22-أبريل-2016

عبدالله بوكفّة (الترا صوت)

يعود تاريخ استقبال الجامعات الفرنسية لطلبة جزائريين إلى الفترة الاستعمارية "1832 ـ 1962" على قلتهم. كان أغلبهم يستفيد من ذلك لدواعي الترجمة أو الانتماء إلى الأسر المتواطئة مع الاحتلال أو لتلميع الصورة، إذ كانت فرنسا تحاول أن تظهر بمظهر الدولة العادلة التي لا تفرّق بين "مواطنيها"، وتشكلت نتيجة ذلك نخبة من الطلبة ساهمت في تغذية الفعل الثوري في الداخل الفرنسي.

بعد الاستقلال، خضع حضور الطالب الجزائري في الجامعة الفرنسية إلى الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الحكومتين أو إلى المبادرة الشخصية للطالب نفسه

بعد الاستقلال الوطني خضع حضور الطالب الجزائري في الجامعة الفرنسية إلى الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين الحكومتين أو إلى المبادرة الشخصية للطالب نفسه، إذ يحدث أن يراسل جامعة ما للالتحاق بها فيُقبل ملفه، قد يحظى بمنحة وقد يعتمد على جيبه، لكن الشهادة التي يحصل عليها عادة ما تؤهله للاستفادة من وظيفة تكون مقدمة للإقامة الدائمة التي تشكل حلمًا لقطاع واسع من الشباب الجزائريين.

اقرأ/ي أيضًا:  الطلاب العرب في جامعات العالم.. صعوبات مختلفة

الطالب الجزائري والفنان عبدالله بوكفة من هذا الصنف، هاجر بطريقة شرعية إلى فرنسا وقدم ملفه لجامعة "باريس 8" فتم قبوله بعد إلحاح دام ستة أشهر. عن لحظة التفكير في الهجرة وما تبعها، يقول لـ"ألترا صوت": "كنت أدرس الأدب الإنجليزي وفنون التمثيل دفعة واحدة في الجزائر، ملبيًا رغبتين داخلي، أن ألمّ بسياقات الثقافة الإنجليزية وأن أصبح ممثلًا، ثم وجدتني منجذبًا إلى رغبة قديمة هي خوض تجربة في الفضاء الأوروبي، فطلبت تأشيرة سياحية إلى فرنسا، وهناك استقبلني طلبة جزائريون وأغروني بالدراسة في الجامعة الفرنسية".

سألنا محدثنا إن كان وجد الفضاء الفرنسي كما توقعه فقال: "لم أندم على قرار الهجرة إلى الآن على الأقل، رغم أنني لم أستوف أوراق الإقامة بعد، بكل ما يترتب عن ذلك من حذر في التحرك، غير أنني تعلمت أمورًا مفيدة كثيرة منها أنني تخليت عن روح الكسل التي زرعتها في داخلي اليوميات الجزائرية، حيث وجدت نفسي مضطرًا لاستغلال يومي كاملًا حتى أتعلم وأعيش معًا، بالرغم من أن النظام المعمول به في فرنسا لا يسمح للطالب الجزائري بالعمل أكثر من عشرين ساعة، وغالبًا لا يوفر له منحة، بهذا تكون المعيشة قاسية جدًا إذا لم تتوفر مساعدة العائلة، ثم إنني أستمتع بالجرعة الكافية من الانفتاح على الثقافات".

يحلم قطاع واسع من الشباب الجزائريين بالحصول على الإقامة الدائمة والعمل في فرنسا

اقرأ/ي أيضًا: عن تجربة المدارس المختلطة بين الجزائر وفرنسا

عبدالله بوكفة اختار في جامعة باريس تخصصًا قريبًا من تخصصه في الجزائر. يقول: "أدرس اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية في مجال التجارة والإعلام، إنه تخصص عملي جدًا يجعلني أساهم في تغيير الصورة النمطية التي يحملها الغربيون عن العرب والمسلمين، والتي باتت أكثر سوادًا بعد التفجيرات الأخيرة التي شاركت الفرنسيين في جمع الأشلاء التي خلّفتْها".

لم يتخل عبدالله بوكفّة عن أحلامه الفنية التي كبرت معه في الجزائر، منطقة الأوراس تحديدًا، إذ أسس فرقة مسرحية أسماها "تياترو بالعربي"، مع نخبة من الطلبة ذوي المشارب المختلفة لكنهم يلتقون في الإيمان بوحدة الإنسانية ووجوب توريط الفنون والآداب في زرع قيم التقريب بين الشعوب والمشارب والحضارات، عن هذا التعدد يقول: "أنا سني متصوف ومعي مسيحي بروتستانتي وقبطي مصري متدين وفلسطينية أورثوذوكسية وتونسي علماني، وحتى نستمتع باختلافنا ونمارسه قررنا أن نكتب نصوصنا المسرحية جماعيًا". يواصل: "باريس وفرت لنا كل الإمكانيات التي نحتاج، فالجامعة تدعمنا ماليًا وتعاملنا بصفتنا فنانين والمسارح تفتح لنا أبوابها والتعاونيات الثقافية إلى جانبنا، وهذا معطىً مشجع".

كما انخرط عبدالله بوكفة مؤخرًا في كتابة الشعر باللغة المحكية أو ما يُعرف مغاربيًا بالزجل، ونشر نخبة من النصوص لفتت الانتباه إليها. يبرر بوكفة هذا التوجه إلى اللغة المحكية: "وأنا أكتب من داخل الإحساس بالغربة، حيث البعد عن مكاني وإنساني وما يحيل عليهما من عادات وروائح وطقوس، وجدت نفسي مدفوعًا عفويًا إلى اعتناق اللغة الأم التي سمّيت بها الأشياء الأولى".


 

اقرأ/ي أيضًا: 

استنساخ الرسائل الجامعية في الجزائر.. أرقام مخيفة!

الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟