12-يناير-2016

سمير قسيمي

تفتقر المكتبة العربية إلى أعمال تحمل موضوع رواية سمير قسيمي "تسعون" (روافد، القاهرة 2015)، الرواية التي تتخذ من اغتصاب الأطفال موضوعًا أساسيًا لها، يعمل الكاتب ضمنه على إسقاطات كثيرة، سياسية بالدرجة الأولى، وهذا ما ميّز العمل على نحو خاص. 

في رواية "تسعون"، يُسلب الطفل طفولته، في مجتمع "مسلوب من كلّ شيء"

يستعرض الكاتب اغتصاب الأطفال في مجتمع مُغتصب، إن جاز لنا القول. يُسلب الطفل طفولته، في مجتمع "مسلوب من كلّ شيء" ويرث، ذاك الطفل الذي بات رجلًا دميمًا وهو حسان ربيعي الكثير من التبعات النفسية، أو التشوهات العميقة، أبرزها "انفصام الشخصية"، فيصارع حسان ربيعي صوتًا في داخله خلال الصفحات الغنية بسرد سلسٍ، يعرف كاتبه كلّ شيء عن الشخصيات، الأمر الذي جعله يعتقد بمعرفة القارئ ذلك أيضًا، ما أودى بالحبكة في مساراتٍ مرتبكة، وجعلها دون سوية السرد المتدفق بغزارة مثيرة.

يحضر في الرواية طيف غيبي هو طيف "المخرج المتذاكي" وهو ما يُذكِر بطيف "الأخ الكبير" في رواية جورج أورويل الشهيرة 1984، لكن فكرة "المخرج المتذاكي" هنا، أقل اندماجًا في البنية المعرفية التي يشكل النص خطابها. لتعود قضية الاغتصاب بالمعنى الجنائي هي الأشد تماسكًا. يذكر لنا الكاتب فكرة "الوطن الإجباري" تلك الفكرة الإشكالية والتي أعادت الحضور السياسي إلى الخبايا المُحرِكة، لا سيما أنّ الكاتب -كما أشار في النهاية- قد افترض حدوث "أعمال عنف" في بلاده يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2010، ليظهر "الشعب" على أنّه لا يمكن أن يصمت إزاء سلب حقوقه إلى الأبد. وربما ليحقق الكاتب تلك النزعة الروائية التي تجعل من الروائي خالقًا للنص، ولفضائه كذلك!

تجري الأحداث كلها في يوم واحد، هو ليلة 17 تشرين الثاني/نوفمير. وفي مكان محدود أيضًا، حيث يتأخر حسان ربيعي عن رحلة القطار التي اعتاد على العودة بها إلى منزله، وتدفع العتمة في القطار، بعدما تعطل، تدفع ذكريات مؤلمة إلى الواجهة، حيث تتداعي عتمة القبو في المدرسة الابتدائية وتظهر حيّةً أمامه. 

وللصدفة، تجاوره في القطار المحامية التي رافعت في قضية الاغتصاب، وانتصروا بها بالسجن للفاعل، لكن انهزمت والدة حسان، عند إدراكها أنّها أم مهملة، وقد قبلت أيضًا أن يعاقب ابنها بوضعه في القبو ثم نسيته ليومين كاملين، ثُمّ لتفارقه إلى الأبد بعد تلك الحادثة المؤلمة، وتتركه يكبر مع زوجها، يكبر وتنطوي الصفحات وهو لا يعرف أنّه "ابن حرام" قد اضطر جده إلى نسبهِ إليه، وهو التساؤل الذي لطالما واجهه في طفولته. كيف يحمل والده وجده الاسم ذاته؟!

الفن الروائي عند سمير قسيمي على أنّه نقد تحليلي للمجتمع، لا قصصًا خالية من الدلالات

لنكتشف على نحو درامي، وغير صريح في الوقت ذاته، أنّ والدته لم تفارقه يومًا! كذلك هو لم يتعرف عليها. حتى في اليوم الذي جمعه مع والده في محطة القطار، حيث تلاقت أقدار الثلاثة وانفصلت بكامل الهدوء على الرغم من صخب مصائرهم وتعقيداتها.

انسجامًا مع الأفكار التي تطرحها الرواية، يحضر الجنس الثالث بشكل لمّاح وموظف بما يخدم فكرة المجتمع المغتصب، أكثر مما يخدم قضية الاغتصاب ذاتها. لنسأل أنفسنا مجددًا، هل نحن أمام قضية اغتصاب طفل؟ أم أمام رواية تعنى بمجتمع كامل يجري اغتصابه كلّ يوم؟ لقد نجح سمير قسيمي في إيقاعنا بتلك الحيرة التي تدفع على التساؤل بالشكل الذي خطط لهُ كاتب عارف بإدارة نصهِ. 

إنّنا نحتاج الانتظار إلى نهاية الرواية، لندرك أنّ ارتباك الحبكة هو تأخيرٌ في كشف سر من أسرار النص الذي أنقذه تمكّن الكاتب من أفكار قصتهِ. ليتبلور الفن الروائي عند سمير قسيمي على أنّه نقد تحليلي للمجتمع، لا قصصًا خالية من الدلالات، على أنّه اختيار شيّق للمواضيع وتوظيفها في أطروحاتٍ أشمل غير مسيئة للقصة، بجعلها تفصيلًا هامشيًّا من لوحة جدارية. 

اقرأ/ي أيضًا:

أوبير حداد.. ماذا لو عشنا في جسد غريب؟

خالد خليفة.. بلاد في جنازة