في سوق النظرة أعلن التجارُ عن إفلاسهم

ومن بينهم كنتُ الرابح الوحيد،

فقد تعلمتُ من حُسَّادٍ حدة النظر وقوة التركيز

دربوا عينيَّ وجعلوا منهما حربتين

حربة أطعن بها تفاصيل امرأة ولا تنزف دمًا

بل تختفي وبالحربة الأخرى أطعن امرأة أخرى

فتختفي وتظهر الأولى،

دائمًا ثمة امرأة تغيب

دائمًا ثمة امرأة تظهر

تلدُ الحربة أطفالًا

في روح الرجل العاشق

ولكن لا أحد يسمع

ولا أحد يرى

أطفالًا على النافذة

وامرأتين:

واحدةٌ تشرف على حراسة العدم

وأخرى تنام آمنة فيه

والحربة سلاح الرجل الوحيد

والأطفال عطاشى

ولا أحد يتبرع بقطرة ماء،

بالنظرةِ أربح الخسارات

أربح الحسرة وقلة النوم وسوء التدبير

أربح خيال الشعراء المكاثين

في بركة الأخطاء الشائعة

أربح سعة المكان في الأماكن الضيقة

وضيقه في الأماكن الواسعة

أربح النساء الجميلات

أربح شظايا الماء في أعماق النهر اليابس

بالنظرة أخسر النظرة

وأخسر الروح

وأخسر حياتي

وأموت من العطش والوحدة

ولا قطرة ماء

من يعطيني قطرة ماء

قطرة ماء..

قطرة ماء يا حراس الشاطئ السكارى

قطرة ماء لرجل يربح خساراته

قطرة ماء لرجل يعطش في سوق النظرة

قطرة ماء لرجل كان عاملًا في ميناء الوحدة

يحمل حقائب وحيدين معبأة بأشياء وحيدة

قطرة ماء لرجل خذلته الأرضُ المزروعة بالقمحِ

وأعطته السماء الملبدة بالغيوم ظهرها

قطرة ماء لرجل يركض

وراءه عطش الغابة

وهو يجري مثل غزال شارد في الوديان

قطرة ماء للرجل الظمآن النائم في بئر الماضي

قطرة ماء أو قطرة خمر

لرجل تغطيه الأيادي وتدثره الظلال

وتضيعه اليقظة وينفيه الصحو

قطرة ماء أو قطرة خمر

لكي لا يتطلب من المرء

أن يكون عطشانًا على الدوام

ليعيش رابحًا في سوق النظرة!

*

 

في سوق النظرة أنا رجلٌ أعمى

أرى الناسَ بعينِ طبعي

ولا أريد أن أعرف بماذا يختلفون عني،

هم عميانٌ إن كانوا يرون الأعرجَ أعرجَ

وإن كانوا يرونه في أحسن تقويمٍ: عميانٌ أيضًا

أنا بالإصبعِ الزائدِ في يد الرجلِ

الذي يسمونه الأصبَعَ

أكتبُ على الترابِ تاريخ أخطاء الخلق

وأدونُ سيرة الشاعر الذي يعيش بلا تجربة بعماه

وبالمسحاةِ أحفر عيونًا

في جسد الأرضِ العمياء

لترى ضمور الله في خلايا الطفل الكسيح

أنا أفعل ما لا يفعله الأعمى

وأحتجُّ على ما لا يحتجُّ عليه المبصر

ولا حيلة بيدي

لستُ قادرًا على شيء

جل ما أحتاجه هو أن أرى

ولكنني أعمى يعيش في عالم يكتظُّ بالصورِ والنساء الجميلات،

أعمى تبتلعه العاصفة

وترشده امرأة إلى بيته

تُدثره بالظلال

وتغطيه بالأيادي..

*

 

في سوق النظرة رأيت رجلًا أعمى

ولكنه ليس مثلي

هو يطعنُ النساء فتختفي

ويطعن الرجال فيختفون

كانت حربتاه للأسف عمياوتين

سمعته اليومَ يصيح بأعلى صوته

بصعوبة يقول:

اطردوا عني كل الأيادي

اطردوا عني كل الظلال

اطردوا حراس الشاطئ السكارى

واطردوا اليقظة والصحوَ

لستُ بحاجة قطرة ماء

أنا رجلٌ أعمى يعيشُ خاسرًا في سوق النظرة

ويريدُ أن ينام.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذكرى تعوي داخل صدري

لا يوجد سيناريو آخر