18-مارس-2022
زبيغنيف هربرت ومختاراته

زبيغنيف هربرت ومختاراته

لم يحظ شاعرٌ بولندي بإجماعٍ النقّاد والشعراء والقرّاء في بلاده مثل زبيغنيف هربرت (1928 - 1998)، حتى إن جوزف برودسكي، الشاعر المعروف، قال عنه: "مُقدّر لهذا الشاعر أن يبقى حيًّا أكثر من أيّ أحد منّا".

رأى هربرت في الشّعر مجالًا وأداة للغضب والتنفّس والتأمّل وتصفية حساب مع رداءة العالم. الشعر بالنسبة إليه يعني أيضًا امتلاك قوّة خفيّة، والقُدرة على التخفيف من وطأة المعاناة والازدراء في المجتمع. ثمّة في شعره ثيمات مهمّة تتناول العلاقة بين الفرد والأنظمة الشموليّة، بين الفرد والطبيعة، وبينه وبين مُحيطه، علاوة على تناول مصائر الأفراد الذين خانهم الأمل ونخرهم الألم جرّاء شجاعتهم وتضحياتهم.

وظّف في شعره الأفكار والشخصيات والأحداث المستلة من التاريخ والأساطير الإغريقية، ليجد فيها ما يمكن جعله مقاربة للواقع المعاصر. ولذلك ليس غريبًا أن يصفه بعض النقاد بكونه "شاعر فكر".

في عالم 2019 صدرت مختارات شعرية ونثرية شاملة بعنوان "أشعار زبيغنيف هربرت"، عن دار روايات، من إعداد واختيار وترجمة الشاعر والمترجم العراقي هاتف جنابي، ومنها القصيدة الآتية.


أدنى حلقة في الجحيم، على خلاف الرأي السائد لا يسكنها

المستبدونَ ولا قاتلو أمهاتهم ولا حتى أولئك الذين يسيرونَ

وراء أجساد الآخرين. إنها ملجأ للفنانين، حافلٌ بالمرايا، والآلاتِ

الموسيقية واللوحات. للوهلة الأولى يبدو القسمُ الشيطاني أكثرها

رفاهية، فهو بدون قارٍ ونار ولا تعذيب جسدي.

كلّ عامٍ تُقامُ المسابقاتُ والمهرجاناتُ والحفلاتُ الموسيقية.

قبل أن يكتملَ الموسمُ، الحضورُ دائم ويكاد أن يكون مطلقًا.

كلّ فصلٍ تُقام أقسامٌ جديدةٌ ولا شيء بمقدوره أن يوقف

مسيرةَ الطليعةِ الحافلة.

الشيطانُ يُحبّ الفنّ. يفتخرُ بأنّ جوقاتِه، وشعراءه

ورسّاميه يَسْمُونَ على السماويينَ تقريبًا. مَنْ فنّه أفضلُ،

له مكانٌ أفضل- وهذا بديهي. وعما قريب سيكونون

جاهزين للمنازلة في مهرجان العالَمَيْنِ. حينئذ سنرى

ماذا سيبقى من دانتي، وفْرَا أنجليكو، وباخ.

الشيطانُ يدعم الفنّ. يَمنحُ فنّانيه الهدوءَ،

التغذيةَ الجيدةَ والعَزْلَ التامَ عن حياةِ الجحيم.