20-أبريل-2019

زاد نفوذ القبيلة اليمنية بعد الحرب (MPN)

الترا صوت - فريق التحرير

رغم تعاقب الحكومات المركزية على اليمن، تظل للقبيلة وأعرافها دور نافذ في التفاعل المجتمعي، بل والسياسي أيضًا في كثير من الأحيان.

يزيد نفوذ القبيلة كمرجع أساسي لحل القضايا والخلافات كما هو الحال الآن في اليمن، مع الحرب التي قوضت بنية الدولة وسلطاتها

وفي أوقات الانفلات يزيد نفوذ القبيلة، كمرجع أساسي لحل القضايا والخلافات بين السكان، كما هو الحال الآن في اليمن، مع الحرب التي قوضت بنية الدولة وسلطاتها.

اقرأ/ي أيضًا: محاكم عدن.. باب العدالة المُهدَّم

وتعلن القبيلة حالة النكف القبلي لجميع رجالها لنصرة أحد أبنائها إن تعرض للاعتداء من قبل فرد في قبيلة أخرى، حتّى لو كان مسؤولًا نافذًًا أو ممثلًا مباشرًا للدولة.

نفوذ القبيلة اليمنية

يعد اليمن أكثر الدول العربية من حيث نفوذ القبيلة التقليدي، فنحو 85% من السكان ينتمون مباشرة لإحدى القبائل البالغ عددها، وفقًا لإحصائيات غير رسمية، 400 قبيلة، ويحتكمون لأعرافها وقوانينها الخاصة.

وللقبيلة اليمنية أحكام وقوانين عرفية، تضمن بشكل كبير السلم بين القبائل وأفرادها، غير أن شوائب الانقسام السياسي ثم الحرب، أثرت على حُكم القبيلة وحضورها الاجتماعي.

القبائل في اليمن
85 % من سكان اليمن ينتمون بشكل مباشر لإحدى القبائل ويحتكمون لأعرافها

هذا وتعمدت جماعة الحوثي إضاعة الدور السياسي والاجتماعي للقبيلة اليمنية، عبر تعيين مشرفين لها في القبائل يتولون شؤونها، خوفًا من انقلاب القبائل على حكمها من جهة، وإضاعةً للدور القانوني ليحلوا النزاعات بين السكان في المناطق الخاضعة لسلطتهم مقابل ملايين الريالات من جهة أخرى.

المحاكم لا تعمل

لكن ذلك لم يمنع بحكم الأمر الواقع، تنفذ العرف القبلي بعد اندلاع الحرب، خاصة بعد توقف المحاكم عن العمل، وتعلق القضايا المطروحة عليها، ليعود أصحابها للأعراف القبلية لاسترداد الحقوق والبت في الأحكام.

علي أحمد أحد هؤلاء، بعد أن فقد الأرض التي ورثها عن والده بسطوة أحد المتنفذين عليها. لم تسعفه المحاكم في البت في قضيته لأسباب متشابكة، فما كان أمامه إلا اللجوء لشيخ المنطقة.

يقول علي، البالغ من العمر 75 عامًا: "بعد أن يئست من المحكمة، ذهبت إلى شيخ المنطقة، والذي أجبر بدوره الطرف الآخر على شراء الأرض بمبلغ مالي زهيد، أو أتنازل بجزء من الأرض للمستأجر لكي يعيد لي الجزء الآخر منها".

خسر علي مئات الآلاف من الريالات في المحاكم وعلى المسؤولين الذين وعدوه بلا جدوى بأن يسترد أرضه التي تبلغ مساحتها 40 قصبة (القصبة تساوي 49 متر مربع)، وفي النهاية أجبر على بيع الأرض مقابل 10 ملايين ريال، في حين بلغ سعرها وقت البيع 30 مليون ريال.

لكن هذه الخسارة الجزئية كانت أفضل من أن يفقد الأرض تمامًا. وهكذا تحاول القبائل اليمنية إيجاد الحلول التوافقية بين الطرفين المختصمين، وهو ما يجده كثيرون أنجع من انتظار قد لا ينتهي حتى عودة المحاكم للعمل.

وحتى وإن بتّت المحكمة في القضية لصالح المتضرر، فإن ذلك قد لا يعني شيئًا على أرض الواقع في كثير من الأحيان، مع حالة الانفلات التي تعرفها البلاد.

وهذا ما حدث مع أمين قايد، الذي سطا أحد المتنفذين على 50 قصبة من أرضه، التي يبلغ سعر القصبة الواحدة فيها نحو خمسة ملايين ريال يمني، أي ما يساوي 10 آلاف دولار أمريكي تقريبًا.

يقول قايد لـ"الترا صوت"، إنه تمكن من الحصول على أحكام تؤكد ملكيته للأرض، لكن أيًا منها لم تطبق على أرض الواقع، فما كان منه إلا اللجوء لقبيلته، والتي استعادت له بالفعل أرضه بقوة السلاح.

فوضى ما بعد انهيار الدولة

تعمد الحوثيون في مناطق سيطرتهم تعطيل المحاكم، مقابل تعيين عشرات من رجالها مسؤولين قضائيين. كما أن عشرات المحاكم دمرت أساسًا بفعل الحرب، وتحولت كثير منها إلى معسكرات أو مخازن أسلحة.

القبائل في اليمن
هيأت الحرب لتنفذ العرف القبلي في اليمن

وما تبقى من محاكم لا تملك سلطة قضائية نافذة، فضلًا عن انقسام المحاكم بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة حكومة عبدربه منصور هادي، والتي تخصصت أغلبها في محاكمة المحسوبين على الأطراف الأخرى، محاكمات يصفها مراقبون حقوقيون بـ"السياسية".

هذا ويؤكد المحامي هشام محمد، أن أغلب السكان يلجؤون للعرف السائد والعادات والتقاليد القبلية، لحل القضايا، في ظل الحرب التي تشهدها البلاد، بالإضافة إلى حاجتهم لمبالغ مالية كبيرة حتى يصدر القاضي الحكم الأخير في القضية.

وأوضح هشام محمد، في حديثه لـ"الترا صوت"، أن هناك الآلاف من القضايا المعلقة، والتي ما زالت تنتظر عودة المحاكم للعمل، للبت فيها، لافتًا إلى عشرات سجنوا منذ اندلاع الحرب على ذمم قضايا بسيطة لا تتجاوز عقوبتها شهرًا واحدًا، لكن أجبروا على البقاء في السجون، احتياطيًا، بسبب تعطل القضاء.

انهيار الدولة بشكل شبه كامل أوجد بيئة مهيئة لعودة العرف القبلي للعمل كحل بديل لا مفر منه في ظل الفوضى

كل ذلك، أوجد بيئة مهيئة لعودة العرف القبلي للعمل، كحل بديل لا مفر منه أمام مواجهة الفوضى التي تعرفها البلاد، بعد سقوط الدولة بشكل شبه كامل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة اليمنية والميراث.. سطوة الذكور على سلطة الشريعة والقانون

جوع اليمن.. 10 ملايين ضحية ومساعدات دولية مبددة