11-يونيو-2019

الشاعر عبد العظيم فنجان

يكتب عبد العظيم فنجان في مجموعته الشعرية الجديدة "الملائكة تعود إلى العمل" (دار الآن، 2019) قصائد تدور في موضوعٍ واحد هو الحب. يُحاول الشّاعر العراقيّ أن يُنجز تجربة مشابهةً لتجربة "الحب حسب التقويم البغدادي" (2009)، و"الحب حسب التقويم السومري" (2013)، ولكنّه يقع هذه المرّة في فخّه، الحب، كموضوعٍ مكرورٍ ومكرورٍ جدًا، بعد أن نجح في تجنّبه في مجموعتيه المذكورتين أعلاه. ناهيك أصلًا عن أنّه بدا فاقدًا لكلّ الأدوات التي منعت قصائد مجموعاته السابقة من الذهاب نحو العادية والابتذال والتكرار.

بداية فنجان، قبل عشر سنوات، بداية مميّزة. عمله الأوّل "أفكر مثل شجرة" كان عملًا مدهشًا ولافتًا

بداية فنجان، قبل عشر سنوات، بداية مميّزة. عمله الأوّل "أفكر مثل شجرة" كان عملًا مدهشًا ولافتًا. وبغضّ النظر عن تفاوت جودة ما أنجزه بَعدهُ، إلّا أنّه لم يصل إلى مستوى مجموعته هذه، أي "الملائكة تعود إلى العمل"، التي تصلح لتكون باكورةً أو بداية، لا عملًا سادسًا يُفترض به، وبطبيعة الحال، أن يُقدّم جديدًا ما يُذكر. وفضلًا عمّا سبق، فإنّ نضوج نبرته، والزوايا الخاصّة التي شيّدها لنفسه، وكتب منها، معوّلًا دائمًا على بذل الجهد والعناية الفائقة في تأليف الصور والاستعارات، تغيب عن هذه المجموعة، اللهم باستثناء قصائد قليلة تُعدّ على أصابع اليد.

اقرأ/ي أيضًا: عبد العظيم فنجان.. كمشة سرد

يخرج قارئ "الملائكة تعود إلى العمل"، خصوصًا ممن سبق وأن قرأ أعمال الشّاعر العراقيّ، ويتابع اليوم نشاطه المُلفت للانتباه في السوشيال ميديا، الفيسبوك تحديدًا، ويُدرك أيضًا مدى تأثّره به؛ بمجموعة انطباعاتٍ أوّلها أنّ المجموعة تبتعد بمسافاتٍ كبيرة جدّا من حيث جودة النصوص عن سابقاتها، تحديدًا أعمالها الثلاثة الأولى غير المكرّرة. ناهيك عن أنّ بعض قصائد المجموعة أقرب إلى بوستات الفيسبوك، والبعض الآخر مكتوبٌ بمعاييره.

النتيجة أنّ فنجان وقع أسيرًا أو ضحيّةً للفيسبوك، ومتطلّبات روّاده، خصوصًا جمهوره ومتابعيه. ومن داخل الفيسبوك تحديدًا كتب مجموعته هذه، مُغفلًا مهمّته الأساسية كشاعر، وهي كتابة ما يُقنع القارئ بشكلٍ عام، مكتفيًا بكتابة نصوص لا تُقنع إلّا جمهوره الأخير، وتُشبع رغباته. وبالتالي، يكون هذا الأمر، أي أن تُحاط بمجموعةٍ كبيرة من المُتابعين فجأة، ممن يُعيدون تداول ونشر ما تكتبه بصورةٍ مفزعة، مندهشين وإن لم يكن هناك ما يستدعي الدهشة، ويكونون أقرب إلى منبرٍ جديد لك؛ هو مأساة عبد العظيم فنجان، واللعنة التي حلّت عليه فجأة.

نجد في المجموعة قسمًا يحمل عنوان "أسطورة سارق الكتب"، وفيه نصًّا طويلًا بعنوان "إنجيل ملفّق"، يُمكن القول إنّه موجّهٌ للمذكورين أعلاه تحديدًا. النص يبدو أقلّ من عادي، ويغلب عليه طابع النصيحة أو الحكمة، كأن يقول: "ينبغي أن نشكر الجروح التي تمنحنا ألمًا كريمًا/ أن نحتفي بالصرخة السامية التي تجرحُ الحنجرة/ وبالحبّ الخائب الذي يقدحُ فينا شرارة الشعر. ينبغي أن نبجّل المرأة/ تلك المرأة العابرة كالبرق، لكن وجهها يشرق أبدًا في الذاكرة". أو: "لا تجرح المرأة/ ولا الصباح". يقول في نصٍّ آخر: "لا أحد يعرف كيف تفكّر المرأة التي خنقت حبَّها/ إلّا الرجل الذي كان لها بمثابة الهواء". و:"اصنع من أعدائك ملهمين/ ضع ما يقولونه تحت مطرقة الابتكار/ واضرب كمعلّم. وحدك من يبتكر الشرارة التي تشعل النار في قشّ القدر".

نصوص وعبارات تصلح لأن تكون بوستات فيسبوك، كما تصلح لأن تُنزع من المجموعة وتنتشر في حسابات الأخير انتشار النار في الهشيم، ويتبادلها المتابعون بمحبّة ودهشة فظيعة، باعتبار أنّها مكتوبة كما يشتهون تحديدًا، وكما يشتهون أن يكون الشّعر أيضًا؛ نصائح وحكم تصلح للتبادل والتداول ووضعها أعلى الصور الشخصية لا أكثر. لا يُمكن التعامل مع هذه النصوص إلّا بهذه الطريقة، وباعتبارها خيبة غير متوقّعة أيضًا ممن كتب "أفكّر مثل شجّرة"، وأخذ بعد ذلك يكرّر نفسه، بعد أن استنفذ مخزونه كاملًا على ما يبدو.

في "الملائكة تعود إلى العمل"، بدت الاستعارات الجيّدة مكرّرة ومُعادٌ تدويرها من نصوصٍ سابقة

نصوص القسم الأوّل "شعبٌ من الفراشات والبلور" جاءت باستعاراتٍ ضعيفة، بينما بدت الاستعارات الجيّدة مكرّرة ومُعادٌ تدويرها وصياغتها من نصوصٍ سابقة، بمعنى أنّها حاملةً أفكارًا قُدِّمت سابقًا، وتقدّم الآن بصورةٍ مختلفة، تفتقر بدورها إلى الدهشة التي كانت يومًا، برفقة البراعة والاجتهاد في تأليف الصور والاستعارات، رأس مال من قدّم "كيف تفوز بوردة". نصوص أو قصائد لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وتقدّم للقارئ باردةً. يقول: "أنتِ امرأة، امرأة جدًا، امرأة حقًّا، كشعب من العطر، ينظّف رئة الهواء. وأنتِ، بدون هذا وبدون ذاك، أنتِ: أجملهنّ هي أنتِ". أو "عثرت في أحد جيوب سترتي الشتائية/ على فراشةٍ/ وتذكّرتُكِ". أو "أحتاج أن نلتصق/ أن نتناغم كالموسيقى/ وأن نمتزج كما تمتزجُ قبلةً بقبلة/ كي يتعطّل الموت/ يتوقّف الزمن/ وتولد الحياة". في نصٍّ آخر: "أنتِ حمامة الطوفان التي، من هديلها، ولدت اليابسة/ ومن رفيف أجنحها تكوّن النسيم/ وعثر الهواء على رئتيه".

اقرأ/ي أيضًا: إياد شاهين الذي صفعنا ومات

يقول عبد العظيم فنجان في أحد قصائد مجموعته هذه "الملائكة تعود إلى العمل" إنّ الشعر يفرك الصدأ عن القلب. والحقيقة أنّه بمجموعته هذه التي جاءت مكرّرة أكثر من سابقاتها، بدأ يُراكم الصدأ فوق تجربته أوّلًا، وفوق قرّائه الذين عرفوه بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، وبصورته الأولى، ثانيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ناجي رحيم: العالم أرجوحةُ فُقدان

"طفولة آدم".. أنفاس الشعر الهاربة من الحرب