05-فبراير-2022

من احتجاجات في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (Afro-Palestine Newswire Service)

الترا صوت – فريق التحرير

حاولت إسرائيل منذ تأسيسها فوق أنقاض مئات آلاف الفلسطينيين ومجتمعهم، تطوير علاقاتها مع دول أفريقية عدة، فيما بقيت هذه العلاقات مرتبطة دائمًا بالتطورات الإقليمية والدولية. وفي الفترة الأخيرة، يترافق تنامي التطبيع بين دول عربية عدة وتل أبيب، مع توجه واضح لدى الإدارات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، نحو فتح آفاق جديدة لصادراتها العسكرية ومبعوثيها الدبلوماسيين في أفريقيا، بالإضافة إلى شرق وجنوب آسيا.

لماذا تهتم إسرائيل في أفريقيا على هذا النحو؟ ولماذا أصبحت أفريقيا من الوجهات الدبلوماسية الحيوية بالنسبة لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى مؤخرًا؟

كما أن الفترة الأخيرة شهدت انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي في عضوية مراقب، وهي الخطوة التي أثارت كثيرًا من الجدل، ومن المتوقع أن تنتهي بطرد تل أبيب من الاتحاد بعد جهود مكثفة قامت بها الجزائر وجنوب أفريقيا. لكن لماذا تهتم إسرائيل في أفريقيا على هذا النحو؟ ولماذا أصبحت أفريقيا من الوجهات الدبلوماسية الحيوية بالنسبة لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى مؤخرًا؟

يرتبط فهم هذا التطور بعدة متغيرات إقليمية ودولية، وكذا محلية متعلقة بالصراعات بين النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية. كما يجب وضعه في سياق تطور علاقات إسرائيل خارج أفريقيا مع دول عديدة بعيدًا عن تحالفاتها التقليدية مع الدول الغربية. حيث إن التنامي في هذه العلاقات، والانتقال النوعي من التعاملات الاستخبارية والاقتصادية السرية، إلى الزيارات الرسمية العلنية، لا يحقق جزءًا من طموح إسرائيلي قديم فقط، ولكنه مرتبط أيضًا، بواحدة من سرديات الحكومات اليمينية في إسرائيل ودعايتها العامة. وقد أصبح من المعروف، أن "اختراق" إسرائيل لما يسمى بالمحور "السني المعتدل"، وتحقيق تقدم في التعاون مع دول أفريقية وآسيوية، أصبح جزءًا رئيسيًا من سردية نجاح الحكومات الإسرائيلية، سواء خلال المرحلة الأخيرة من إدارة بنيامين نتنياهو، أو إدارة نفتالي بينيت الحالية.

تتنوع الأسباب التي تسعى إسرائيل من أجلها إلى توطيد العلاقة بالقارة الأفريقية. منها ما هو اقتصادي، دعائي، سياسي أو استراتيجي. تتشابك هذه العوامل والجوانب جميعها في سياق أفريقيا المركب، حيث تعاني دول عديدة من العقوبات الدولية والانقلابات، كما تبرز قضايا إقليمية مثل أزمة سد النهضة، ويُحظر تصدير الأسلحة إلى مناطق كثيرة تسودها النزاعات الأهلية.

هنا، سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى سد الفراغ، بابتزاز في أحيان، وبوعود في غيرها. وطالما استطاعت الحكومات الإسرائيلية استغلال تجاوزاتها للقوانين الدولية، التي يتم غض النظر عنها، لتحقيق إنجازات دبلوماسية واقتصادية. وليس بعيدًا عن ما يحدث اليوم، فإن علاقات تل أيب مع نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، كانت المثال الأبرز على هذه السياسة. إذ سعت إلى اختراق العزلة الدولية التي كانت مفروضة على نظام الفصل العنصري آنذاك، من خلال تزويده بالأسلحة والصادرات الأمنية وعقد صفقات الماس الأفريقي المهرب من مناطق النزاع بأشكال غير شرعية.

تفعل إسرائيل الأمر نفسه مع عدد غير قليل من الدول الأفريقية والآسيوية، التي تسود فيها صراعات أهلية، حيث تتجنب غالبًا الدول الأوروبية تصدير الأسلحة إليها. وتشير عدة تقارير، في هذا السياق، إلى أن إسرائيل دأبت على تصدير الأسلحة إلى هذه الدول، في نوع من المساومة على المواقف السياسية، وكذا على الموارد الطبيعية. ولعل تجارة الماس المصقول، الذي تُعد أفريقيا مصدرًا بارزًا لمادته الخام، هي المثال الأوضح على ما تجنيه إسرائيل من تصدير الأسلحة لمناطق النزاع.

قبلة الاستبداد الآمنة

لقد استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتتالية، من خلال لوبياتها المؤثرة في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، أن تكون وجهة أساسية لعشرات من الأنظمة الديكتاتورية في الجنوب العالمي. إذ إن هذه الأنظمة تسعى إلى حل أزماتها السياسية والحقوقية، من خلال التصالح مع إسرائيل، وبناء تحالفات معها. وعلى ما بدا من وقائع أخيرة، فإن إسرائيل تمارس ضغوطات واسعة على الدول الغربية، دفاعًا عن الأنظمة المتحالفة معها، على اعتبار أن الاستقرار والمساهمة في إرساء السلام، أهم من المسائل الحقوقية.

تتنافس هذه الأنظمة على كسب ود الولايات المتحدة تحديدًا، والغرب بشكل عام، من خلال كسب ود إسرائيل. غير أن هذه العلاقات لا تقتصر على هذا المسار. فمن الملاحظ أن ثمة شبكة واسعة من التحالفات البديلة أيضًا، التي تساهم إسرائيل جنبًا إلى جنب مع السعودية والإمارات في تأسيسها بين الدول غير الآبهة بقضايا الحريات، في مواجهة مشتركة ضد الضغوطات الحقوقية، التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني. يعزز ذلك، ما تتداوله تقارير يومية عن تحول إسرائيل إلى رمز لليمين الشعبوي والاستبداد في كثير من الأماكن في العالم.

كما تأتي شبكة العلاقات البديلة هذه، كاستجابة للانتقادات التي تعرضت لها الممارسات الإسرائيلية من قبل منظمات غربية وحتى حكومات في بعض الأحيان، حيث أصبح ملف حقوق الإنسان، مزعجًا لإسرائيل، كما هو مزعج للأنظمة الاستبدادية التي تتحالف معها. ولعل تقارير منظمات دولية صدرت مؤخرًا، مثل تقارير منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، اللتين وصفتا إسرائيل بدولة الفصل العنصري، تدفع تل أبيب إلى تعزيز هذا المسار.

أصبح ملف حقوق الإنسان، مزعجًا لإسرائيل، كما هو مزعج للأنظمة الاستبدادية التي تتحالف معها

في هذا السياق، تلعب السعودية والإمارات، دورًا مهمًا في التوسع الإسرائيلي في أفريقيا. وليس من المصادفة، أن الدول التي غالبًا ما تتأثر سياساتها الخارجية بالمال السياسي السعودي والإماراتي، هي الدول التي تقيم علاقات جديدة ووثيقة مع تل أبيب. تنطبق هذه الحال مثلًا على تشاد، وكذا على الجهود الواضحة التي بذلتها أبوظبي والرياض بوساطة مصرية في السودان، وانتهت إلى توقيع المجلس العسكري السوداني لاتفاقية تطبيع. أما المثال الأحدث والأبرز، فهو دعم تل أبيب للانقلاب العسكري في السودان، ومساعيها المتواصلة لمنحه مزيدًا من الشرعية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل.. 3 مراحل و3 أهداف

انطلاق القمة الأفريقية في أديس أبابا وملف طرد إسرائيل على الطاولة