21-مارس-2016

(Getty)

يمكن تصوير الأمر ببساطة، لا خصوصية إلكترونيةً لأي لبناني، مهما كان منصبه، رئيسًا أو مرؤوسًا، ضابطًا أو عسكريًا، نائبًا أو وزيرًا. اختلفت عصابات الفساد المهيمنة على سوق الاتصالات، فبان المستور، إسرائيل تزوّد لبنان بخدمات الإنترنت، وبالمجّان لوزاراته، على أن تسحب الدّاتا الخاصّة باللبنانيين جميعًا، يعني، عند ولوجنا إلى شبكة الإنترنت، يمكن للمستخدم القول: "أهلاً بكم على متن الشّبكة العنكبوتية الإسرائيلية".

 

اختلفت عصابات الفساد المهيمنة على الاتصالات، فبان المستور، إسرائيل تزوّد لبنان بخدمات الإنترنت، على أن تسحب الدّاتا الخاصّة باللبنانيين 

توفيق جيسو، مدير شركة Global vision يستحق لقب بطل ملف مكافحة الفساد الإنترنتّي، جيسو قدّم منذ شهرين شكوى لوزارة الاتصالات، عما يعانيه هو ونظراؤه من منافسةٍ من قبل موزعي إنترنت غير شرعيين، أي بالتّالي، خسارة بملايين الدّولارات سنويًا. يُقدّر العدد بحسب المطلعين بـ650 ألف مشترك يحصل على خدماتٍ من شركات توزيعٍ غير شرعية، يدفع المشترك رسمًا شهريًا يتراوح ما بين 40 ألف 75 ألف ليرة لبنانية، بمبلغٍ إجماليٍ تُقدّر قيمة الخسائر الشهرية فيه من الإنترنت الدولي فقط، بما يفوق المليونين ومائتين وخمسين ألف دولار أمريكي، أي 300 مليون دولار أمريكي دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة، أضف إليها خسائر تراخيص الربط المحلي وتراخيص استعمال التردّدات تكتسبها هذه الشّركات.

اقرأ/ي أيضًا: مخترعون جزائريون..تحت عدسة التجاهل

 بكلامٍ آخر، تسيطر الشّركات غير الشّرعية على أكثر من 30% من السّوق المحلي. فخدمات التّوزيع إضافةً إلى سهولة الحصول على سعاتٍ من الشّبكة بشكلٍ غير شرعي، سمح للشركات بالتّمدّد، حتّى وصلت بها الوقاحة حدّ استخدام عواميد وزارة الاتصالات ومحطاتها، وبناء محطّاتٍ خاصّة بهم على "عينك يا دولة"، محميّين من قبل أصحاب المصالح والنّافذين، لتتفرّع الشّبكات وتتمدّد، ففي كلّ حيٍّ موزّعٌ وشبكة. اقتصاديًا، يبتلع حيطان الإنترنت الشّرعي مقدّرات السّوق في زمن الثّورة الرّقمية، أما أمنيًا، فالمصيبة وقعت، لبنان مكشوفٌ أمنيًا، وإسرائيل تملك داتا كاملةً ومفصّلة عن الشّعب اللبناني كلّه.

 حزمةٌ من المخالفات القانونية ترتكبها هذه الشّركات، توزّع الإنترنت على المشتركين والشركات والإدارات والمؤسسات بطريقة غير شرعية، تبيع سعات إنترنت دولية بطريقة غير شرعية، تقوم بتركيب محطّات إرسالٍ وكابلات ألياف ضوئية وتمديدها في مختلف المناطق اللبنانية، وحسب الشّكوى المقدّمة فقد قامت الشّركات، وخلافًا للقانون بإنشاء شبكة أو شبكات للاتصالات اللاسلكية بطريقة غير شرعية، تكون قد فوّتت على الخزينة العامة رسومًا وضرائب، بالإضافة إلى التشويش وتعطيل أعمال وخدمات وزارة الاتصالات وزبائنها المرخصين حسب الأصول لإنشاء وتركيب واستعمال شبكات لاسلكية، وقيامها بمنافسة غير شريفة للدولة وللشركات المرخّصة.

الشّركات كما الشّبكات، تتم إدارتها وتشغيلها من جهات مجهولة، ولا يمكن معرفة الخدمات التي تقدمها وحصرها ومدى توافقها مع الأنظمة والمبادئ المعمول بها وانعكاسها على الأمن القومي، خصوصًا لجهة التأكد من معرفة مصدر السعات الدولية التي تستخدمها ومدى حمايتها من أي عملية تنصّت أو تجسّس تعرّض معلومات المستخدمين اللبنانيّين للخطر، خاصّةً أن حركة تخابر الإنترنت المؤمنة عن طريق وصلات ميكروية مع بلدان مجاورة (لا سيما قبرص) هي عرضة للاعتراض من العدو الصهيوني حيث لا يوجد لدينا أي تحكم في مسار تخابر الإنترنت بعد نقطة الوصول في البلد المجاور، وهو أمر في غاية الخطورة ويعرض السيادة اللبنانية لأكبر الانتهاكات، بناءً عليه، يحقّ للبناني طرح أسئلةٍ عديدة، من المسؤول الفعلي عن هذه الشّبكات وتغطيتها؟ كيف استطاعت إدخال المعدّات ومحطّات التّركيب إلى لبنان، ألم تنتبه الأجهزة الأمنية في المعابر البحرية والبرّية والمطار؟ كيف قامت هذه الشّركت بتركيب محطّاتها وتمديد شبكاتها، ألم يصادفها أي عنصر مخابراتٍ أو أمن أو بلدية حتّى ويحقّق معها؟ ألم تكن "أوجيرو" والحاكم بأمرها عبد المنعم يوسف على اطلاعٍ بما يجري، أو أقلّه على درايةٍ بوجود خرقة إلكترونية بهذا الحجم؟ كيف تغيب "أوجيرو" عن مراقبة الشّركات وحركة السّعات المُتاحة، أو عن التّشويش الممنهج على الخدمات والذي تقوم به هذه الشّركات؟

اقرأ/ي أيضًا: البشرية في خطر..عصر " مابعد المضادات الحيوية"

المطلوب اليوم ليس دويًا وفضيحةً إعلامية، بل المطلوب، تحقيقٌ شفّافٌ واضح، نعي فيه الوقائع ونُحاسب المتهم والمغطّي والمتعاون، لا أن نحلّ الموضوع على الطّريقة اللبنانية ونُقفل الملف، نريد أكل العنب نعم، لكن قتلُ النّاطور أو الجاسوس، واجبٌ لا مفرّ منه.

تذرّع الدّولة بغياب الإمكانيات لا يعدو كونه مزحةً سمجة، وزارة الاتصالات تملك مراكز مراقبة وأجهزة spectrum detectors نقّالة، للكشف على التّرددات وأسباب التّشويش، "أوجيرو" والوزارة على علمٍ بما يجري، لكن أوجيرو – عبد المنعم يوسف هم المسؤولون بالدّرجة الأولى، يوسف ما زال يخفي حقائق كانت للأمس مجهولة، الشّركات غير الشّرعية مدّت وزوّدت مراكز حكومية ووزارات بخدمات الإنترنت بالمجّان، من الوزارات المستفيدة، وزارة الدّفاع. وزارة الدّفاع ارتضت الحصول على خدمات الإنترنت، ومشاركة معلوماتها على شبكةٍ مجهولة المصدر والتّشغيل، معلوماتُ مثل أسماء العساكر والضّباط، رتبهم وأماكن سكنهم، معلوماتٍ استخباراتية ومستوى تسليح، نتحدّث هنا عن معلوماتٍ عسكريةٍ فائقة السّرية، لكن الإسرائيلي على علمٍ بها، لذلك يتقدّم بخطوة علينا دائمًا، الغريب بالأمر، أن إدارات الدّولة الرّسمية تقبل خدماتٍ مجّانيةٍ بينما تتقاضى منّا الضّرائب تحت شعار التّزوّد بالخدمات!

إن صحّ حديث إحدى الصّحف اللبنانية، عن تدخّل السّفارة الأمريكية لدى القضاء من أجل إرجاع معدّات إحدى الشّركات، والتي تحتوي على مكونات إلكترونية من صنع شركة "سيراغون" الإسرائيلية. علمًا أن هذه المكونات كانت أحد أدلة المحكمة العسكرية عندما أدانت المتطورين بالشبكة في العام 2011 (جناية إنشاء محطة في الباروك وتجهيزها بمعدات إسرائيلية والتزود بمعدات لخدمة الإنترنت عبر الباروك من شركة في حيفا)، فهذا يعني أن كشفنا أمنيًا يتمّ بغطاءٍ أمريكي حامٍ لإسرائيل، ولمتهمين مثل السّيد ع. لحّود، المتهم في قضية الباروك سابقًا، والمتهم ذاته اليوم، كما شركاتٍ ك BroadMax وSkygate، علمًا بأن الأخيرة مسجّلة في لبنان كشركة خدماتٍ سياحية، بينما تٌستعمل كمنصّة جذب للمستخدمين من الأردن، وعبر وسطاءٍ في لبنان. لبنان اليوم أمام تحدٍ أمنيٍ كبير، قد تُفكك الشّبكة، لكن الخطأ يكمن في غضّ النّظر عن المذنبين.

اقرأ/ي أيضًا:

هل يصمد وقف إطلاق النار في اليمن؟

حماس في القاهرة..ملابسات وكواليس