04-يوليو-2019

المعاناة الأوديبية سبب وجود المنجمين (Pinterest)

من هم أولئك العرافون أو المنجمون الذين يقولون لنا كل شيء عن أنفسنا بواسطة كرة الكريستال أو من خلال نبرة الصوت أو كف اليد وفنجان القهوة وتاريخ الميلاد والأبراج والنجوم والكواكب؟

تقول عالمة النفس الفرنسية إيزابيل توب، إن "الثابت أن المنجمين والعرافين، قد عاشوا معاناة أوديبية في طفولتهم"

وهل هناك علاقة بين مراحل طفولتهم التي مروا بها وبين "قدراتهم" أو ما يدعونه من قدراتهم على كشف الأسرار والتنبؤ ومعرفة الغائب المجهول؟ وهل يجوز القول بأن قدراتهم نابعة من صدمات انفعالية عاطفية تعرضوا لها؟

اقرأ/ي أيضًا: التنجيم على القنوات اللبنانية... موضة الهواء

بحثت عالمة النفس الفرنسية إيزابيل توب، في سياق حياة بعض المنجمين لاكتشاف ما دفعهم لإقامة هذا النمط من العلاقة مع الناس، لتؤكد التالي: "الثابت أن العرافين جميعًا قد عاشوا معاناة أوديبية في طفولتهم".

لماذا يُصبح منجمًا؟

قد يظن البعض أن السبب هو المال أو الشهرة، لكن بحسب إيزابيل توب، في بحث لها نشر في مجلة الثقافة النفسية الصادرة عن مركز الدراسات النفسية والنفس-جسدية عام 1991، فإن الجواب أعقد من ذلك بكثير، وهو: "لكي لا يصاب بالجنون، ولكي لا يكون هامشي".

يشعر المنجمون أن قدرتهم الغريبة على التنبؤ هي وسيلة من وسائل الصمود في عالم بدا لهم في لحظة من لحظات حياتهم/ طفولتهم عالمًا قاسيًا عدائيًا. فالتواصل يأتي كتعويض عن نقص في التواصل خاضوا تجربته في طفولتهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن قصص طفولة العرافين هي بصورة واضحة أكثر وأشد صعوبة، كما تشير توب.

قراءة الفنجان

من جانبها، ترى المحللة النفسية جنيفياف مورال، أن الحياة العاطفية "تخضع للسيناريوهات التي يتم التعرض لها في سن الطفولة"، وعليه فهي تعتقد أن الصور والهوامات التي يتلقاها العرافون، أو التي يقولون إنهم يتلقونها، تعبر بشكل أساسي عن رغباتهم الطفولية أو مكامن النقص عندهم، كما أنها تعطي قيمة للمنجم من خلال إيجاد موقع وموضع له في مواجهة الآخرين ومواجهة العالم.

وهكذا، فإن هذه الرؤى والتنبؤات تساعد على ملء الفراغات لدى العرافين إضافة إلى ملء فراغ الآخرين. وبالنسبة لمورال فتتميز مهنة التنجيم بأنها تنظيم خاص لموطن الخيال قريب من الإبداع الفني، مع الفرق أن المنجم لا يبحث عن إنتاج شيء جميل، بل الوصول إلى معرفة تخفف من الألم النفسي والقلق وتكون محفز للشجاعة والإلهام.

"عراف في المدينة"

درس الباحثون ريتشارد ألوش وأندريه برون وفرانسوا لابلانتين وإيتيان مولان وبول لويس لابيرون، في كتابهم "عراف في المدينة"، الأصول السيكولوجية للتنجيم، بدراسة حالة منجم في مدينة ليون الفرنسية يدعى جورج دوبللريف.

بحسب ما ينقل الكتاب، يقول دوبللريف، مفسرًا سبب اتجاهه للتنجيم بقوله: "أنا أهب تنجيمي كما يهب بعضهم دمه. تنجيمي هو حبي للآخرين واهتمامي بهم".

حين ولد جورج دوبللريف، ترك والده المنزل ليعيش مع امرأة أخرى، وعاش الولد محاطًا بالنساء: جدته وعماته، خصوصًا بعد وفاة والدته بسبب المرض، حين كان في الـ11 من عمره.

يقول جورج إنه كان في السابعة من عمره عندما أبصر رؤياه الأولى. يصفها: "أبصرت في الرؤيا رجلًا مخيفًا جدًا"، استطاع جورج فيما بعد أن يتعرف إلى الرجل في صورة عائلية بمنزل جده، وقد كان هذا الرجل أحد أقربائه القدامى. تعلق إيزابيل توب: "كان حلمًا لطفل روعته صورة التهديد الأبوي". يُذكر أن جورج في نفس المرحلة العمرية، تعلق بمعلمته، وأحبها لدرجة الغيرة عليها، ما يُفسّر بأنه استعاضة بالمعلمة عن الأم التي فقدها في سن مبكرة.

نموذج آخر يستعرضه الكتاب، يعزز من التفسير النفساني للمعاناة الأوديبية للمنجمين، هو نموذج عرافة تدعى نويل، توفيت والدتها في سن مبكرة، ليعوضها والدها بالرعاية بطريقة مختلفة، إذ كان مولعًا بالسحر والتنجيم، وقد شكلا سويًا ثنائيًا قويًا، قبل أن يتزوج الوالد، وتنتهي العلاقة بينهما، لتبقى نويل وحيدة، فتتجه لتكريس حياتها للتنجيم. 

هكذا، لم تملك نويل سوى العرافة والتنجيم الذي تقدمه للناس لاستمالتهم، كي تُحِب وتحَب، ولكي تعيد بناء الروابط التي كانت قد خسرتها حين شعرت أن أمها وأبيها تخليا عنها.

غيرهما العديد من الأمثلة التي يستند إليها علماء النفس للتأكيد على أثر الحياة المبكرة للمنجمين في اختيارهم الاشتغال بالتنجيم، ليس دائمًا لأسباب تتعلق بالمال، فأحيانًا كثيرة السبب هو تعويض عاطفي وعلائقي.

 

لماذا يعتقد الناس في المنجمين؟

على الجانب الآخر من العلاقة، هناك رواد المنجمين، الذين يقول اختصاصي علم النفس العيادي، نبيل خوري، إن خوفهم من المجهول هو الذي يدفعهم للجوء إلى العرافين.

التنجيم

يعتقد خوري، كما قال لـ"الترا صوت"، إن المنجم يعرف كيف يثير الناس، ويلجأ إلى ممارسات وطقوس غامضة بهدف استمالتهم. كما أنه يقول إن جزءًا من استمالة الناس للمنجمين، أنهم يوفرون حالة من الراحة والطمأنينة لروادهم، ومن جهة أخرى فهم أداة تسلية في عالم ممل، على حد تعبيره.

في كثير من الأحيان يجيد العرّاف استغلال حاجة من يأتيه، من خلال التلاعب بالكلمات والتواريخ والأحداث، وبقراءة ردود فعل الذي أمامه ليتفاعل معها. يشرح خوري: "إذا وجد أنك غير مقتنع بما يقوله قام بتغيير أسلوبه، وإذا وجد أنك مقتنع أو متفاجئ بما يقوله، باعتبار أن كلامه فيه شيء من الصحة، يتمادى ويبدأ بإعطاءك تفاصيل قد تثيرك"، والأمر برمته، وفقًا لخوري، يعتمد على قدرة استنباطية ولا علاقة له بمعرفة حقيقية.

يجيد العرّاف استغلال حاجة من يأتيه، من خلال التلاعب بالكلمات والتواريخ والأحداث، وبقراءة ردود فعل الذي أمامه ليتفاعل معها

لا يختلف خوري مع التحليلات النفسية سابقة الذكر، فهو يؤكد أن أغلب العرافين، توجهوا للاشتغال بهذه المهنة لأسباب تتعلق بحياتهم في مراحل الطفولة والمراهقة، ويزيد على ذلك أسبابًا تتعلق بالمستوى المادة والبيئة الاجتماعية والثقافية.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الرقية الشرعية".. طريق الدجالين إلى المال والجنس!

السحر والسياسة السودانية.. وقائع مثيرة لوزراء وقادة في العالم السُفلي