كنَّا قد كتبنا من قبل أن الشعراء يموتون دائم في صمت، ولم نكن مخطئين في ذلك، بيد أن الأيام المأتمية تأبى إلا أن تضيف ملحها على الأحداث، مؤثراتها السينمائية الخاص، إذا ساعفنا القول. أو دفعنا إلى تحديثه: هكذا يموت الشعراء دائمًا في صمت، أو بشكل تراجيدي.

غادرنا الشاعر والكاتب المغربي محسن أخريف، رئيس رابطة أدباء الشمال، بسبب ماس كهربائي على منصة أدبية

دون تلاعبات مجازية إضافية وببالغ الأسى والحزن، غادرنا الشاعر والكاتب المغربي محسن أخريف، رئيس رابطة أدباء الشمال، من على منصة أدبية. في فاجعة بلا سابقة لها، ولا سابق إنذار، كما هي العادة تُخَطّ صفحة أخرى من صفحات المآسي التي يعرفها البلد، والعنوان الأبرز: الاستهتار العام بشروط السلامة في المحافل العامة. 

اقرأ/ي أيضًا: خالد لطفي في القائمة القصيرة لجائزة رابطة النشر الدولية

لا تزال الأوساط الثقافية المغربية، والإعلامية معها، مشدوهة النظر فاغرة الفاه مقابل الحادث المروع عشية أمس. كل شيء مرَّ بسرعة، وفي محاولة استرجاع شريط الوقائع، تكون القصة كما يلي: كانت الأجواء ماطرة بتطوان شمال المغرب، والإسفلت المؤدي إلى ساحة الفدان، حيث تقام احتفالية "عيد الكتاب" في نسختها 21، يغرق في الطين. يعبره الشاعر قاصدًا خيمة الندوات، إلا أنه يعبره إلى مثواه الأخير.

وكما لا شيء يوقف القدر، لم يكن لتصدق خطواته المتتابعة ماذا سيحدث بعدها، وإنها هي بذاتها أداة الجريمة.

وما هي إلا دقائق معدودة ينتهي المنشّط من تقديم الضيف وأعماله، مسلّمًا إيّاه الميكروفون. حتى يبدأ جسد الشاعر بارتعاشاته الهستيرية الأخيرة، لحظة صمت أصم، والجثة التي لم تفارق الحياة بعد ترتعد، رائحة الشواء البشري، ويسقط محسن أخريف ميتًا. عن عمر الأربعين سنة، مصعوقًا بالكهرباء.

في تصريح لـ"ألترا صوت" يحكي شهود عيان عن الحادثة: "لحظة وقوع الحادث، الكل أصيب بنوبة صدمة، كنا نشاهد الرجل يرتعد أمامنا، ولم نفهم ماذا يحصل!". ويضيف ذات الشهود، أن حالة الشده والصدمة منعت الحاضرين من التدخل، حتى سقط الفقيد مغشيًا عليه والزرقة الداكنة تعتلي جلده. لتعلن وفاته بعدها، بعد أن نقل لمستشفى سانية الرمل بذات المدينة. 

دفع الحدث الأليم اللجنة المنظمة لـ"عيد الكتاب" بتطوان لإنهاء فعالياته. في تصريح له للصحافة الوطنية أعلن عبد الجليل الوزاني، الكاتب العام لرابطة أدباء الشمال الجمعية التي يرأسها الفقيد، وأحد الشركاء المساهمين في تنظيم فعاليات الحدث الثقافي، أن "فاجعة وفاة رئيس الرابطة محسن أخريف بسبب حادث صعق كهربائيّ، اليوم الأحد، خلال لقاء مفتوح لمناقشة أعمال بعض الأدباء المشاركين، يجعل دورة هذه السنة تسدل ستارها قبل أوانها". مضيفًا أن "هذا أقل ما يمكن أن نقوم به إزاء هذا المصاب الجلل الذي أصاب أسرة الأدباء والشعراء، بفقدان رجل حركي ضحى دومًا لأجل الأدب والأدباء، وأعطاه ما لم يعط حتى أسرته الصغيرة".

كما توالت تعبيرات الحزن من كافة مكونات الجسد الثقافي والأدبي المغربي، ومن بينهم أصدقاء الفقيد، والذين نعوه بحرقة من خلال تدوينات في وسائل التواصل الاجتماعي.

مروان بن فارس: في المغرب قد تلقى مصرعك وأنت تقدم كلمة في معرض ثقافي

هكذا ودع يحيى عمارة، الشاعر المغربي وعضو المكتب الوطني لاتحاد كتاب المغرب، المرحوم مدونًا: "حزين بخبر رحيل صديقي الغالي المبدع والشاعر محسن أخريف". وبذات الشكل، عبّر الباحث في علم الاجتماع مروان بن فارس عن ألمه واستغرابه من الحادث في تدوينة على صفحته بالفيسبوك: "في المغرب قد تلقى مصرعك وأنت تقدم كلمة في معرض ثقافي. وللأسف تعرض لهذا الحدث اليوم الأستاذ الكاتب محسن أخريف -الذي جمعتني به بعض الذكريات القليلة في تطوان- وهو يلقي كلمة له في إحدى خيمات معرض الكتاب بتطوان". مشيرًا أنه "لحدث درامي وفاجعة أن يُفقدَ شخص بهذه الطريقة، والاستهانة بأرواح الناس حين يتم تنظيم تظاهرات ثقافية وفنية دون مراعاة المخاطر الممكنة بأرواح الناس".

اقرأ/ي أيضًا: دليل مبسط لإضاعة الوقت في مناظرة السعادة.. انحطاط جيجك ضد دوغمائية بيترسون

نفس الاستهانة بشروط السلامة خلال المحافل الثقافية، والتي تحدث عنها بن فارس في تدوينته، يشير إليها كاتب الصحيفة المحلية "تطوان بريس" في مقاله عن الحادث، قائلًا: "إذ كيف يعقل وجود تظاهرة وصلت لدورتها 21 تنظم في خيام، مع وجود أسلاك كهربائية شديدة الخطورة معرضة في كل وقت للتماس الكهربائي، وفي ظروف مناخية يتوقع فيها هطول أمطار لمدة لا تقل عن خمسة أيام كما نبهت إلى ذلك نشرات الأرصاد الجوية؟". داعيًا إلى فتح تحقيق قضائي في ملابسات القضية، لتبين ملابساتها كاملة.

يذكر أن الفقيد محسن أخريف، مواليد مدينة العرائش سنة 1979، له خمس إصدارات، نذكر أبرزها: "ترانيم للرحيل" (2001)، "حصانان خاسران" (2009) في الشعر. كما حصلت روايته "شراك الهوى" (2013) على جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

يوسف بشير في "حين حدث ما لم يحدث": الخلاص بالسخرية والخيال

حميد العقابي.. رحيل الهدهد الثالث