13-يوليو-2022
The euro and U.S. dollar

تكافأت قيمة الدولار مع اليورو لأول مرة منذ أكثر من عقدين (Getty)

تراجع سعر صرف اليورو يوم أمس الثلاثاء، 12 تموز/يوليو ليبلغ مستوى معادلًا للدولار تقريبًا، في حالة لم تسجّل إلا قبل عشرين عامًا، أي وقتما كانت العملة الأوروبية الموحدّة ما تزال في مهدها. 

هل يعني تراجع اليورو أمام الدولار أن اقتصادات الاتحاد الأوروبي تتجه بالضرورة نحو مرحلة من الركود؟ 

وكان اليورو قد بدأ يفقد قوته مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري، عندما كان يحوم بالقرب من 1.13 دولار، وذلك على وقع الإجراءات التي أقدم عليها مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لمواجهة التضخم، إضافة إلى حالة اللايقين والزعزعة التي تسبب بها الغزو الروسي لأوكراني في شباط/فبراير الماضي. وقد تواصل التراجع على سعر صرف الدولار حتى وصل لأول مرة يوم الثلاثاء إلى 1.0040، أي أعلى بمثقال "ذرة" وحسب من الدولار، وهو ما أثار حالة جديدة من الهلع بشأن الآثار المحتملة لهذا التطوّر على الاقتصاد العالمي. 

لكن ما الذي يعنيه حقًا تراجع سعر صرف اليورو أمام الدولار؟ وما أهم تبعات ذلك على مشهد الاقتصاد العالمي؟ 

لماذا تراجع اليورو أمام الدولار؟ 

ما حصل يوم أمس الثلاثاء هو أحد المظاهر العديدة لواقع الأزمات التي يعيشها العالم اليوم، وفي مقدمتها الحرب الدائرة في أوكرانيا.

فقد أدى الصراع الذي تطوّر عقب الاجتياح الروسي لأوكرانيا إلى التأثير على إمدادات الغذاء الرئيسية، كما تسبب بارتفاع كبير في أسعار الوقود والطاقة، وذلك في مختلف أرجاء العالم، وبشكل خاص وأكثر إثارة للقلق في دول الاتحاد الأوروبي، والتي تعتمد بشكل كبير على إمدادات الطاقة من الجارة الغريمة، روسيا. 

حاول الاتحاد الأوروبي المتألف من 27 دولة الضغط على الجارة الشرقية بعد إعلانها عن "الحملة العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، وأعلنت عن خطوات تهدف إلى تقليل الاعتماد على إمدادات الطاقة من روسيا. أما موسكو، فقد ردّت بالمقابل بإعلان خفض إمداداتها الطاقوية نحو أوروبا، وهو ما تسبب بارتفاع مباشر وحادّ أحيانًا في أسعار الوقود، وأحدث إرباكًا وزعزعة في الأسواق. 

أما في الولايات المتحدة، فقد أقدم الاحتياطي الفدرالي على إقرار زيادة غير مسبوقة منذ عقود في أسعار الفائدة، فتحسنت عائدات سندات الخزانة الأمريكية بشكل كبير، وهو ما جعل الدولار أكثر جاذبية للمستثمرين من اليورو، ولاسيما بالنظر إلى الوضع شبه الكارثي الذي تشهده منطقته. وقد رفع الفدرالي الأمريكي أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال العام الجاري، وأعلن عن زيادات أخرى قادمة بهدف السيطرة على التضخم في البلاد.  

ومن المتوقع أيضًا أن يلجأ البنك المركزي الأوروبي إلى خطوات مماثلة، ليرفع أسعار الفائدة بغية السيطرة على التضخّم، وإبقائه عند حدّ 2%، إلا أنّ قدرته على فرض زيادات كبيرة تبقى محدودة مقارنة بالولايات المتحدة. فالمركزي الأوروبي يعتزم رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، بينما قد يقرّ الفدرالي الأمريكي رفعة جديدة بنسبة 75 نقطة أساس، مثلما فعل في حزيران/يونيو، ويعود ذلك إلى تخوّف حقيقي بين دول الاتحاد الأوروبي من دفع ضريبة قاسية في حال المبالغة برفع أسعار الفائدة تؤدي إلى دخول اقتصاداتها في حالة من الركود. 

أمام هذه الحالة عزّز الدولار من مكاسبه، وحاز المزيد من القوّة في ظل سعي المستثمرين إلى العثور على ملاذ آمن بعيدًا عن حالة الزعزعة التي تشهدها منطقة اليورو التي ما تزال الأكثر عرضة للتأثر المباشر والسريع بتداعيات الحرب في أوكرانيا. ومن المتوقع أن يستمر الدولار في الاستفادة من هذا الوضع على صعيد الاستثمار والتجارة الدولية، وعلى حساب الاقتصاد الأوروبي. أما بالنسبة للأمريكي العادي ومن يتعاملون بعملة "العم سام"، فإن الدولار القوي خير من الدولار الضعيف، وخاصة في مثل هذا الموسم الذي يتقاطر فيه ملايين الناس نحو أوروبا من أجل السياحة والتبضّع وإتمام بعض المعاملات التجارية.

تخوّف من ركود عالمي بسبب تراجع اليورو

على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن احتمال تسبب تراجع اليورو بركود في الاقتصاد العالمي، إلا أن محللين وصفوا هذا التكافؤ في سعر صرف الدولار واليورو بأنه مجرّد وصول إلى مرحلة لم يكن اليورو ببعيد جدًا عنها في الأسابيع الماضية، ما يعني أن حالة الصدمة الحاصلة لا تخلو من "إيهام نفسيّ". فاليورو لم يكن بوضع أفضل بكثير قبل وصول نقطة التكافؤ مع الدولار، وكان بعيدًا كلّ البعد عن "الأيّام الخوالي"، حين وصل ذروته أمام الدولار بواقع 1.60 لكل يورو، وذلك عام 2008. وبحسب الواشنطن بوست، فإن تكافؤ اليورو مع الدولار لا يعني أن العملة قد هبطت بتحوّل دراماتيكي طارئ، بل يعني اجتيازًا "نفسيًا" لهذا الحاجز، من باب المقارنة مع الوضع الذي تمتعت به العملة قبل عقد من الزمن. 

لكن ما يمكن توقّعه خلال الفترة المقبلة، بحسب أليكس كوبتسيكيفيتش، كبير محللي السوق في شركة "أف أكس برو" العالمية هو إقدام البنك المركزي الأوروبي على خطوات أكثر حزمًا للسيطرة على وضع عملتها الموحّدة، لاسيما وأن الضغوط على الاقتصادات الأوروبية لا يبدو أنها ستتلاشى على المدى القريب. وأشار كوبتسيكيفيتش في حديثه إلى واشنطن بوست إلى أن صناع القرار في الاتحاد الأوروبي سيكونون مضطرين للاستجابة بشكل فاعل واستباقي أمام مخاوف استمرار تدهور قيمة العملة، بعيدًا عن إستراتيجيات التدخّل الناعم التي كانت النمط المعتمد في الفترات السابقة. 

من الواضح في الوقت ذاته أن هذا الأثر النفسي الذي ترافق مع إعلان وصول اليورو مرحلة التكافؤ مع الدولار عنصر مهمّ في ثقة المستثمرين، وتقييمهم للأسواق وقرارات التدفقات النقدية والسيولة. وبحسب تحليل من قسم الأبحاث في "دويتشه بنك"، فإن هذا التكافؤ يحمل في طيّاته "ملف مخاطر غير عادي". 

ما الذي يعنيه تراجع اليورو لمؤسسات الأعمال والمستهلكين؟ 

يهدد التغيّر في قيمة العملات العالمية بحصول تأثير عميق على الشركات التي تبيع منتجاتها في الخارج أو تعتمد على المواد الخام الأجنبية في صنعها. لذلك أيضًا آثار محتملة على أسعار السلع الأساسية، مثل الحبوب، التي تصل بشكل شبه مباشر إلى المستهلكين. 

بالنسبة للشركات الأوروبية التي تبيع منتجاتها في الخارج، فإن تراجع قيمة اليورو قد يزيد من جاذبية صادراتها وتزايد الإقبال عليها، إلا أن مكاسب الصادرات المتوقعة قد تذوي أمام احتمالات التضخّم في منطقة اليورو، ولاسيما مع ارتفاع أسعار السلع أو المواد الخام المستوردة وزيادة تكلفتها على المصنّع. وهكذا فإن أسعار الصرف المتغيرة قادرة على خلق رابحين وخاسرين اعتمادًا على مدى التوازن في مزيج الواردات والصادرات لأية دولة. 

يصر العديد من الخبراء على أن ضعف اليورو قد يؤخذ على كونه علامة على تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، وأن منطقة اليورو تتجه نحو الركود

رغم ذلك، يصر العديد من الخبراء على أن ضعف اليورو قد يؤخذ على كونه علامة لا يمكن تجاهلها على تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا، وأن منطقة اليورو تتجه نحو الركود، حتى لو تم اعتماد سياسات مالية متشدّدة، وذلك بحسب روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي.