13-أكتوبر-2017

أضرار انفجار في إحدى الكنائس المصرية نهاية سنة 2016 (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

في حادثة ليست الأولى من نوعها، قُتل كاهن مسيحي طعنًا في رقبته ورأسه من قبل أحد الأشخاص المتطرفين دينيًا، بمدينة السلام بالقاهرة، صباح أمس الخميس 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وحسب الأخبار المنتشرة على عدد من المواقع الإخبارية المصرية ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن القمص سمعان شحاتة، كاهن كنيسة بمركز الفشن التابعة للتقسيم الإداري لمحافظة بني سويف جنوب القاهرة، اعتاد أن يذهب إلى منطقة المرج بالقاهرة بشكل دوري لكي يجمع التبرعات والمساعدات المالية لفقراء الكنيسة، وفقًا لما جاء على لسان القمص شنودة جرجس، راعي كنيسة العذراء بمدينة السلام، بينما هاجمه شخص بسلاح معدني حاد ليصيبه بطعنات نافذة في رأسه وبطنه ليفارق على إثرها الحياة، ونُشر مقطع مصور من كاميرات المراقبة غير واضح المعالم، قيل إنه للحادثة المذكورة، يقوم فيه شخص ما بمطاردة أحدهم وطعنه بسلاح حاد في جسده.

يصيب الذعر أقباط مصر بعد كل حادثة مأسوية وتضيف من إحساسهم بعدم الأمان والإهمال

وعلّقت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على الحادث في بيان لها، يُمكن وصفه "بالباهت" إذ لم يحمل جديدًا، سوى أنه جاء سريعًا على غير المعتاد واستخدم لفظة "استشهاد" بدلاً من "مقتل"، كدلالة ضمنية على أن الحادث مدبر ويعتبر حادثًا إرهابيًا نتيجة التطرف وليس جريمة جنائية عادية، أمّا في محتواه الباقي فكانت الصياغة مقتضبة وخبرية تشرح تفاصيل الحادثة في كلمات قليلة ومعلومات عن الضحية مع إبداء الأسف فقط.

ومن سخرية القدر أن تأتي هذه الحادثة في اليوم نفسه الذي يوافق فيه مجلس الوزراء المصري على مشروع قانون لإنشاء "صندوق تكريم شهداء ومفقودي ومصابي العمليات الإرهابية وأسرهم"، ولكن هل تصنف مثل هذه الحوادث كحوادث إرهابية كما تنظر إليها الكنيسة أم تعتبرها الدولة حوادث جنائية عادية غير مصنّفة تحت بند الإرهاب أو التطرف الديني، خاصة بعد تعالي بعض الأصوات التي تفترض الخلل العقلي في مرتكب الجريمة.

اقرأ/ي أيضًا: قصة تحول السيسي من "مسيح الأقباط" إلى "أسوأ رئيس جمهورية"

غضب وخوف يصيب مسيحيي مصر

يصيب الذعر أقباط مصر بعد كل حادثة مأسوية مرتبطة بالمتشددين دينيًا والاعتداءات العنصرية من المتطرفين سواء كانت بشكل فردي أو بشكل جماعي كحادثة أتوبيس المنيا في أيّار/ مايو الماضي، فمن الصعب أن تعيش مهددًا في بلدك لمجرد أن عقيدتك مختلفة عن عقيدة الأغلبية وتشعر في كل لحظة أنك معرض للقتل.

دوّن أصحاب الديانة المسيحية من المصريين على الحادث عبر مواقع التواصل الاجتماعي في لهجة شابها الخوف والغضب في الوقت ذاته، فنشر أحد الأشخاص القريبين جغرافيًا من الحادث، مقطعين مصورين سجلهما بنفسه لسيارات الإسعاف وهي تنقل الضحية، وذكر أن "الشرطة والإسعاف وصلوا بعد ساعتين ونصف من وقت وقوع الحادث"، في إشارة لحجم الإهمال والاستهتار بحياة الناس.

 

 

 

 

وعلّق مسيحي آخر على صفحته على موقع فيسبوك أنه "لم يشعر بالأمان منذ أن ولد في مصر، فمنذ طفولته وهو يسمع عن حوادث الاعتداء على المسيحيين والمذابح التي تحدث ضدهم من المتطرفين دون حماية حقيقية من الدولة"، ثم ذكر أسماء بعض الأحداث الإرهابية التي طالتهم منذ 1970 حتى اليوم، كما قال. واستنكر آخر "تجاهل وسائل الإعلام لتغطية الحادث بالشكل المناسب"، كما سخر من فكرة أن يكون الجاني مختلًا عقليًا، كما أشيع من قبل البعض.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ الكاتدرائية المرقسية..حين كان التسامح مصريًا

الأوضاع الأمنية لأقباط مصر لا تبشّر بالخير

تتدخل السلطة في استخدام الأقباط وتطويعهم بالشدة حينًا وبالتحايل والتخويف والترهيب أحيانًا أخرى ليبقوا تحت سلطتها

ربما تشهد السنوات الثلاث الأخيرة أسوأ فترة مرت على أقباط مصر من حيث الأوضاع الأمنية وحمايتهم من قبل الأجهزة الأمنية المختصة، رغم أن الوضع لم يكن جيداً في السابق أيضًا، ما جعل فئة ليست بالقليلة تفقد الثقة في الجهاز الأمني والسلطات بشكل عام، فتعليقًا على الحادث السابق يقول الشاب المسيحي ب.ج لـ"الترا صوت"، متهمًا السلطة بالتواطئ مع المجرمين "السلطة تريد إعادة فرض حالة الطوارئ؟.. بسيطة، اقتل واحد مسيحي!". يذكر أن مصر أعلنت في ذات اليوم تجديد حالة الطوارئ لثلاثة أشهر قادمة.

كما تذكر إحدى الفتيات لـ"الترا صوت"، في إطار حالة القلق التي يعيشها الأقباط في مصر، أنه تم توقيفها بإحدى كمائن الجيش أثناء عودتها من منطقة نويبع بجنوب سيناء إلى القاهرة، لأن بطاقتها الشخصية تحمل الديانة المسيحية، ونظرًا لأن الطريق الذي سلكته يعتبر غير آمن لأصحاب الديانات الأخرى من غير المسلمين أو الأجانب، بذريعة وجود إحدى كمائن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالطريق، حسب ما قالت.

وعلّق مينا ثابت، الباحث السابق بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والمهتم بشؤون الأقليات: "إن تكرار حوادث قتل المسيحيين من قبل أفراد مثلما حدث منذ فترة قريبة لمقتل صاحب سوبر ماركت بمحافظة الإسكندرية على يد سلفي متطرف، يعتبر أمرًا في غاية الخطورة، نظرًا لتفشي خطابات الكراهية والخطابات التمييزية التي تنعت المسيحيين بشكل دائم بلفظ الكفار حتى من قبل مشايخ الأزهر وتعمد التحقير من الأقباط، كل تلك الأسباب تجعلهم لا يشعرون بالمساواة ولا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة".

يمكن الخلاص إلى تجاهل السلطة المتعمد لحقوق المواطنة التي يكفلها الدستور للأقباط المصريين، إلى جانب التقصير الأمني في حمايتهم، وليس مفهومًا بشكل محدد هل التقصير الأمني ناتج عن ضعف وهشاشة الجهاز الأمني ككل أو هو تجاهل مقصود لاستخدامهم في صراعات سياسية على السلطة، كترهيبهم من الجماعات المتشددة من أجل نيل دعمهم للنظام العسكري استغلالاً لخوفهم من ممارسات المتطرفين، أو من أجل استخدام أحداث الاعتداء على الأقباط ودور عبادتهم كذريعة لفرض قوانين قمعية مثل قانون الطوارئ.

كما أن خلافات الأقباط مع السلطة المصرية ليست بالأمر الحديث بل هي مستمرة منذ أن اختار الرئيس الأسبق السادات معاداة البابا شنودة في السبعينيات، والتي يمكن اعتبارها البداية الحقيقية للعزل والتفرقة الصريحة بين من هو مسلم مصري ومن هو مسيحي، ومنذ ذلك الحين، تتدخل السلطة في استخدام الأقباط وتطويعهم بالشدة حينًا وبالتحايل والتخويف والترهيب أحيانًا أخرى، فالأهم أن تظل سلطة الكنيسة وقراراتها تحت مظلة النظام ولا تحيد عنه.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضد الكنيسة.. مصر تسمح بطلاق الأقباط؟

عزمي بشارة.. تقديم مكثف في الملف القبطي