30-أبريل-2021

صلاح عبد الصبور وأحلام الفارس القديم

ألترا صوت – فريق التحرير

"أحلام الفارس القديم" هو الديوان الثالث للشاعر صلاح عبد الصبور (1931 - 1981) بعد "الناس في بلادي" و"أقول لكم". وهو الديوان الذي تتبلور فيه رؤية العالم عند الشاعر، وهي رؤية وجودية حزينة إزاء ظواهر العصر التي تتسم بتراجع القيم الأخلاقية النبيلة.

أما قصيدة "مذكرات الصوفي بشر الحافي" فهي القصيدة الأخيرة في هذا الكتاب، وفيها يرصد عبد الصبور تغيرات الأوضاع الاجتماعية والإنسانية في زمن مأزوم، يقوم على التغلب والتوحش، مستخدمًا صوت الصوفي الروحاني الذي يرفض عصره المادي. يقول الناقد الفلسطيني فاروق مواسي: "في هذه المذكرات نعرف أن سبب سقوط الإنسان هو فقدان الإيمان. وهو الذي خلق جيلًا من الشياطين مكان بني آدم".


"أبو النصر، بشر بن الحارث، كان قد طلب الحديث وسمع سماعًا كثيرًا، ثم مال إلى التصوف، ومشى يومًا في السوق، فأفزعه الناس، فخلع نعليه، ووضعهما تحت إبطيه، وانطلق يجري في الرمضاء، فلم يدركه أحد، وكان ذلك سنة سبع وعشرين ومائتين".

 

1

حين فقدنا الرضى

بما يريد القضا

لم تنزل الأمطار

لم تُورِق الأشجار

لم تلمع الأثمار

حين فقدنا الرضا

حين فقدنا الضحكا

تفجرت عيوننا بكا

حين فقدنا هدأة الجنبِ

على فراش الرضا الرحب

نام على الوسائدِ

شيطان بغضٍ فاسدِ

معانقي، شريك مضجعي..

كأنما.. قرونه على يدي

حين فقدنا جوهر اليقين

تشوّهت أجنة الحبالى في البطون

الشَّعر ينمو في مغاور العيون

والذقن معقود على الجبين

جيل من الشياطين

جيل من الشياطين

 

2

احرصْ ألا تسمع

احرصْ ألا تنظر

احرصْ ألا تلمس

احرصْ ألا تتكلم

قف

وتعلّقْ في حبل الصمت المبرم

ينبوع القول عميق

لكن الكف صغيرة

من بين الوسطى والسبابة والإبهامْ

يتسرب في الرمل.. كلامْ

 

3

ولأنك لا تدري معنى الألفاظ، فأنت تناجزني بالألفاظ

اللفظ حَجَر

اللفظ منيّةْ

فإذا ركّبت كلامًا فوق كلام

من بينهما استولدت كلام

لرأيت الدنيا مولودًا بشعًا

وتمنيت الموت

أرجوك..

الصمت..

الصمت!

 

4

تظل حقيقة في القلب توجعه وتضنيه

ولو جفّت بحار القول لم يُبْحر بها خاطر

ولم ينشر شراع الظن فوق مياهها ملاح

وذلك أن ما نلقاه لا نبغيه

وما نبغيه لا نلقاه

وهل يرضيك أن أدعوك يا ضيفي لمائدتي

فلا تلقى سوى جيفةْ

تعالى الله، أنت وهبتنا هذا العذاب وهذه الآلام

لأنك حينما أبصرتنا لم نحلُ في عينيك

تعالى الله، هذا الكون موبوء، ولا برْءُ

ولو ينصفنا الرحمن عجّل نحونا بالموت

تعالى الله، هذا الكون لا يصلحه شيء

فأين الموت؟ أين الموت؟ أين الموت؟

 

5

شيخي بسام الدين يقول:

"يا بشر.. اصبرْ

دنيانا أجمل مما تذكر

لا تبصر إلا الأنقاض السوداء"

 

ونزلنا نحو السوق أنا والشيخ

كان الإنسان الأفعى يجهد أن يلتفّ على الإنسان الكركي

فمشى من بينهما الإنسان الثعلب

عجبًا..

زورُ الإنسان الكركي في فم الإنسان الثعلب

نزل السوقَ الإنسانُ الكلب

كي يفقأ عين الإنسان الثعلب

ويدوس دماغ الإنسان الأفعى

واهتز السوق بخطوات الإنسان الفهد

قد جاء ليبقر بطن الإنسان الكلب

ويمصّ نخاع الإنسان الثعلب

يا شيخي بسام الدين

قل لي "أين الإنسان؟ الإنسانُ؟"

شيخي بسام الدين يقول:

"اصبر.. سيجيء..

سيهلّ على الدنيا يومًا ركبُه".

 

يا شيخي الطيب!

هل تدري في أي الأيام نعيش؟

هذا اليوم الموبوء هو اليوم الثامن

من أيام الأسبوع الخامس

من الشهر الثالث عشر

الإنسان الإنسان.. عَبَر

من أعوام

ومضى لم يعرفه بشر

حفر الحصباء ونامْ

وتغطى.. بالآلام

 

اقرأ/ي أيضًا:

جوزيف عيساوي: الرجلُ البستان

عمر أبو ريشة: أمتي هل لك بين الأمم؟