20-أغسطس-2015

لم يقبل المقطوف أي منصب سياسي عرضه عليه نظام القذافي (الترا صوت)

حدث هذا قبل الثورة الليبية أخيرًا بأكثر ­من 25 عامًا عندما كان الشيخ صبري يتسوق في سوق الخضر بمدينة الزاوية. التقى بأحد الضباط الأحرار، وهو اللواء المهدي العربي. سأله الأخير عن ابنه المتخرج لتوه من الكلية العسكرية، والتي كان المهدي رئيسها في ذلك الوقت، فرد الشيخ صبري "المسألة مسألة وقت فقط وستكونون في السجن". استغرق الأمر وقتًا طويلًا، لكن بعد 25 عامًا، ألقي القبض على اللواء المهدي العربي وزج بالسجن في أيلول/سبتمبر 2011.

الجميع يعرفُه ويُناديه "الشيخ صبري"، نظرًا لأنه كان معلمًا لفترة طويلة. وفي ليبيا، كان يطلق على المعلمين الذكور في فترات سابقة لقب الشيخ. حياته لم تتغير، يجلس كل مساء في فناء منزله وبجانبه زوجته "صالحة"، ومَن وجد مِن أبنائه الثمانية الذين يسكنون في منازل إلى جانب بيته في أرض ورثها عن أبيه، في سانية تسمى "السانية القبلية". يتناقشون في أحوال البلاد وأخبارها وما آلت إليه بعد الثورة.

البداية فلاحية

كان للشيخ صبري المقطوف دور كبير في إحداث تغيير في مسار العملية التعليمية الليبية

الشيخ صبري المقطوف عمر دبوب ولد في سانية أبيه "البحرية" عام 1942، جنوب مدينة الزاوية، من أصول قبيلة أولاد الطويل من كوراغلية الزاوية. عاش حياته الأولى في بيت طيني بحيث لم تكن هناك كهرباء ولا مياه تصل إلى ذلك البيت. واعتمدت أسرته على ما تنتجه السانية من خضر وفواكه، أما الحبوب فكانوا يقطعون المسافات الطويلة إلى أراضيهم في جفارة الزاوية للحصول عليها. تبعد الأراضي عشرات الكيلومترات عن وسط المدينة. كانوا ينصبون خيامهم هناك ويحرثون القمح والشعير ويبقون شهورًا حتى موسم الحصاد ثم يعودون إلى سانيتهم محملين بالقمح والشعير. يخزنون منه ما يكفيهم في الشهور المقبلة ويصنعون منه الدقيق والكسكسي.

كان صبري أصغر إخوته العشرة والوحيد الذي التحق بالمدرسة الابتدائية الوحيدة في المدينة آنذاك في العام الدراسي1949/1950. ولا تزال ذاكرته تحتفظ بأسماء بعض من معلميه الليبيين أمثال الأستاذ البشير دهان والأستاذ رضوان مختار والأستاذ أمحمد الغريب. يسردها كما أنها ماثلة أمامه، كما يذكر أنه رسب في الصف الأول الابتدائي بسبب مرض الرمد المنتشر آنذاك. انتقل إلى المرحلة الإعدادية في العام الدراسي 1956\1957 في مدرسة الزاوية الثانويه ثم تخصص أدبي في الثانوية، وتحصل على الشهاده الثانوية عام 1960/1961، وكان ترتيبه الرابع والثمانون من مئة وتسع وثمانيين طالبًا علي مستوي المملكه الليبية. آنذاك كان عدد طلاب الثانوية في الزاوية لا يزيد عن 27 طالبًا من كل المنطقه الغربية.

أيام بنغازي الطالبية

لاحقًا انتقل الشيخ صبري إلى الجامعه الليبية في بنغازي حيث لم تكن في طرابلس آنذاك إلا كلية العلوم العليا، وتم تنسيبه إلى كلية التجارة والاقتصاد. ثم انتقل إلى كلية الآداب والتربية لأن ميوله أدبية ودخل قسم الجغرافيا وتخرج منها في العام الدراسي 1964/1965. كان عدد الطلبة الدراسين في جامعة بنغازي والذن ترجع أصولهم من مدينة الزاوية قليلًا، ولا يزيد عن 13 طالبًا. عن تلك الحقبة يقول صبري "كنت أتذكر عندما كانت تلقى علينا المحاضرات في مدرج أحمد رفيق المهدوي، كان عدد الطلاب لايزيد عن 150 طالب من ليبيا كلها في كلية الآداب والتربية، وفي التخصص كانت أعداد الطلبة في كل قسم لا تزيد عن 13 طالبًا". كانت الظروف صعبة. لا كهرباء في البيت، "كنت أدرس علي ضو الفتيلة والقازة". ويتذكر ملامح الحقبة "لم تكن هناك مياه موصلة للبيوت ولم تكن البنات يدرسن، فالجهل هو العامل الرئيسي، كذلك العادات والتقاليد ولم تكن هناك مدارس خاصه بالبنات".

المقطوف جامعيًا

 كان الشيخ صبري ناشطًا سياسيًا رغم زواجه المبكر في سن الثامنة عشرة، وكان حاضرًا في التظاهرات التي خرجت ضد النظام الملكي في كانون الثاني/يناير 1964... "لما رجعنا للزاويه أشعلناها هنا في الزاوية يوم 26 كانون الثاني/يناير 1956 استكمالًا لتظاهرات بنغازي وقمنا بإعداد مجموعة من الكتابات والمنشورات، أنا ومجموعة أخرى في منزل  صديق لنا يدعى الشنيتي". صديقه هذا درس معه في الجامعة مع بعض الشخصيات المعروفة مثل أبوزيد دورده الذي كان أحد قادة تظاهرات  طلبة جامعة بنغازي في كانون ثاني/يناير 1964، ومفتاح كعيبه الذي كان في الخلية المدنية لانقلاب أيلول/سبتمر 1969. 

مسيرة مهنية حافلة

بعد تخرجه من الجامعة تم تعيينه معلمًا في مدرسة الزاويه الثانوية، فقام بتدريس اللغة الانجليزية والجغرافيا والتاريخ حتى عام 1968، عندما رشحه عميد  بلدية الزاوية السيد كمال محمد بيك فرحات الزاوي ليشغل منصب  سكريتير عام بلدية الزاوية، ليظل فيها حتى 1969.

وفي شهر كانون الثاني/ يناير 1970 تم إرجاعه كمدرس ثم عيّن مدير لمدرسة الزاوية الثانوية عام 1972 لمدة سنة ونصف تقريبًا. لاحقًا صار رئيس قسم التعليم ما فوق الإلزامي ثم صار موجهًا عامًا لمادة الجغرافيا في المنطقة الغربية بليبيا، حتى بلغ سن التقاعد الاختياري في 1987. إلى ذلك، اشتغل الشيخ رئيس لقسم التوجيه التربوي ورئيس لقسم الشؤون الإدارية والمالية في أمانة التعليم الزاوية، وتم تكليفه أكثر من مرة برئاسة لجنة الامتحانات للشهادة الثانوية.

يفتخر الشيخ صبري بدراسته وتدريسه في مدرسة الزاوية الثانوية، يقول "مدرسة الزاوية الثانوية كانت مدرسة معتبرة، كانت المدرسة الوحيدة في المنطقة الغربية والتي كان يأتي إليها الطلاب من كل الوطن العربي، خرجت وزراء منهم وزير الشباب والرياضه في الجزائر". ويضيف "درست العديد من الطلبة الذين تقلدوا مناصب قيادية قبل الثورة وبعدها، أذكر منهم منهم جمعة السائح عضو المؤتمر الوطني السابق ووزير الخارجية السابق محمد عبد العزيز وعدد من عمداء الكليات والجامعات في ليبيا". الرجل صاحب صيت تربوي، لا سياسي، رغم كل شيء.

آخر أيام القذافي

كان المقطوف من أشد كارهي القذافي ومنتقديه

يروي صلاح ابن الشيخ صبري، أنه كان بصحبة والده في 27 كانون الثاني/ يناير 2011، فى الطريق إلى البيت الذى يقع بوسط شارع المنقع، فلفت انتباهه وجود جمع كبير من الشباب، وقفوا جميعهم عند نقطة التقاء شارع المنقع بالطريق الساحلية، احتجاجًا على الأوضاع المزرية لهذه المنطقة، من انعدام للبنية التحتية وخاصة تجمع مياه الأمطار. كان أمرًا معروفًا ومتداولًا، ويهدد ساكني المنطقة بغرق بيوتهم في أية لحظة خلال فصل تساقط الأمطار. أوقف السيارة جانبًا، عندها تقدم شقيقه الأصغر فراس وقال له ولوالده، وهو متكئ على نافذة السيارة "الشباب لن يسكتوا بعد الآن".  فبادره الوالد بالقول وبصوت مرتفع قاصدًا إسماع الشباب "الإطارات والنار".

خرج صلاح ببطء من السيارة قاصدًا منزل الوالد، وخاف عليه بشدة، لأنه "يعرف تمامًا كرهه الشديد لنظام القذافي". كان ذلك قبل اندلاع التظاهرات الشعبية ضد نظام القذافي في العديد من المدن الليبيية بأقل من عشرين يومًا.

كان معروفًا عن الشيخ صبري معارضته لنظام القذافي، لكنه لم ينخرط في السياسة ولا في الأحزاب. وذلك لظروف انشغاله أولًا بمرض والدته، ثم بأسرته الكبيرة، فهو أب لثمانية شبان وبنتين. كان الرجل مقتنعًا ومناديًا بتغيير النظام الملكي باعتبار الملكية نظام قديم، وكون الشيخ صبري كان قوميًا وناصريًا، إلا أنه لم يقتنع بالقذافي الذي يقول عنه إنه لم يكن ليخدم البلاد. يتذكر الشيخ: "في 1974 تأكدت من عدة مواقف أن معمر القذافي لم يكن وطنيًا ولا ليخدم البلاد، أوقنت أنه كان يسعي إلى تدمير كل الناس المحيطة به، عندما عرض علي أبوزيد دورده عندما كان وزيرًا للخارجية منصبًا لكنني رفضت هذا المنصب". كان المقطوف ينتقد نظام القذافي في المجالس وفي مكان عمله، حتى أمام أعضاء من اللجان الشعبية... "لا أعرف كيف نجاني الله من عيون القذافي ولجانه الثورية".

يقول كثيرون من عارفيه، أنه كان للشيخ صبري دورًا كبيرًا في إحداث تغيير في مسار العملية التعليمية، حيث كان يؤخد بآرائه ويعتد بها عندما كان مسؤولًا في لجنة التفتيش التربوي. لكنه يرى بأن التعليم في ليبيا تدهور، عندما نصب أحمد ابراهيم وزيرًا للتعليم في 1986: "أحمد إبراهيم هو المعول الأساسي في هدم التعليم في ليبيا"، يقولها بأسى، معقبًا "التعليم في ليبيا ما زال في حالة احتضار طويلة".