31-أكتوبر-2023
غزي يحمل طفلته الشهيدة

فلسطيني يحمل طفلته الشهيدة (Getty)

في تقرير صادم، قالت "هيئة إنقاذ الطفولة" إن عدد الأطفال الذين قضوا بالقصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال 3 أسابيع تجاوز عدد قتلى الأطفال سنوياً بمناطق الصراع على مستوى العالم منذ العام 2019. 

فبحسب بيانات رسميّة، بلغ عدد الشهداء من الأطفال في غزّة منذ بدء العدوان على القطاع 3350 طفلًا على الأقل، من بينهم 33 طفلًا في الضفة الغربية، وهو عدد يفوق عدد القتلى المسجّل سنوًا بين فئة الأطفال في أكثر من 20 منطقة نزاع حول العالم، على مدى السنوات الأربع الماضية. 

وبحسب جيسون لي، المدير الإقليمي لمنظمة "إنقاذ الطفولة" في الأراضي الفلسطينية المحتلة: فإن "مقتل طفل واحد وحسب هو مأساة كبرى.. ولكن هذه انتهاكات جسيمة بمستويات غير مسبوقة". وأضاف: "وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لضمان سلامة الأطفال، وعلى المجتمع المدني أن يجعل حياة الناس أولويّة قبل الحسابات السياسية، فكل يوم ينقضي يعني المزيد من القتلى والجرحى بين الأطفال". 

حرب على النساء والأطفال

يذكر أنه قد تم الإبلاغ عن فقدان أكثر من 1000 طفل آخر في غزّة منذ السابع من أكتوبر، قد يكونون تحت الأنقاض، وهو ما يرجّح ارتفاع عدد الشهداء الأطفال جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة المحاصر بشكل كامل إلى أكثر من 4000 طفل، أي حوالي نصف إجمالي عدد الشهداء المسجّلين منذ بدء الحرب، إضافة إلى إصابة أكثر من 6000 طفل آخرين. 

حربٌ على الأطفال والنساء

في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي اندلعت في 24 شباط/فبراير العام الماضي، بلغ عدد القتلى بين الأطفال حوالي 550 طفلًا، من بين أقل من 10,000 حالة وفاة بين المدنيين الذي سقطوا على مدى أطول بكثير مقارنة بالحرب التي تشهدها غزّة منذ 23 يومًا. ويعكس العدد الهائل من الشهداء بين الأطفال في غزة، طبيعة المجتمع الفلسطيني الشابّ والمليء بالحياة، حيث تشكّل الفئة العمرية دون 20 عامًا حوالي نصف السكّان في الضفة الغربية وقطاع غزّة، وهي نسبة تعدّ من بين الأعلى في العالم.

كما يؤشّر ذلك إلى معدلات الخصوبة المرتفعة نسبيًا بين الفلسطينيين، والذي يبلغ 3.4 (طفل لكل سيدة متزوجة)، وذلك وفق أرقام العام 2021، وهو معدّل يرتفع في القطاع إلى حوالي 4 أطفال لكل سيدة تقريبًا، بحسب بيانات الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء بين العامين 2017 و2019، متجاوزًا (بقليل) ما هو مسجّل في الدول العربية المجاورة لفلسطين، كالأردن ومصر.  

وبالنظر إلى المؤشّرات الاجتماعية العامة في القطاع والضفة الغربية، فإن ارتفاع معدّل الخصوبة فيها لا يمكن تفسيره بشكل أساسي إلا باعتبار الصراع ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ومقاومته، إذ لطالما كان الفلسطينيون واعين بأهمّية النمو السكاني والعامل الديمغرافي في الصمود ومقاومة التهويد واقتلاع الناس من أراضيهم، وهو عامل يصعب إسقاطه من الاعتبار عند تناول هذه المسألة، على الرغم من التراجع الحاصل في معدلات الخصوبة بين الفلسطينيين مقارنة بفترات سابقة. 

"حرب الأرحام" 

ينوّه باحثون رغم ذلك إلى أن النمو السكانيّ للفلسطينيّين لم يحدث نتيجة لسياسة تخطيطٍ سكّاني رسميّة ومنظّمة، وإنما إلى حالة من "اللاوعي الجماعيّ بأن الفلسطينيين في حاجة إلى أن يكونوا أكثر عدداً من أجل بقائهم فوق أرضهم"، وذلك يعود حتى إلى مرحلة سابقة للإعلان الرسمي عن قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948، بحسب ما تورد الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية. في المقابل، وضعت إسرائيل مبكرًا تدابير رسميّة لتضخيم الزيادة السكانية، وفق خطط مفروضة من الأعلى، وذلك بهدف ضمان الكثافة السكانية اليهودية. 

وعلى الرغم من ارتفاع معدل الخصوبة نسبيًا في فلسطين حاليًا، إلا أنّها تشكل تراجعًا عمّا كان مسجلا في ستينات القرن العشرين، حين بلغت أكثر من 9.2 للفلسطينيين المسلمين، وحوالي 4.7 بين الفلسطينيين المسيحيين. فقد تراجع هذا المعدّل بشكل متواصل خلال العقود الماضية، مع استثناء مؤقّت خلال فترة الانتفاضة الأولى، وتوسّع نطاق الجرائم الإسرائيلية بحق السكان الفلسطينين قتلًا وتهجيرًا. 

4000 طفل في غزة

ويرى مراقبون أن استهداف الجيش الإسرائيلي للأطفال والنساء في قطاع غزّة، لا ينفكّ عن هذه الحرب ذات المضمون الإحلاليّ، والمرتبط بشكل وثيق بالمعادلة الديمغرافية على الأرض، وهي مسألة ذات أهمية مركزيّة لدى إسرائيل. 

ففي غزّة يتزايد الوعي مجددًا بأهمية الديمغرافيا والإكثار من الإنجاب في معادلة الصراع مع الاحتلال، والتأثير على الواقع، وتعزيز قدرة سكّان القطاع على استمرار التأثير في المسألة الفلسطينيية باعتبار ثقلهم ضمن الجسد الفلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات. فسكان سكان غزة يشكلون حوالي ثلثي عدد سكان الضفة الغربية، ومع تواصل معدلات الخصوبة الحالية فيها، فإن عدد سكانها قد يتكافأ مع عدد الفلسطينيين في الضفة في غضون عقدين على الأكثر، وهو ما يجعل القطاع وسكّانه تهديدًا وجوديًا ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يفسّر الحصار الخانق عليه على مدى 16 عامًا، كما يساعد في تفسير التركيز على قصف المدنيين واستهداف الأطفال والنساء هناك.