11-نوفمبر-2016

تتفاقم عنصرية الإعلام اللبناني باستمرار (مواقع التواصل الاجتماعي)

لم تعد اللهجة العنصرية تجاه السوريين والفلسطينيين في لبنان رهينة "كلام الشارع". تجاوز الأمر، ليصبح في بعض الأحيان ركيزة "حجج" بين بعض النخبة وبعض الإعلام، وطبعًا رجال السياسة. وحين نقول بعض، فهذا يعني أن الظاهرة تتمدد وتكرس منظومة أفعال، كنا ولا نزال نراها ونسمع عنها يوميًا. ولبعض وسائل الإعلام اللبناني باع طويل في "انتهاج" سياسة تفريق وعنصرية. ليس فقط تجاه اللبنانيين بين بعضهم البعض، وفقًا لمذاهبهم وطوائفهم ومناطقهم، بل تجاه "الغرباء"، وللتحديد، المقيمين قسرًا في لبنان المقسم والمهشم مؤسساتيًا.

يشن بعض الإعلام اللبناني حملات تهويل وتخويف مبالغ فيها تجاه اللاجئين السوريين

وهؤلاء لم يأتوا اختيارًا إلى البلد "الأكثر فسادًا" والواقع تحت مظلة "حزب الله" والغارق في أزمة نفايات. يبدو أن هذا الإعلام يحمّل السوريين، وفق تقارير، يدعيّ أنها علمية وإحصائية، جزءًا من تفاقم ملف التلوث وازدياد عدد النفايات. من دون الاعتراف بحجم الانقسام السياسي، الذي لم يوصل إلى أي حل. من دون أن ننسى أن ارتفاع نسب التلوث وغرق لبنان في أزماته، يعود إلى اللبنانيين أنفسهم وليس للآخرين، أي لمسببات مباشرة.

وبعد مرور أكثر من 4 سنوات على الأزمة السورية، وتداعياتها في ملف النزوح على لبنان، لا تزال بعض المؤسسات الإعلامية تزيد من لغة التهويل والتخويف من "هجمة" اللاجئين. وكأن هؤلاء الذين هربوا من القصف وآلة القتل، يريدون "قضم" لبنان. وليس آخر تقليعات العنصرية الدارجة على صفحات المواقع الالكترونية والصحف، التقرير الذي عنونته صحيفة "النهار" اللبنانية، والذي يقول إن "زيادة تدهور نوعية الهواء كانت بعد اللجوء السوري". والصحيفة الأعرق لبنانيًا (1933)، لا تزال أصوات العنصريين فيها مثل الديكة، تصيح. (رمز الصحيفة الشهير هو ديك). لكن صيحات "ديك" النهار هذه المرة تتقيأ عنصرية وتبجحًا وفوقية، تذكرنا بسياستها ضد اللاجئين الفلسطينيين في يوم من الأيام.

وفي المقال الذي نشر ورقيًا على الصفحة الأولى، تفنيد لمسودة "الإستراتيجية الوطنية لإدارة نوعية الهواء"، التي يرأس اجتماعها وزير البيئة محمد المشنوق، إذ تقدّر هذه المسودة قيمة تدهور الهواء بنحو 151 مليون دولار سنويًا وفق دراسة "البنك الدولي" (2011)، من جراء الانبعاثات الهوائية الملوثة. تنطلق "النهار" من الحرائق التي تحدث في الفترة الأخيرة قرب المنازل وفي مناطق حرجة، وارتفاع نسب التلوث، لترمي باتهاماتها على النازحين، وتجتاز حتى نتائج دراسة "البنك الدولي". تتهم الصحيفة هؤلاء بأنهم من أسباب تدهور نوعية الهواء في لبنان، بعد تزايد أعدادهم إلى مليون و800 ألف لاجىء، إذ وصلت نسبة هذا التدهور إلى 20% وفق ما تقول "النهار" مقارنة بالعام 2010.

آخر صيحات العنصرية ما نشرته "النهار" حول تلوث الهواء محملة اللاجئين جزءًا من المسؤولية

اقرأ/ي أيضًأ: مجددًا في لبنان.. التحريض على المخيمات الفلسطينية

والحال، أن اللبنانيين كانوا يتنفسون "وردًا وياسمينًا"، على ما كتبت إحداهن على مواقع التواصل. وكأن السوريين حين جاؤوا لوّثوا هواء لبنان "العليل". متناسية "النهار"، أن لبنان غارق في أزمة نفاياته بسبب التجاذب الداخلي، وأيضًا غارق في أرقام التلوث، لأن اللبنانيين لم "يطوروا" سلوكًا يوميًا في تعاملهم مع الاستهلاك.

وتبدو "النهار"، وكأنها تنتهج سياسة التخويف من اللاجئين. وقد نشرت منذ عامين تقريرًا مصورًا يعبر عن "هواجس" مواطنين من لون واحد، إزاء اللجوء السوري. ثم بعد مرور أقل من عام نشرت صورة، أوحى التعليق عليها بأن "النازحين السوريين ينحدرون من الصحراء وغير متحضرين". ويشوهون صورة لبنان الحضارية. وكأن هؤلاء أضافوا صورة البداوة على الحياة اللبنانية. وكأن اللبنانيين من أصول مدن فقط. ولم يعرفوا القرى ولا عاداتها ولا أشكال حياتها. والسوريين طبعًا، وفق لغة العنصرية المتأتية من "الدم الفينيقي"، عبثوا بصورة لبنان ومدنيته. وتحاول عبر هذه المنشورات، (التي نظن أنها تمر وفق آلية تحرير دقيقة وسياسة نشر صارمة)، تكريس خطاب تحريضي، دفع أحيانًا بمثقفين سوريين للدعوة إلى مقاطعة الصحيفة (التي انتمت إلى اليمين اللبناني).

لكن هذا التحول في الصحيفة، يعود إلى أيام تقاعد الراحل غسان تويني، المؤسس الثاني للنهار، والذي عرف بقوميته وتشدده في الحفاظ على قيم الإنسان وحريته، وكانت الصحيفة شهدت على يد ابنه جبران، نهجًا منفتحًا، لكنه لم يخل من لغة عنصرية مسيحية /يمينية، برزت في مقالات كتاب كبار في الصحيفة. وكان الفلسطينيون، أول من تلقى صفعات "النهار" العنصرية، قبل أن تهلل ذات الصحيفة، لكل عمليات الجيش اللبناني ضد المخيمات الفلسطينية. كما تُحسب لها جرأتها في تبني خيار الصلح، الأدق الاستسلام مع "إسرائيل"، ثم التحول إلى ناطق غير رسمي باسم اتفاق 17 أيار.

قناة "أم تي في" نشرت تقريرًا  تحيل فيه قضية العنوسة في لبنان إلى تزايد الزيجات مع السوريات 

لكن "النهار" ليست الوحيدة التي تعمم وتدخل في هذا السوق التحريضي، بل أيضًا هناك مواقع إلكترونية مغمورة، وبعضها معروف ومنتشر، كموقع قناة "أم تي في" اللبنانية، الذي نشر منذ أيام  تقريرًا حول قضية زواج السوريات باللبنانيين، والخطر الذي سيحدثه على الشابات اللبنانيات، اللواتي سيدخلن في دائرة "العنوسة". فالسوريات لم يتركن "عرسانًا" للبنانيات. وعنون الموقع: "سوريات ينافسن اللبنانيات..حتى في هذه". واصفًا حالات الارتباط بين السوريات واللبنانيين بـ"الظاهرة التي بدأت تتفشى".

ويتحدث التقرير عن أسباب هذه الزيجات من ضمنها الصفات الشخصية التي تتمتع بها السورية من "القناعة والبساطة" بخلاف اللبنانية، وأيضاً الهمّ الذي تسعى إليه من "تأسيس عائلة والعيش في منزل مع متطلبات شبه معدومة". وهكذا، وبهذا الزواج ترتاح اللاجئة وتؤّمن "مأكلاً ومشرباً وسريرًا تنام فيه". ويسأل الموقع سؤالًا، أقل ما يقال عنه إنه مسطح وسخيف، "هل بات أمام الشاب اللبناني فرصة للتعرف إلى 7 لبنانيات و7 سوريات أيضاً؟"، في محاولة أن يكون محرر المقال "ظريفًا"، فزادت هذه السماجة من عنصريته.  

وتتكرر حالات التقيؤ الإعلامي تجاه اللاجئين، ومنها التهويل في موضوع تكاثر الولادات في صفوف النازحين، وتأثيره المباشر على التوازن الديمغرافي بين "المسيحيين"، و"المسلمين"، وزيادة كمّ الاستهلاك لدى اللاجئين في ملفات الكهرباء والانترنت والماء أيضاً، وحتى الخبز. ويتذرع أصحاب الحملات، منذ شهور، بالأرقام أحيانًا، لتطويق اللاجئين وإبراز "مخاطرهم". وتأتي هذه الحملات متماشية مع تصريحات لسياسيين، أبرزهم وزير الخارجية جبران باسيل، ومن يدعم النظام السوري. وهو ما يجعلنا نسأل يوميًا، هل لا تزال الوصاية السورية (لنظام الأسد ومخابراته) لها أذرع في الإعلام اللبناني، خصوصًا الذي يدّعي "الحرية والعدالة" ويتحفنا بها؟.

اقر/ي أيضًا:

للعنصرية أيضًا بيئتها الحاضنة في لبنان

اللاجئون السوريون في البازار اللبناني