28-يوليو-2020

لوحة لـ جون دبفات/ فرنسا

في ما مضى كان لنا كلبٌ اسمه "مصباح"،

وكان يؤنسني وأمّي في غياب والدي،

كان نباحه، يخبرنا، بأنّنا لسنا وحيدين،

وأنّ بالبيت من يحرسه..

حتى تعلّمتُ كيف أحبو،

وصرتُ أبتعد عن حضن والدتي،

أجرب أكل التّراب،

ولحس كل جماد يعترضني،

طعم جديد، هو كذلك،

الحليب لم يعد يروق لي،

بل..،

قطرات ماءٍ منتحرة بالحنفية،

منسج والدتي، الباب حين يتنفّس، ابريق الشّاي الذي ينفث غضبه ولا يحتمل الجمر الحارق، احترقت به مرات ولا أكلُّ من الاحتراق..

كلُّ شيء يعترضني كان ملكي وأريده..

حتى مصباح كنت أسافر له حابيًا ولا أكاد أصل إليه حتى تتلقّفني أمّي،

تصفعني بحنان،

تقرص وجنتيّ الطريتين كي لا أعيد الكرّة،

ترميني في صدرها حتى أغفو،

هكذا كان يتهيأ لها..

كنت أسمع نداءه، لكن أمي تخاف عليّ منه،

أليس هو الحارس الأمين..؟!

كان يقول لي تعال نلعب،

تعال أعلمك كيف أن لا تكون مقيدًا مثلي..

كنت أفهم نباحه، وأفقهه لكنني لست بسليمان..

كنت أنا الذي يتعلم وحده،

كيف يصِلُ إلى كل ما تراه عينه..

كان عقابي أن أُربط مثل مصباح،

مرت الأيام ومرّت، وعرفتُ أن لي ساقين،

أعتدل بهما وأطأ الأرض بقدمي الصغيرتين،

جميل أن تتحدى الجاذبية في أوّل محاولة وتسقط، وتعيد الكرّة غير آبه..

أصلا لا تعلم أن "نيوتن" اختبر سقوطك بتفاحة..

خطوة أولى، فثانية، فثالثة،

صِرت أمشي،

وصارت سرعتي أكبر،

ومصباح صار أقرب،

وأمّي صارت تتعبُ أكثر وأكثر..

انطفأ ذلك المصباح،

خافوا علي منه فهجّرُوه بعيدًا عنا،

لعائلة أخرى بلا مصباح،

ذرفت أمي الدمع حارقًا،

وكرهَتْ أن يُعوض أحد مكان مصباح إلى يومنا هذا..

هذه قصة كلب كان ينير ركن منزلنا،

إلى أن جئت أنا وأطفأت ذلك النور،

هل كنت السبب..؟!

أمْ مقدّر له الرحيل وأنا البريء حقًا..؟!

وهذه الذكرى تعوي داخل صدري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لا يوجد سيناريو آخر

في ليل تموز