08-مارس-2016

رجال يضعون أحمر الشفاه رفضّا للعنف ضد المرأة(فيسبوك)

يحدّد أحمر الشفاه مسار الشفتين، ليدير فيما بعد رقاب الرجال نحو شفاه النساء "المكتنزة" التي صبغت بالأحمر أو القرمزي، وبألوان أخرى كأن يكون اللون مائلًا إلى الزهري ودرجاته أو حتى تلك الألوان الغريبة والصادمة، من مختلف درجات البنيّ إلى الأسود. لا يشك أحدنا في مدى أهمية أحمر الشفاه للنساء، سواء ذلك الذي يشترى بدولار واحد أو الذي يصل سعره إلى خمسين دولارا وأكثر، ومن أجل أن تكون جميلة، تخصص المرأة ميزانية لمستلزمات التجميل حتى تكون مذهلة ورائعة في واقع يؤمن أنّ المرأة "المتجملة" والتي تواكب الموضة هي امرأة  متحضرة وابنة عصرها.

بمناسبة عيد المرأة العالمي ولمناهضة كل أشكال العنف ضد المرأة، يأخذ بعض الرجال صورًا بأحمر الشفاه في سياق حملة تبناها بعض النشطاء التونسيون

أن تحرص المرأة على شفاه مثل حبّة فراولة أو التوت البري فهذا أمر عاديّ جدًا ولا يثير استغرابًا بل يثير إعجابا أحيانًا، ولكن أن يضع الرجال أحمر الشفاه فالأمر غريب ومستنكر أحيانًا، وربّما مثير للضحك بل والسخرية أيضًا، الأمر مختلف تمامًا في تونس إذ وضع بعض الرجال التونسيين في الأيّام الأخيرة  أحمر الشفاه وتمّ تداول  صورهم على صفحات التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: لو تحدثت النساء مثل الرجال.. يفضح العقد الذكورية

والأمر لا يتعلق بصور مثليين في الحفلة السنوية من أجل مقاومة رهاب المثلية أو بشخصيات في مسلسل كوميدي، بل مرتبط أساسًا بعيد المرأة العالمي المقابل ليوم 8 آذار/مارس، وبمناهضة كلّ أشكال العنف ضدّها، وتأتي هذه الصور، صور رجال بأحمر الشفاه، في سياق حملة "ضعوا الأحمر"، والتي تبناها بعض النشطاء التونسيين وقد تمّ توفير أستوديو للتصوير يوم عيد المرأة بأحد المطاعم بالعاصمة التونسية للرجال الراغبين والداعمين لفكرة مناهضة العنف ضدّ المرأة بشرط أن يأخذوا صورًا وهم يضعون أحمر الشفاه، ليتمّ تداولها على صفحات الفيسبوك وتويتر فيما بعد.

عن هذه الحملة، صرّحت الناشطة الحقوقية أسماء مبارك، لـ"الترا صوت": أنّ "هذه الصور قد كسرت النموذج النمطي لقضية المرأة في تونس إذ خرجت عن السائد والمألوف لتحدث نوعًا جديدًا من أشكال النضال، في ظلّ ارتفاع نسبة العنف والتحرش ضدّ المرأة التونسية في السنوات الأخيرة بمعدل امرأة على ثلاث نساء تتعرض إلى كافة أشكال العنف"، وأكدّت أسماء مبارك أن "مثل هذه الحملات تساهم في التحسيس بأهمية دور الرجل ومشاركته في الدفاع عن حقوق المرأة".

في هذا السياق، يقول الناشط التونسي أحمد كعنيش، أحد النشطاء الذين شاركوا في هذه الحملة: "لأنّي أحبّ أمي وأختي وزوجتي وأؤمن بالمساواة الكاملة بين الجنسين ومجرّد تخيلي أني في مكان أيّ امرأة تتعرض إلى العنف يجعلني أشارك في هذه الحملة دون أن تضايقني سخرية المجتمع الذكوري الذي نعيش فيه فأنا أرفض هيمنة جنس على الآخر حتى وإن قال بعضهم في إطار السخرية من صورتي على سبيل المثال أنّي مثلي وهذا الأمر غير صحيح ولكن لا تزعجني سخريتهم".

اقرأ/ي أيضًا: #اعرفي_حقك.. ضد اغتصاب المرأة السودانية وتجريمها

وعن قوانين تجريم العنف ضدّ المرأة، توضح الأستاذة رجاء دهماني، الكاتبة العامّة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، أنّ "عمل المجتمع المدني تضاعف خاصة بعد المصادقة على الدستور التونسي الجديد، والذي تضمن إيجابيات للمرأة التونسية، خاصة الفصل 46 والذي ينصّ على التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للنساء وعملها على دعمها وتطويرها وضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل  كما تتخذ الدولة كافة التدابير للقضاء على كلّ أشكال العنف ضدّ المرأة".

يؤكد المجتمع المدني التونسي ما قدمه الدستور من إيجابيات للمرأة خاصة فصله 46 الذي يلزم الدولة بحماية حقوقها المكتسبة والعمل على تطويرها

وفي هذا الإطار، عملت الجمعية التونسية  للنساء الديمقراطيات على مشروع قانون بشأن تجريم العنف ضدّ النساء قبل الثورة التونسية، والذي تناول تجريم كلّ أشكال العنف المسلط في نطاق الحياة الزوجية بما في ذلك العنف النفسي والجنسي والاقتصادي، وتمّ تقديمه فيما بعد الثورة إلى وزارة المرأة، والتي قامت بتبني مشروع هذا القانون. وقد تم الاشتغال على هذا القانون بتشريك عضوات من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كخبيرات في القانون، وتمت مراجعته إثر صدور المسودة الأولى والثانية منه وإلى الآن لا نزال ننتظر المصادقة عليه رغم تصريح وزارة المرأة في عديد المناسبات بأن مشروع القانون جاهز وأن المصادقة عليه قريبة.

واعتبرت الأستاذة رجاء دهماني أنّ "التأخير في المصادقة على القانون مؤشر غير سار وباعث للحيرة والتساؤل ولا يتلاءم مع ارتفاع ظاهرة العنف من خلال المؤشرات والإحصائيات". وأضافت دهماني: "رغم اشتغال الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات على التصدي لظاهرة العنف منذ ما يزيد عن 25 سنة وتأسيسها لمركز إنصات استقبل أكثر من 2500 ملف في العنف المسلط على النساء وإصدار الحملات من أجل التصدي إلى العنف وارتفاع نسبه بعد الثورة، لكن السلطات المختصة تتردد في اتخاذ قرار سياسي جريء من أجل تجريم العنف وتسليط  أقسى العقوبات على مرتكبيه".

رحبّ بعض النشطاء بهذه الحملة الافتراضية من أجل دعم قضية المرأة في حين اعتبرها غيرهم ترفًا لا يحقق للمرأة التونسية شيئًا سوى المتاجرة بقضيتها وتأبيد الخطاب القديم الذي لم يحقق المساواة بين نساء ونساء قبل أن يحققها بين الرجل والمرأة فيما لا تزال نسب العنف ضدّ المرأة مرتفعة دون اتخاذ تدابير قانونية للحدّ من ذلك.


رجال يضعون أحمر الشفاه رفضّا للعنف ضد المرأة(فيسبوك)

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة الليبية.. العنف متواصل

هل المرأة إنسان؟