27-سبتمبر-2015

في البداية كن يبعن الشاي فقط (Getty)

ستات الشاي. إنه لقب يطلق في السودان على بائعات الشاي والقهوة الجاهزة المقدمة في فناجين بلدية وأكواب، وسط تجمع سكاني قد يكون سياحيا أو طلابيا أو مهنيا، أو أينما يجلس الزبائن على مقعد بلدي. توضع الأكواب والفناجين على طاولة صغيرة ترتفع من الارض بعلوٍ بسيط، وتباع للزبائن.

كانت المهنة فيما مضى تحتكرها النساء المسنات الفقيرات من الأرامل والمطلقات غالبًا، وكانت تجارتهن تختصر على بيع الشاي والقهوة، وأحيانًا بعض المشروبات  البلدية الساخنة الأخرى مثل: الحلبة و الكركدي و الحرجل. لكن مع مرور الزمن أصبحت مهنة "ست الشاي" جاذبة للفتيات الشابات الفقيرات، واللاتي لم يحصلن على تعليم كافٍ، حيث أصحبن يقدمن كل شيء وليس الشاي وحسب.

من بين بائعات الشاي من يحملن درجات جامعية

طبعًا، لدينا بائعات الشاي من من يحملن درجات جامعية. فرض عليهن الواقع امتهان مهنة ستات الشاي لكسب لقمه العيش وعدم الموت من الجوع في بلد انشرت فيه البطالة وقلة الوظائف للخريجين.
 

النظرة الاجتماعية إلى بائعة الشاي

ترى ست الشاي التي تعمل في شارع النيل، باسم التومة، أن نظرة المجتمع لمهنتها في تطور إيجابي بالرغم من معارضة القانون والعادات لها. كان يعتقد الرجل السوداني في تسعينيات القرن الماضي أن فكرة جلوس رجال لا تربطهم صلات قرابة بست الشاي حولها، وهم يحتسون المشروبات الساخنة، أمرٌ غير لائق. فالشائع الذكوري هنا أن المرأة يجب أن تكون "مكرمة" في بيتها، ويتصرف عليها "ولي أمرها". ومع مرور الوقت وتبدّل الأحوال الاقتصادية وخروج المراة للعمل في جميع المجالات ، تغيرت النظرة العامة. وقد نشرت وسائل الاعلام السودانية قصص الكثير من الأطباء والمهندسين والضباط الذين يتفاخرون بأنهم أبناء ستات شاي.

لكن، لا تزال مقولة معتمد محلية الخرطوم السابق، الدكتور مبارك الكودة، عالقة في أذهان السودانيين. ذات مرة، وفي حوار عبر الفضائية السودانية، قال "الدوكتور" عن بائعات الشاب بأنهن ممارسات للرذيلة وعاهرات. لم يشعر بأي تأنيب للضمير وتابع حديثه كأن شيئًا لم يكن. وقد أدى هذا التصريح إلى تعرض الدكتور الكودة لانتقادات عنيفة من المعارضة السودانية ومن بعض كبار كتاب الصحف السودانية. وبعد هذا التصريح بفترة قليلة أصدر والي الخرطوم حينها، الدكتور عبد الحليم المتعافي، قرارًا باعفاء الدكتور الكودة من منصبه، حيث علق بعض السودانيين في المنتديات الإلكترونية ممازحين أن ما حدث للكودة نتيجة لإستجابة دعوات ستات الشاي عليه.
 

الحروب على الفقيرات

مريم تعمل منذ 8 اعوام في هذه المهنة. وهي أم لستة ابناء 4 منهم أصيبوا بالصم والبكم منذ الولادة. زوجها أخيرًا أصيب بالشلل الرعاش. صناعة الشاي هي مصدر الرزق الوحيد، اذ لا يحتاج  لشهادات أو واسطة. مريم امرأة مناضلة، تبدو على وجهها آثار حروق الشمس. تتنقل من مكانٍ إلى آخر لكن عمال المحليّة (شرطة محليّة) لا يرحمونها. فهم يأخذون حسب قولها معدات عملها وتقوم كل مرة باستردادها منهم، مقابل غرامة مالية تصل إلى مئتي جنيه، في حين أنها تتحصل نهاية اليوم على مبلغ أقل من الغرامة.

واستغرب المحامي عثمان عوض استفحال ظاهرة مطاردة المحلية لبائعات الشاي مشيرًا إلى أن مهنتهن مهنة مظلومة، حيث تستخرج ستات الشاي تصريح عمل في الأماكن العامة ويدفعن الرسوم والضرائب، وبعد ذلك يتم مداهمتهن والتحيز على معدات عملهن لأسباب غير مقنعة منها صحية وأخرى سياحية. الأمر ذكوري إذًا، وليس قانونيًا.
 

الذكرى السادسة للشهيدة صابون

يوم الخميس 7 أيار/ مايو 2009 انتقلت الى ذمه الله الشهيدة السودانية نادية عبد الرحمن صابون، والتي تعمل ست شاي وتبلغ من العمر 40 عامًا، حيث كانت تسكن في حي دار السلام الفردوس في مدينة أم درمان و تعمل في منطقة وسط الخرطوم. وكانت الشهيدة حامل عندما دهمتها قوات النظام العام وشرطة محلية الخرطوم أثناء عملها، فكعادة بائعات الشاي سرعان ما لملمت ما تستطيع من حاجياتها وهرولت. لكن إحدى أرجل المقعد البلدي المنخفض "البنبر" انغرست في بطنها. سقطت تنزف، وغادر رجال الدورية المكان بعد ذلك. تركوها في دمائها لم يتم إسعافها إلا بعد ساعة من ذلك، لتفارق الحياة.