30-مارس-2016

راشد دياب/ السودان

ربما يتبادر إلى الذهن عند تصفح صفحة "سودانيات ضد الحجاب"، التي يفوق عدد متابعيها 16،458 متابع على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أنها لمجموعة نسائية تناهض ارتداء الحجاب في دولة "ملتحية" يحكمها متطرفون بقوانين من القرون الوسطى، وتتذيل دول العالم في جميع مؤشرات حرية التعبير والاعتقاد، إلا أنك سرعان ما تكتشف الفخ المنصوب فور توغلك في استعراض منشوراتها المكتوبة بلغة تمزج بين الركاكة والتسطيح، مصحوبة بصور منتقاة لمجموعة من الرموز النسائية الشابة للمعارضة السودانية، وهن في لحظاتهن الخاصة مع صديقاتهن أو في مناسبات اجتماعية، لتتحول إلى منصة للتشهير والتكفير الذي أضحى يهدد سلامة العشرات من ناشطات العمل العام بعد انطلاق حملات لتكفيرهن من قبل مجموعة من المتطرفين الذين تحتضنهم السلطة.

"سودانيات ضد الحجاب" أحد أشكال انتهاك الخصوصية التي أضحت ملازمة لاستخدامات وسائل التواصل في السودان

يبدو الأمر للوهلة الأولى أحد أشكال انتهاك الخصوصية التي أضحت ملازمة لاستخدامات وسائل التواصل في السودان في ظل ارتفاع نسبة الأمية، فجميع الصور المنشورة في الصفحة، التي تعضد التعريف الخاص بها الذي يقول إنها "صفحة سودانية خالصة لكل سيدات السودان المستنيرات اللائي يعتبرن الحجاب من مخلفات العصور الوسطى وليس له أصل في الدين الإسلامي"، أُخذت من صفحات خاصة على "فيسبوك" من دون موافقة صاحباتها حسبما تبين ذلك التكذيبات التي تتذيل كل صورة منشورة، تشير صاحبتها إلى أن القائمين على أمر "سودانيات ضد الحجاب"، أخذوا صورتها دون علمها ولفّقوا رسالتهم عليها، دون أن يكون لها أي صلة بالأمر، ليتكرر النفي والتكذيب في جميع المنشورات، دون اكتراث من إدارة الصفحة التي ما زالت تكتفي بالصمت، وتترك المجال مفتوحًا لمئات التعليقات الجنسية الفجة، وضعفها من دعوات التكفير التي اختطفها على عجل رجال دين سودانيون، تقدمهم الدكتور يوسف الكودة، رئيس حزب الوسط الإسلامي، وهو صاحب سجل حافل في تطريز الفتاوي الدينية على مقاس السلطة الحاكمة في السودان، منذ انقلابها على الديمقراطية في يونيو 1989.

اقرأ/ي أيضًا: "SNL بالعربي".. كوميديا سياسية في مواجهة الرقابة

دشّن الكودة حملة لتكفير الفتيات اللائي أبرزت الصفحة صورهن، متفننًا في توصيفها على صفحته في "فيسبوك" ليعلق على "الشعر" تارة و"المكياج" أخرى، ببراعة خبير تجميل، وبدلًا من أن يغض "الداعية الإسلامي" المعروف، بصره ويديه عن نشر صور الأخريات على الشبكة العنكبوتية من دون استئذان، فضّل الشيخ السلفي أن يغض بصره أكثر من مرة عن التكذيبات التي ملأت الصفحة المشبوهة، والتي تقول جميعها إن هذه الصور والأحاديث المفبركة، التي تدعو لمظاهرة حاشدة في العاصمة السودانية الخرطوم في 29 حزيران/يونيو المقبل (أي قبل يوم من ذكرى انقلاب البشير على الديمقراطية في 30 حزيران/يونيو 1989)، تحت شعار"ثورة السودانيات ضد الحجاب"، مدسوسة على ناشطات ومعارضات سودانيات ينتمين لمنظمات وأحزاب معارضة، ويعمل بعضهن في مجالات حقوق المرأة في الخرطوم، كما أنهن وجوه معروفة تمثل تيارًا عريضًا من المنادين بالحرية والديمقراطية في السودان، وسبق أن زار أغلبهن معتقلات النظام وتعرضن لصنوف مختلفة من التعذيب وحملات اغتيال الشخصية الممنهجة.

 وتعتبر "سودانيات ضد الحجاب"، إحدى هذه المحاولات بحسب ولاء صلاح، الرئيس الأسبق لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم، وإحدى أبرز الوجوه النسائية المعارضة للنظام، التي فوجئت بمجموعة من صورها الشخصية، برفقة أسرتها منشورة لأكثر من مرة على "سودانيات ضد الحجاب" وعليها حديث مفبرك منسوب لها وأفراد أسرتها.

تقول صلاح لـ"ألترا صوت": "الصفحة متخصصة في التشهير بمجموعة من الوجوه المعروفة بمعارضتها للنظام، كما أن نشر صورنا الشخصية بهذه الكثافة والدعوات التي يطلقونها باسمنا لمظاهرات يونيو، مقرونة مع الكلام الساذج والسطحي الذي ينسب لنا، بالإضافة للتعليقات وردود الأفعال المهاجمة وتعامل إدارة الصفحة ببرود معها، بالإضافة لتجاهلهم لنفينا وتعليقات الأصدقاء التي تقول إن الصور مسروقة، كل هذا يدلل على أن السلطات الأمنية وراء هذه الصفحة التي تهدف إلى اغتيال المعارضات وتأليب المتطرفين عليهن".

"سودانيات ضد الحجاب" صفحة متخصصة في التشهير بمجموعة من الوجوه المعروفة بمعارضتها للنظام

وتردف صلاح أن حملة التكفير التي أطلقها الكودة، وانتشار الحديث عن تكفيرهن في أوساط مختلفة على مواقع التواصل، تشير إلى أنهم يخططون لجعلها حملة تكفيرية واسعة، يمكن أن تعرض حياة الكثيرات للخطر، الأمر الذي دفعهن لإنشاء صفحة مضادة على "فسيبوك" بعنوان "أغلقوا صفحة سودانيات ضد الحجاب"، وتضيف أنه على الرغم من تفاعل الكثيرين مع حملة التبليغات ضد الصفحة المشبوهة، فإن هنالك إقبالًا مضادًا عليها يعرقل مساعي إغلاقها، وهو الأمر الذي يستدعي أخذ المعركة بالجدية اللازمة عبر استمرار حملة التبليغ والشروع في فتح بلاغات جنائية ضد من يقف وراء الصفحة، ومن يقود حملات التكفير وتحميل الدولة مسؤولية سلامة الضحايا.

اقرأ/ي أيضًا: إنترنت لبنان الإسرائيلي.. التجسس في زمان العولمة

هناك أيضًا سارة حسبو، الصيدلانية والناشطة السياسية المعارضة، التي اكتشفت صورتها وأحاديث منسوبة لها على الصفحة، عن طريق أصدقائها، لتقدم بلاغًا في نيابة جرائم المعلوماتية بالخرطوم، وهي القضية التي لا تزال في مراحلها الإجرائية الأولى.

وتعرب حسبو عن قلقها مما أسمته حملات التكفير التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنهن سيشرعن في مقاضاة من يدعون لتكفيرهن، فالمعارضات ضحايا يقعن بين مطرقة التكفير، التي تهدد سلامتهن في بلاد يتزايد فيها أعداد المتطرفين في كل يوم، وسندان الخصوصية التي يجري انتهاكها.

التحدي لحملة التشهير، يعتبر شعار إحدى الناشطات في العمل العام التي لم يتسن الحصول على إذن بنشر اسمها . تكتب عبر صفحتها على "فيسبوك" أنها ليست مطالبة بإثبات موقفها من الحجاب لأي كائن، فجوهر القضية أن هنالك تعديًا على خصوصيتهن من قبل الصفحة بنشر الصور دون استئذان وتلفيق الأحاديث.

وترد بالرفض على تعليقات تطالبهن بالكف عن نشر الصور الشخصية على "فيسبوك" حتى يسلمن من التعدي قائلة: "لن نمسح صورنا من فيسبوك، ولن نكف عن التمسك بحب الحياة، وسنحاول تعليمهم الأدب واحترام الخصوصية".

اقرأ/ي أيضًا: لو تحدثت النساء مثل الرجال.. يفضح العقد الذكورية

ذات الشعار ترفعه الإعلامية السودانية، رفيدة ياسين، إحدى ضحايا الحملة. تقول: "من يستخدم صورنا تنقصه شجاعة المجاهرة بآرائه، لذلك يتخفّى في جبن خلف صورنا، كما أن هنالك شريحة أخرى من المعتدين، وهم المتبرعون، الذين لديهم قدرة على إطلاق الأحكام والإساءة للآخر دون أدنى تردد".

ما يفوق الـ12 ناشطة سودانية معارضة، أصبحت سلامتهن الشخصية في خطر الآن، بعد انطلاق الحملات التي تنادي بتكفيرهن، وهو الهدف الرئيس لـ"سودانيات ضد الحجاب"، وفق ما يمضي لذلك علاء الدين محمود، الصحفي والناشط السياسي، إذ يرى أن الصفحة تهدف للإيقاع بالناشطات في فخ يبدأ بانتهاك الخصوصية وتشويه صورتهن أمام الرأي العام، والترويج من خلال هذه الخطوة لإكليشهات ركيكة لا تمت بصلة لرسالتهن الحقيقة التي تنادي بالكرامة الإنسانية.

ما يفوق الـ12 ناشطة سودانية معارضة، أصبحت سلامتهن الشخصية في خطر الآن

ويتابع محمود أن النظام الحاكم في الخرطوم، يعمل على خلق صراعات اجتماعية ذات طابع ديني، وهو ما تؤكد عليه حملات التكفير التي انطلقت ضد الناشطات، وكل ذلك في إطار استخدامه لفزاعة المتطرفين والدواعش، حتى يتسنى له كسب أكبر نقاط ممكنة في التسوية السياسية التي تجري الآن بقوة دفع أمريكية.

قانونيًا، يجب على المتضررات أن يتقدمن بشكوى إلى إدارة "فيسبوك"، وهو ما شرعن فيه منذ بداية حملة التشهير التي تقارب العام، كذلك يجب عليهن تدوين بلاغات جنائية لدى نيابة جرائم المعلوماتية، بحسب الدكتور نبيل أديب، المحامي والخبير القانوني السوداني، الذي تحدث لـ"الترا صوت"، متوقعًا أن تأخذ إجراءات التقاضي وقتًا كبيرًا، نظرًا لضعف الإمكانات الفنية المتعلقة بمثل هذه القضايا في السودان، ما يجعل من الوصول للقائمين على الصفحة أمرًا طويلًا.

يومًا بعد الآخر ترتفع وتيرة حملات التكفير التي يتولى أمرها رجال دين مثل "الكودة" وآخرين، رغم حملات الناشطين المناوئة لفضح الصفحة، والتأكيد على أن الفتيات اللائي وُضعت صورهن عليها وأطلقت الدعوات على لسانهن للتظاهر ضد الحجاب في الخرطوم في حزيران/يونيو المقبل، هن ضحايا لجهة تريد أن تتخلص من أعدائها بضربة واحدة، فطبيعة المعركة التي يقودها "الضحايا" ضد نظام الخرطوم، مختلفة تمامًا، لكن يبدو أن النظام قرر نقل معركة الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية لميدان آخر ليجعل ممن يطاردونه، مطاردين من قبل عصاباته الداعشية التي تفتش في نوايا السودانيين منذ ما يفوق ربع القرن.

اقرأ/ي أيضًا:

رجال يضعون أحمر الشفاه رفضّا للعنف ضد المرأة

عادل سمارة.. من مثقف سلطة إلى مثقف مخابرات