سليم أملاح لاعب منتخب المغرب وقصة كفاحه الملهمة

حوت تشكيلة المغرب في كأس العالم العديد من نجوم كرة القدم، منهم من كان معروفًا بالنسبة للكثيرين، وآخرين لم يكونوا مشهورين في العالم العربي والأفريقي، ومع ذلك حقق أسود الأطلس إنجازًا تاريخيًا، حينما بات الفريق العربي والأفريقي الوحيد الذي بلغ نصف نهائي كأس العالم.

مثّلت بطولة كأس العالم بالنسبة للعديد من لاعبي منتخب المغرب فرصة حقيقية لإثبات مهاراتهم، واستعادة بعض من ألقهم، خصوصًا أولئك الذين كانت لهم مشاكل مع المدربين السابقين للمنتخب المغربي، أمثال حكيم زياش، أو اللاعبين النجوم الذين يلعبون في أقوى الأندية الأوروبية، ويشير إليهم البعض باتهامات تتعلق بعدم خوض أداء مماثل مع منتخب المغرب، مثل أشرف حكيمي.

لكن وفي المقابل، ظهر في كأس العالم ضمن المنتخب المغربي لم يكن أكثرنا على معرفة بها، وسبب استدعاؤها للمنتخب المغربي جدلًا كبيرًا تعرض له المدرب، كون اللاعب لا ينشط في أندية كبرى، إلا أن المدرب وليد الركراكي كسب الرهان أخيرًا، وقدم للعالم نجومًا جدد، وأبرز من تنطبق عليه هذه المقاربة هو اللاعب سليم أملاح.

سليم أملاح وحياته الشخصية

سليم أملاح، أو سليم أمل الله، هو لاعب يحمل الجنسيتين البلجيكية والمغربية، حيث هاجر جدّه من مدينة الناظور في منطقة الريف شمالي المغرب إلى بلجيكا في ستينيات القرن الماضي، وولد والد سليم أملاح في الناظور، والتحق بالجد إلى بلجيكا بعد ذلك.

عمل حسين أملاح والد سليم في بلجيكا مدرّبًا للهواة، بينما كانت والدته أنطوانيت كوفريز ربة منزل، وهي من أصول إيطالية-بلجيكية. هذان الزوجان "حسين وأنطوانيت" رزقا بثلاثة أطفال، صبيان وبنت، ومن بين الأولاد كان سليم أملاح، والذي ولد في 15 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1996، في بلدة هوتراج البلجيكية قرب الحدود الفرنسية.

على الرغم من أن نشأته كانت في بلجيكا، ووالدته إيطالية، إلا أن سليم أملاح كان يعتز بجذوره، فتربى على ثقافة مغربية، إذ كان يذهب سنويًا لمدة شهر على الأقل إلى المغرب لزيارة أقارب والده.

عائلة سليم أملاح مولعة بالرياضة، فوالده كما تكلمنا كان مدربًا للهواة، وشقيقه محمد ينشط أيضًا في أندية الهواة، وابن عمه ماكسيميليانو كوفريي هو مدافع بلجيكي، ويلعب في الدوري الفرنسي مع نادي كليرمون فوت.

موهبة سليم أمل الله أو سليم أملاح، ظهرت بشكل مبكر، فكان يداعب الكرة ومولعًا بها منذ الصغر، ليقرر والده ضمّه إلى أكاديمية نادي رايك مونس البلجيكي، وهو ما زال في الرابعة من عمره.

تولى والده تدريبه من سن الرابعة حتى الثامنة، وفي إحدى المباريات، تألّق سليم أملاح وسجّل خمسة أهداف في مباراة واحدة، وهنا لاحظت كشافة نادي أندرلخت موهبة هذا الطفل، فاستقدمه أكبر ناد بلجيكي إلى أكاديميته، من أجل أن يتدرج في صفوفه، وكان عمره ثماني سنوات فقط.

بدا كلّ شيء مثالي لسليم أملاح، من أجل أن يصبح نجمًا كرويًا، إلا أن أمرًا حدث في ليلة الثاني من أيلول/سبتمبر 2011، وقلب حياته رأسًا على عقب.
في تلك الليلة، سقطت أنطوانيت والدة سليم أمامه وبشكل مفاجئ، بسبب جلطة دماغية، وفارقت الحياة أمام ولدها، لتؤثر هذه الصدمة على مسيرته الكروية، ويدخل في حالة نفسية صعبة، فلم يلتزم مع ناديه أندرلخت بشكل جيد، ما سبب فسخ عقده بعد وفاة والدته بأشهر.

هنا قرر والده أن ينسى سليم كرة القدم، ويتجه للتركيز على دراسته وتحصيله العلمي، لكن هذه الفترة لم تدم طويلًا، سرعان ما عاد سليم أملاح إلى كرة القدم من بوابه النادي الأول رايك مونس في عام 2012، ويرتدي القميص رقم 21 تكريمًا لوالدته أنطوانيت، ويمثل الرقم 21 تاريخ ميلاد والدته.

سليم أملاح ومسيرته الكروية

عاد سليم أمل الله، أو سليم أملاح إلى كرة القدم في عام 2012، من بوابة نادي رايك مونس، وتدرج مع الفريق في فئاته العمرية، وفي عام 2015 كان يبلغ من العمر 19 عامًا، ليوقع أول عقد احترافي في مسيرته، وكان ذلك مع نادي روايال موسكرون البلجيكي، والذي يلعب في الدرجة الأولى.

بداية سليم أملاح كانت صعبة مع ناديه الجديد، فلم يشارك في الكثير من المباريات، وحينما يلعب كان يشارك لدقائق معدودة فقط، وبالمحصلة شارك في ثلاث مباريات فقط مع نادي روايال موسكرون في موسم 2015-2016، ليتخذ قرارًا بالانتقال إلى نادي توبيز البلجيكي، والذي ينشط في الدرجة الثانية، علّه يجد مكانًا له في التشكيلة الأساسية.

لعب سليم أملاح مع ناديه الجديد في جميع مباريات الموسم أو أكثرها، ومع ذلك لم يمنح فريقه الإضافة المطلوبة، فهو لم يسجل أي هدف في كل موسم 2016-2017، ما جعل إدارة الفريق تشعر بخيبة أمل تجاه هذا اللاعب.

أراد سليم أملاح أن يحظى بفرصة أخرى مع ناديه السابق روايال موسكرون، حيث قال لوران ديمول مساعد مدرّب الفريق إن سليم اتصل به، طالبًا منحه فرصة أخرى، حيث يعرف اللاعب ومساعد المدرب بعضهما البعض، لأن مساعد المدرب سبق له وأشرف على سليم بنادي طفولته رايك مونس.

لكن مدرب فريق روايال موسكرون ميرسيا ريدنيك لا يعرف الكثير عن سليم، إلا أنه اكتشف ما يملكه اللاعب المغربي-البلجيكي في لقاء ودي، لينضم سليم إلى النادي البلجيكي مجددًا، ويصبح رويدًا رويدًا أحد العناصر الأساسية في تشكيلة الفريق، وخط الوسط المهاجم الرئيسي فيه، ففي موسم 2017-2018 خاض سليم أملاح 21 مباراة بالدوري البلجيكي، مسجلًا 4 أهداف ومقدمًا ثلاث تمريرات حاسمة.

واصل سليم أملاح إثبات جدارته بالدوري البلجيكي في الموسم التالي 2018-2019، فشارك في 19 مباراة، مسجلًا ثلاثة أهداف ومقدمًا تمريرتين حاسمتين، ولعب في كأس بلجيكا خمس مباريات، مسجلًا هدفين، ومقدمًا تمريرتين حاسمتين.

بعد تألقه مع ناديه روايال موسكرون، بدأت العروض تنهال نحو سليم أملاح، فأتاه عرضًا من نادي ريمس النشط بالدوري الفرنسي، لكنّه قبل عرضًا آخر أتاه من أحد أكبر الأندية البلجيكية، ونحكي عن ستاندارد دو لييج.

وقع سليم أملاح في عام 2019 عقدًا للانضمام إلى ستاندارد دو لييج لمدة أربع سنوات، ومقابل 1.5 مليون يورو، وهناك لعب لأول مرة في مسابقة الدوري الأوروبي، وسجل هدفًا ضد نادي آرسنال الإنجليزي، لكن موسم 2019-2020 توقّف في شهر آذار/مارس، بسبب انتشار جائحة كورونا في أوروبا والعالم.

وفي موسم 2020-2021 واصل سليم أملاح فرض نفسه مع ستاندارد دو لييج، وفاز بجائزة الأسد البلجيكي لعام 2020، والتي تمنح لأفضل لاعب من أصول عربية أو أمازيغية بالمسابقات البلجيكية، كما قاد فريقه إلى نهائي كأس بلجيكا، حينما سجل بنفسه هدف الفوز الوحيد في لقاء نصف النهائي، ليشارك في الموسم بـ27 مباراة في الدوري البلجيكي، و3 في كأس بلجيكا، و6 في الدوري الأوروبي، مسجلًا 15 هدفًا ومقدمًا 4 تمريرات حاسمة.

لم يكن موسم 2021-2022 كسابقه، فتراجع أداء الفريق بشكل عام، وشارك سليم أملاح بعدد مباريات أقل بسبب الإصابات، حيث لعب 19 مباراة، سجل فيها 3 أهداف، وقدّم تمريرتين حاسمتين، حيث قال في لقاء إذاعي بعد هذا الموسم المخيب: "لقد كان موسمًا معقدًا للغاية، سواء بالنسبة لي أو لزملائي أو للنادي، إنه بالتأكيد موسم أريد أن أنساه".

موسم 2022-2023 كان متناقضًا في مسيرة سليم أملاح، فمع المنتخب المغربي كان يحقق إنجازًا تاريخيًا في كأس العالم، بينما تمّ إنزاله للفريق الرديف في ناديه ستاندارد دو لييج، بسبب رفضه تجديد عقده مع الفريق، حيث أرادت الإدارة تجديد التعاقد معه، من أجل الاستفادة من عملية بيعه لناد آخر، وعدم تركه ينتقل بالمجان.

وفي النصف الثاني من موسم 2022-2023، وبعد إنزال سليم إلى الفريق الرديف، تعاقد معه في فترة الانتقالات الشتوية فريق ريال بلد الوليد، بعقد يمتد 4 سنوات ونصف مقابل 500
ألف يورو، لكن الإصابة قللت من عدد المباريات التي شارك بها مع ناديه، والذي هبط لدوري الدرجة الثانية، ليقرر ريال بلد الوليد إعارته إلى نادي فالنسيا الإسباني، والذي انطلقت رحلة سليم معه منذ بداية موسم 2023-2024، وما زال النجم المغربي ينشط هناك.

سليم أملاح مع منتخب المغرب

سليم أمل الله، أو سليم أملاح، هو لاعبي مزدوج الجنسية، يحمل الجنسيتين المغربية والبلجيكية، وهنا سارع مدرب المغرب وحيد خليلوزيتش لإرسال النجم المغربي مصطفى حاجي وهو أحد مساعديه إلى بلجيكا، من أجل ملاقاة سليم وعرض اللعب بقميص منتخب المغرب، تلاه محاولة أخرى من مدرب بلجيكا روبرتو مارتينيز، من أجل كسب لاعب مثل سليم أملاح إلى صفوف المنتخب البلجيكي، حيث قال مارتينيز عن سليم أملاح: "أنا أتابع سليم أملاح عن كثب، هذا اللاعب أبهرني كثيرًا، إنه قوي جدًا من الناحية الفنية بالنظر إلى حجمه، إنه يسجل بسهولة شديدة".

لكن سليم قرر وجهته النهائية بعد ذلك، فقال: "فكرت في الأمر لفترة، لكن ها أنا ذا، اخترت تمثيل المغرب، إنه خيار أملاه عليّ قلبي، وخيار عائلتي". وفي وقت لاحق، اعترف سليم بأن الاختيار تم اتخاذه بالفعل منذ طفولته: "كان واضحًا بالنسبة لي منذ البداية أنني سألعب للمغرب فقط، لقد أجريت اتصالات مع مارتينيز "مدرب بلجيكا"، لكنني لم أتردد أبدًا بشأن الاختيار الدولي، ففي المنزل شاهدنا جميعا الفريق المغربي المكون من مروان الشماخ ومبارك بوصوفة، إنه شعور جيد أن ألعب للمغرب، أشعر أنني اتخذت القرار الصحيح، على الرغم من أن اللعب لبلجيكا سيكون أيضًا تجربة جيدة".

لعب سليم أملاح أول لقاء رسمي مع منتخب المغرب ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا 2021، وكانت أمام موريتانيا بحقبة المدرب وحيد خليلوزيتش، وفي نهائيات كأس أمم أفريقيا 2021 كان سليم من العناصر الأساسية للمنتخب المغربي، حيث ودّع أسود الأطلس من ربع النهائي بالخسارة مع مصر.

وقبل بداية كأس العالم 2022 بثلاثة أشهر، تمت إقالة وحيد خليلوزيتش وتعيين وليد الركراكي بدلًا عنه، وفي هذه الفترة كان سليم أملاح مطالبًا بتجديد عقده مع ناديه، ويعيش فترة تهميش هناك، وعلى الرغم من ذلك راهن الركراكي عليه كثيرًا، فكان من نجوم أسود الأطلس الذين حققوا الإنجاز التاريخي، وبلغوا نصف نهائي كأس العالم، ليصبح المغرب الفريق العربي والأفريقي الوحيد الذي فعل ذلك.

كانت الآمال كبيرة على المغرب من أجل الفوز بكأس أمم أفريقيا 2023، والتي أقيمت مطلع عام 2024، حيث شارك سليم أملاح مع أسود الأطلس بتلك البطولة، لكن الصدمة أتت بالخروج المفاجئ من الدور ثمن النهائي أمام جنوب أفريقيا.

جدول مشاركات سليم أملاح مع منتخب المغرب

سليم أملاح هو لاعب وسط مميز، وصانع ألعب مهاري، وتمثّل تجاربه الصعبة في حياته الشخصية تحديات كبيرة، تكاد تكون كفيلة بأن تقضي على مسيرة لاعبين آخرين، فمنذ طفولته توفيت والدته أمامه، وأثّر ذلك عليه بشكل كبير، وبعد ذلك عاد لكرة القدم بعد تركها، ليعاني من أجل إثبات نفسه، ويقاتل من أجل منحه فرصة أخرى.

وحينما نجح في إثبات نفسه، أراد ناديه معاقبته من أجل تمديد عقده، إلى أن تخطى هذه المحنة بالمواظبة والاجتهاد، وانتقل إلى الدوري الإسباني، لكن شبح الإصابات أتاه من حيث لا يدري، تزامن ذلك مع هبوط ناديه للدرجة الثانية، ليجد فرصة أخرى في نادي فالنسيا، حيث يطمح لمواصلة كفاحه مع الأندية من أجل تحقيق إنجازات استثنائية، أسوة بما فعله مع منتخب بلاده، والذي اختاره لأن قلبه أملى عليه ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

حكاية يوسف النصيري قنّاص المنتخب المغربي

كل ما تود معرفته عن أمين حارث لاعب المنتخب المغربي