرز دور النخب التي تتخذ القرارات السياسية في المرحلة الانتقالية، بحيث لا تطرح خيارات غير ديمقراطية أو شعبوية أو تتحالف مع النظام القديم وذلك في خضم صراعها على السلطة. 

وفي النقطة الخامسة والأخيرة، تحدث بشارة عن أهمية دراسة الثقافة السياسية للنخب خلال الفترات القصيرة من المراحل الحاسمة وتفاعلها مع الثقافات السياسية المختلفة عند قطاعات واسعة من السكان، بعد خلع النظام مثلًا، بدلاً من محاولة استنباط الثقافة السياسية للشعب بناءً على جوهرٍ مزعومٍ لحضارته أو دينه واستنتاج فشل الانتقال الديمقراطي منها.

وأضاف بشارة أن الديمقراطية في هذه الأيام لا يمكن أن تبنى من دون التساوي في حقوق المواطنة وأيضًا احترام الحقوق والواجبات المدنية، والبداية يجب أن تكون من هذه النقطة.

أكد بشارة أهمية رسوخ النظام الديمقراطي وبناء المؤسسات ووجود مبادئ تحمل قيم الديمقراطية

وأكد بشارة أهمية رسوخ النظام الديمقراطي وبناء المؤسسات ووجود مبادئ تحمل قيم الديمقراطية، القادرة على إعادة إنتاج نفسها في ظل الإجماع السائد بين السكان على النظام التعددي والحريات والحقوق المدنية، مضيفًا أن إرساء الثقافة الديمقراطية هو جزء من مهمات هذا النظام، وليس شرطًا مسبقًا لنشوئه.