12-أغسطس-2015

الانتقال المتكرر هو أبرز ما يعانيه المراهق السوري (Getty)

يعيش السوريون في شتاتهم بين دول اللجوء في عالم متغير وتحت تأثيرات اجتماعية وثقافية واقتصادية مختلفة عن تلك التي عهدوها في وطنهم الأم. لقد تعقدت الحياة أمامهم، ولم تعد حتى الأحلام قادرة على جلب الطمأنينة لهم، فإذا كان هذا حال البالغين منهم، فكيف هو حال المراهق الذي تعتبر هذه المرحلة بالنسبة له مرحلة التغييرات البيولوجية والنفسية وبناء الشخصية، وكيف سيواجه هذه المرحلة في وطن آخر وبيئة وأصدقاء جدد غير الذين رافقوه منذ طفولته الى أن فرقته الحرب عنهم؟

الذاتية الفردية للمراهق تذوب أمام أولويات البقاء وتعاظم حاجات الأسرة

في الحدائق العامة في غازي عنتاب ستجد مجموعات من المراهقين الذين يقضون وقتًا طويلًا في الحديث عن بيوتهم ومدارسهم وأصدقائهم في سوريا. وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين يقارب عدد المراهقين في غازي عنتاب وحدها 70 ألف مراهق. أغلبهم يميلون للانطواء ويرفضون الانخراط في المجتمع الجديد، إما لأسباب تتعلق باللغة التي تشكل عائقًا أساسيًا أمام انفتاحهم على الآخر، أو لأسباب نفسية ناتجة عن عدم تكيّفهم مع بيئة جديدة فقدوا فيها المقومات الأساسية التي يحتاجها المراهق كالاحساس بالأمان والاستقرار الأسري والمعيشي.

يقول سامر قيشاوي (15 عامًا) بأنه لم يعد يجد طعمًا للحياة بعد أن حوله الشتات بفعل الحرب من طفل يرتاد مدرسته ويلعب مع أصدقائه ويتشارك معهم أحلام المستقبل إلى مراهق لاجئ مضطر للعمل من أجل مساعدة والده بمصاريف الأسرة. الأمر الذي حرمه من عيش أهم مرحلة في حياته بطريقة سليمة، فالظروف الصعبة جعلته يقفز من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد المبكر وتحمل المسؤولية في وقت هو أحوج ما يكون فيه للدعم النفسي والعائلي الغائب تمامًا بسبب الانشغال بتأمين لقمة العيش.

إقرأ/ي أيضًا: طلبة سوريا مدعوون للثورة من جديد

فمشكلة الانتقال من المدرسة إلى العمل التي يعاني منها أغلب المراهقين في بلدان اللجوء، تجعلهم يشعرون بالاختلاف عن نظرائهم وينغمسون في حياة تقربهم أكثر من الراشدين وتبعدهم عن طباع حياة المراهق. فالذاتية الفردية للمراهق تذوب أمام أولويات البقاء وتعاظم حاجات الأسرة وضرورة تلبيتها. وهذا ما ينعكس سلبًا على نفسية المراهق عن طريق الإحساس الدائم بالغضب الناتج عن شعوره بالظلم والحرمان على صُعُد مختلفة. هذا الغضب هو ما يعاني منه محمد.ش (18 سنة) الذي فقد القدرة على التواصل والتفاهم حتى مع والديه، الذين يعتبرهما مسؤولين ولو جزئيًا عن معاناته الحالية، بسبب انجابهم عدد كبير من الأولاد، الأمر الذي اضطره لدخول سوق العمل بدلا من إتمام دراسته.

هرب محمد من البيت مرات عدة، وفي إحدى المرات عبر الحدود التركية باتجاه حلب، حيث قرر العودة إلى وطنه والعيش فيه رغم قسوة الحرب ومرارة الواقع هناك. وكان انتظار الموت هناك، من وجهة نظره، أفضل من العيش في واقع لا يسمح له حتى بالحلم في المستقبل. ويقول محمد "أنا الإبن الأكبر لعائلة مكونة من 6 أشقاء وأبوين، الأمر الذي يلزمني بالعمل لمساعدة أبي في تدبير أمور معيشتنا". وأوضح عن روتينه اليومي "حياتي تتلخص بالعمل طوال النهار والأكل والنوم فقط. فقدت مستقبلي الدراسي وفقدت أصدقاء طفولتي ولا أملك حتى الوقت الكافي للتفكير بما أريد وما أحب". إلا أن محمد وبعد محاولته الأخيرة في العودة إلى حلب، قد عاد تحت ضغط والده وبحثه المكثف عنه.

الانتقال المتكرر بين مجتمعات لا تشبه بعضها بعضًا هو من أبرز ما يعانيه المراهق السوري. فعدد كبير منهم تركوا وطنهم الأصلي ليلتحقوا بآخر بديل في دول اللجوء المجاورة حيث يمكثون فيه لفترة إلى أن ينتقلوا مرة أخرى إلى وطن آخر في إحدى الدول الأوروبية، الأمر الذي يجعل المراهق يعيش تشتتًا جغرافيًا ونفسيًا تضيع معه كل عوامل الاستقرار والطمأنينة والإحساس بالانتماء للمكان الذي يعيش فيه، وفي مراحل لاحقة يتحول هذا الأمر إلى شعور بعدم الرغبة في التعرف على الآخرين والتعايش معهم خوفا من فقدانهم مستقبلًا.

هذا ما تعاني منه رشا وطفة (17 عاماً)، التي تعيش مع عائلتها في إسطنبول منذ ثلاث سنوات، واستطاعت من خلال دراستها في مدرسة تركية الانخراط في المجتمع التركي وتكوين صداقات في المدرسة وخارجها أيضًا. لكنها الآن تتحضر مع والدتها وأخواتها للحاق بوالدها في الدنمارك عندما تنتهي إجراءات لم شمل العائلة هناك. وتحكي رشا "بذلت جهدا كبيرا لكي أنسى أصدقائي في سوريا، الذين قضى بعضهم في الحرب وأبعدني السفر إلى تركيا عن من بقي منهم على قيد الحياة. الآن سأخسر أصدقائي الجدد ولا أعرف إن كان باستطاعتي التعايش وللمرة الثانية مع بيئة وناس جدد وأن أترك كل شيء خلفي لأبدأ من جديد مرة أخرى".

ولأن الإنسان "ابن بيئته"، بمعنى أن ارتباطه في سياق اجتماعي وجغرافي يلعب دورًا أساسيًا في تكوينته النفسية، يمكن القول إن مشكلة التغريبة السورية لا تتمثل بالجوع أو البرد أو فقدان المسكن والأمن وحسب… إنما تنطوي على ضياع ثقافة وهوية جيل بأكمله.

إقرأ/ي أيضًا: سوريا التي حلموا بها