13-يناير-2023
الروائي واللغوي الفلسطيني عبد الله الدّنّان

الروائي واللغوي الفلسطيني عبد الله الدّنّان

كان أوّل لقاء لروحي معه يوم كنتُ في فترة الانقطاع الدراسي للتحضير لامتحانات الشهادة الإعداديّة، والّتي تسمّى بروڤيه في سوريا.

يومها وجدت بين الكتب القديمة روايةً شرعت في قراءتها ومن فوري صرت جزءًا منها وصار تربي حسن الذي يجتهد لامتحانات المترك في فلسطين. بعد قليلٍ اكتشفت وقتها أن حسن كان في الحقيقة تربًا لوالدي بما أن أحداث رواية "خبز وبارود" كانت في فلسطين حوالي فترة 1940 وبالتّالي فقد كان فعليًّا من جيل والدي الحبيب.

كان اللغوي والروائي عبد الله الدنّان ذا تأثير في الأطفال العرب كونه كان كبير المدقّقين اللغويّين في البرنامج الشهير "افتح يا سمسم" 

 

أذكر تمامًا عندما وصلت للمقطع الذي تزغرد فيه أم حسن وأردّد معها باكيةً منتحبةً: "أويها وحسن أخذ الشّهادة وأويها وانتصرنا على الأعادي".

وعند انتهائي من قراءتها عدت إلى الصفحة الدّاخليّة فوجدت إهداء من المؤلف عبد الله الدنان إلى والدي يدل على أنّهما صديقان مقربان. هرعت يومها إلى والدي متساءلةً عن ذلك المؤلف الذي اخترق عظامي وقلبي وروحي بروايته. وبعدها غرقت في روايته الثانية "يا ليلة دانا" وتعرّفت على حياة وأحلام صيّادي اللؤلؤ في الكويت.

الكويت التي كانت أوّل بلدٍ استقبلني لدى وصولي إلى هذه الحياة، وهناك كانت صداقة والدي مع العم أبي ياسر.

وقد اكتشفت لاحقًا أنّ تأثير الدكتور عبد الله يعود إلى طفولتي التي كان برنامج "افتح يا سمسم" جزءًا أساسيًّا وأصيلًا منها، وكان هو كبير المدقّقين اللغويّين فيه.

وهناك كان دكتورنا العزيز قد بدأ بتحقيق حلم حياته وشغفه بإعادة العربيّة الفصحى إلى فطرتنا وفطرة أطفالنا، ليكون من هنا قد فتح بوابةً عظيمةً لحل مشكلاتنا الحضاريّة والوجوديّة في هذا الزمن.

وتمر الأيّام وتدعوني أمّي الثّانيّة التي ساهمت كثيرًا في بناء منظومتي الفكريّة/الدّينيّة، السيدة حنان لحام حفظها الله تعالى وبارك فيها، لاتّباع دورةٍ تدريبيّةٍ للمعلمات لتعليم الفصحى بالفطرة للأطفال. يقودها ويشرف عليها الدكتور عبد الله الدّنّان، الذي كان قد عاد إلى دمشق وافتتح مدرسته بعد أن كان قد بدأ مشروعه في الكويت. لم يفقد الأمل بعد ضياع كل شيءٍ هناك. بل ازداد إصرارًا وشغفًا وقرّر أن يعيد تأسيس مشروعه، الّذي بدأه مع ولده باسل وابنته لونا عندما كانا طفلين، ليصبح منارة لكلّ الوطن العربيّ.

اتّبعت الدّورة بكلّ حبٍّ واحترامٍ. وتعزّز لديّ شغفي بلغتي الحبيبة وبنقلها إلى الأجيال الواعدة. ولم أكن أدري أنّ هذا الشّغف سيتبعني إلى بلاد الفايكنغ، حيث صرت في غمضة عينٍ في عداد سكّان تلك البلاد مع زوجي وفرساننا الثلاثة. هناك وجدتّني أستحضر ما درّبني عليه أستاذي الجليل من التعامل والتحدّث بالعربيّة الفصيحة مع الأطفال فتحوّل بيتنا إلى حضانةٍ مصغّرةٍ تقتصر على ثلاثة تلاميذ. ولم ألبث طويلًا قبل أن أشرع، بالتّعاون مع بعض الأصدقاء، في مشروع تطوعيّ لأطفال الحضانة العرب في قريتنا ومن ضمنهم أطفالي أنفسهم. كان مشروعًا أسبوعيًّا دام لمدّة ستة شهورٍ وأسميناه "عالم سمسم"، تيمّنًا بالبرنامج العتيد إيّاه.

بعد انتهاء المشروع بمدة قصيرة أصبحت معلّمة لغة عربيّة كلغة أم في مدرسة القرية التي نقطن فيها، ولا زلت حتى اليوم، وبالتّالي صارت تعاليم الدّكتور عبدالله، رحمه الله تعالى، كما يقال "كالحلق في أذنيّ" و صرت أتبع أساليبه قدر المستطاع رغم اختلاف مواصفات الفئة المستهدفة.

تغمّد اللّه تعالى الدّكتور الروائي واللغوي الفلسطيني عبد الله الدّنّان الّذي وهب حياته لقضيّة لغتنا الحبيبة وكان كثيرًا ما يقول: "أريد أن أصل برسالتي لكلّ إنسان يهمّه الأمر ولو استوقفني بائع الحلاوة ليعرف عن مشروعي لوقفت معه ساعاتٍ أحكي له من دون ملل أو تعبٍ".