19-سبتمبر-2017

مستقبل غامض للعديد من القاصرات المصريات (خالد دسوقي/أ.ف.ب)

لسنوات عديدة ظل الحديث عن موضوعات بعينها عيبًا ومحرمًا اجتماعيًا في مصر، ومن بين تلك الموضوعات التي جرّم المجتمع الحديث عنها، أن تصرّح فتاة بتعرضها للإيذاء البدني أو النفسي أو التحرش الجنسي في منزل أهلها ومن أبيها أو أخيها أو أحد أفراد العائلة، يكون هذا التصريح بمثابة فضيحة كاملة للعائلة، فيتعمد الأهل في بعض الأحيان إخفاء تلك الجرائم، ما يدفع الفتيات في أعمار صغيرة لترك منزل الأسرة ومواجهة الحياة والمجتمع بكل ما يحويه من استغلال وأزمات قد لا تقوى الفتاة على تحملها، خاصة أنها تخوض سباق الوظيفة في أعمال غير مناسبة لسنها الصغير في ظل قصور واضح لدور الدولة والمؤسسات الرسمية.

تهتم المنازل الآمنة في مصر وأماكن الإيواء بالمطلقات والنساء البالغات وتسقط القاصرات من حساباتها وهو ما يؤزم وضعهن

أنقذوا القاصرات!.. ضجة إلكترونية تعرّي المجتمع المصري

بدأ مجموعة من الشباب المصري خاصة في السادس من أيلول/ سبتمبر الحالي بالتدوين الإلكتروني على وسم #أنقذوا_القاصرات على موقع فيسبوك، وما هي إلا ساعات قليلة حتى انتشر الوسم بشكل كبير، وانهالت التدوينات ما بين داعمين للحملة أو مهاجمين أو متحفظين على بعض النقاط. استمر التدوين لمدة ثلاثة أيام، شهد خلالها موقع فيسبوك حكايات شديدة القسوة من فتيات صغار السن يتعرضن لعنف أسري وانتهاكات منزلية في ظل عدم وجود تشريع يحميهن من تجاوزات الأهل، كما شهد الهاشتاغ مشاجرات بين بعض الفتيات المستقلات وأهلهن، ووصل الأمر للتشهير ببعض الأسماء بعينها ممن قيل إنهم تورطوا في استغلال القاصرات جنسيًا.

كان السبب في بدء الحملة كما يذكر مؤسسوها، وجود حالات من الفتيات القاصرات في نظر القانون يتم استغلال ظروفهن الحياتية الصعبة واستقلالهن عن منزل الأهل لتبرير الانتهاكات التي يتعرضن لها، واستخدامهن في وظائف لا تليق بسنهن الصغير وتعتبر بمثابة الجرائم في نظر المجتمع والقانون، وتتمحور الأزمة حول عدم وجود خطة بديلة في بعض الأحيان لكي تلجأ لها الفتاة بشكل واضح، فترضى بما يُتاح أمامها من خيارات.

 

 

لماذا تختار الفتاة الهروب من منزل العائلة؟

لماذا تلجأ فتاة صغيرة في السن لم تتجاوز الستة عشر عامًا في بعض الحالات لترك منزل أسرتها واستقلالها بحياتها بعيدًا عنهم؟. الإجابة حسب الشهادات المذكورة، تتفق جميعها في وجود عنف أسري يُمارس ضدهن، متمثل في اعتداء جسدي وحبس بالمنزل وتوبيخ لفظي وتحرشات جنسية في بعض الأحيان، فتختار الفتاة أن تخوض رحلة الحياة بصعوباتها وحيدة على أن تُنتهك بداخل المنزل. الأزمة هنا أن الفتاة تجد نفسها مضطرة لمواجهة مجتمع كامل مليء بالمستغلين وأصحاب الشعارات الزائفة، يتعرض جزء منهن للخداع المعسول ويُستخدمن لأجل أهواء شخصية، ولا توفر الدولة أي بديل آخر يمكن للفتاة أن تلجأ إليه إذا ما تعرضت لانتهاك منزلي، حتى المنازل الآمنة وأماكن الإيواء التابعة لوزارة التضامن تخدم المطلقات والنساء البالغات من ضحايا عنف الأزواج، وتسقط القاصرات من تلك الحسابات، فالقاصر في نظر الدولة ملك للأهل ما لم تُكمل عامها الحادي والعشرين!

اقرأ/ي أيضًا: "العنف الجنسي".. سلاح فتّاك في الحرب السورية بين يدي داعش والنظام

ما مفهوم القاصر من الناحية القانونية؟

يختلف مفهوم "القاصرات" من دولة إلى أخرى وحسب العادات والتقاليد، إلا أن اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1989 تنص في مادتها الأولى على أن "الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة" وتنص في مادتها الثانية على ضرورة أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للتكفل بالطفل والحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم" وغيرها من المواد التي تناشد بحق الطفل في الحماية وحرية الفكر وحق الاختيار.

وبالتالي أصبح هناك اتفاق دولي على وجود حد أدنى لسن الرشد، خاصة بعد تصديق 192 دولة على تلك الاتفاقية لتصبح الاتفاقية الأكثر تصديقًا من دول العالم، وكانت مصر من أوائل الدول المصدّقة على الاتفاقية في عام 1990 ورغم ذلك لا نجد مجهودات فعلية لحماية القاصرات من مخاطر العنف الأسري أو الاستغلال المجتمعي أو الزواج المبكر، ولا يزال القانون المصري عاجزًا عن صياغة مواد واضحة وتشريع رسمي لحماية النساء من العنف الأسري أو الاستغلال المجتمعي، والقاصرات منهن بشكل خاص، في الوقت الذي نجد أن القانون الجنائي المغربي كمثال، ينص في الفصل 475 على أن "من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم" وكان البرلمان المغربي عدّل تلك المادة في عام 2014 وألغى الفقرة المتعلقة بالإفلات من العقاب في حال تزوج الجاني من الضحية.

رغم مصادقة مصر على اتفاقية حقوق الطفل إلا أنه لا توجد مجهودات فعلية لحماية القاصرات من مخاطر العنف الأسري أو الاستغلال

زواج القاصرات: أرقام وإحصائيات صادمة

مقابل كل فتاة قاصرة تتعرض للاستغلال الجنسي والاستغلال المجتمعي بسبب هروبها من منزل الأهل في سن صغير وبلا خطة بديلة، توجد مئات وآلاف الحالات لقاصرات يتعرضن للزواج المبكر من رجال يكبرهن في السن بعشرات السنين، ويبعن إلى الرجال الراغبين بمعاشرتهن برضا الأهل ومباركة المجتمع.

حسب تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في عام 2013، فبالفترة ما بين 2011 و 2020 هناك 140 مليون فتاة ستتزوج قبل عمر 18 عامًا، و50 مليونًا منهن ستكون تحت سن 15 عامًا! وطبقًا للأمم المتحدة فإن مضاعفات الحمل والولادة تعتبر ضمن الأسباب الرئيسية لحالات الوفاة المتكررة التي يتعرضن لها الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 19 عامًا.

إلى أين تذهب الناجيات من العنف؟

أصدرت مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، ورقة بحثية مميزة في العام الماضي، تحت عنوان "الناجيات من العنف.. إلى أين يذهبن؟" تتناول فكرة توفير بيوت آمنة للنساء الناجيات من العنف الأسري أو الجنسي لحمايتهن من تكرار تجربة العنف بعيدًا عن الأسرة أو الزوج أو أيًا كان المعتدي، ولتوفير الدعم النفسي والقانوني ومساندتهن وإعادة تأهيلهن للاندماج مع المجتمع من جديد، وذكرت تلك الورقة البحثية أن هناك 9 منازل آمنة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في مصر موزّعة على عدد من المحافظات، إلا أنه فعليًا لا يوجد غير منزل آمن واحد بمحافظة الإسكندرية بقدرة استيعابية في حدود 20 شخصًا، وباقي المنازل الآمنة متوقفة عن العمل!

والمشكلة أيضًا أن تلك المنازل تستهدف بشكل أكبر النساء البالغات المتزوجات اللاتي يتعرضن لعنف من أسرهن أو أزواجهن، فتكون تلك المنازل بمثابة إيواء آمن لهن، ولكن لا حساب للقاصرات وما يتعرضن له من انتهاكات.

اقرأ/ي أيضًا: العنف الزوجي وزواج القاصرات.. أرق المغربيات

من المُلام.. الدولة، الأهل، الضحية؟!

إذا كنّا في موضع إلقاء اللوم فبكل تأكيد سيكون اللوم الأكبر على الدولة التي لا توفر مناخًا آمنًا للفتيات ولا تقدم تشريعات حقيقة تحميهن من الانتهاكات المختلفة بمراحل العمر المتغيرة، وجزء كبير من اللوم يقع على الأهل وسوء معاملتهم لبناتهن أو إيذائهن بدنيًا ونفسيًا وجنسيًا، أمّا الضحية فلا لوم عليها مهما صنعت من أخطاء أو أفعال لا أخلاقية في نظر المجتمع، لا لوم على طفلة في الأساس تواجه اختبارات البالغين في ظروف أكثر قسوة، فلوم الضحية هي جريمة تضاهي جريمة العنف والاعتداء.

مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري: قانون النديم 2012

أعدت مؤسسة النديم في مصر مشروع قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري سنة 2012 لكن لم يُفعّل بالمصادقة عليه إلى الآن

سعت بعض منظمات المجتمع المدني في مصر لإصدار قانون يحمي الفتيات من العنف الأسري، وبدأت مؤسسة النديم في العمل على مشروع قانون منذ عام 2005، وانتهى القانون بتقديمه إلى برلمان 2012، ثم سقط مشروع القانون بسبب حل مجلس النواب، لا يوجد مبرر واضح يجعل الدولة تتعنت في إصدار مثل ذلك القانون أو طرحه للرأي العام.

وقد قدّمت مسودة القانون صورة واضحة ومحددة للتعريفات والمصطلحات، كتعريف جريمة العنف الأسري ضد النساء، والإشارة إلى الجهات المعنية بالبت في تلك المشاكل، وآليات تقديم البلاغات وطرق الاستغاثة، وصولاً إلى العقوبات التصاعدية على مرتكب الجريمة حسب نوع الجريمة وحدتها وهل هي حادثة أولى أم له ماضِ في الانتهاكات الأسرية، وصاغ مشروع القانون عقوبات أغلبها تأهيلية للشخص المعتدي، وإخضاعه لخدمة المجتمع ولحضور برامج تأهيلية، مع حفظ حق الضحية ورعايتها من قبل الدولة، وإبعادها عن مرتكب الجريمة.

القاصرات في السينما العربية

قضية بحجم القاصرات أو العنف الأسري ضد النساء، من المستحيل تناولها من كل الزاوية في تقرير قصير، ولكننا ألقينا الضوء سريعًا على نقاط مهمة قد تكون دليلًا في الطريق، ولأن تلك القضية قديمة جدًا، فقد تناولت السينما العربية مشاكل القاصرات والعنف الأسري والزواج المبكر في أفلام عدة، ففي عام 1984 أنتجت السينما المصرية فيلمًا بعنوان "بيت القاصرات" من بطولة الممثل محمود عبدالعزيز، وناقش الفيلم قصور القانون المصري في التعامل مع القاصرات، حيث تتعرض فتاة لدخول ما يُعرف "بالأحداث" وهي أماكن أشبه بالسجون يتم إيداع المجرمين من تحت السن بداخلها، ويعرض الفيلم ما تتعرض له الفتاة من سوء معاملة وانتهاكات داخل تلك الإصلاحية  التي من المفترض أن تحميها، وأيضًا منذ ثلاثة أعوام، صدر فيلم روائي يمني بعنوان "أنا نجوم بنت العاشرة ومطلقة" ويحكي الفيلم قصة حقيقية لفتاة صغيرة أجبرها والدها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عام، جاب الفيلم مهرجانات عديدة وفاز بجوائز عدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف الأسري في لبنان..بين تسلّط الذكر وتساهل القانون

العنف الأسري في المغرب.. ضد الرجال أيضًا