"الريادة والزعامة.. مستقبل أفريقيا يرسمه السيسي.. القارة السمراء واثقة في قيادة الرئيس المصري.. إنجاز تاريخي بعد تعليق عضوية مصر". عناوين وتحليلات وتوقعات تصدرت الصحف والقنوات المصرية خلال الأيام الماضية، تستهدف كما هو معتاد تضخيم أية خطوة يقوم بها الرئيس المصري، حتى وإن كان الأمر متعلقًا برئاسة الاتحاد الأفريقي، التي تنتقل بشكل دوري وآلي بين عدد من الدول.

أصبحت الآلة الإعلامية المصرية معتادة على تضخيم كل الأخبار والأحداث المتعلقة بالرئيس السيسي، حتى زياراته الروتينية إلى الدول العربية والغربية

منذ تولي الرئيس المصري رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام واحد، تصاعد تضخيم الأمر وتحول السيسي لمنقذ سيتمكن خلال عام من إنقاذ القارة، بالرغم من أن نفس الإعلام والسياسيين والبرلمانيين يدعون لبقاء السيسي، على رأس الدولة المصرية لعشرين عامًا لاستكمال إنجازات تخص مصر وحدها.

اقرأ/ي أيضًا: لجان السيسي الإلكترونية.. هيا إلى الكذب!

حاول الإعلام المصري أن يصدر للمصريين قدرات السيسي الخارقة في تحويل وجهة نظر القارة في نظامه، فبعد تعليق عضوية مصر في الاتحاد عام 2013 في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي، تمكن السيسي من العودة لرئاسة الاتحاد. غير أن ما لن يقوله الإعلام المصري، أن هذا لا يُعد في تاريخ الاتحاد إنجازًا، فمن قبل استطاع قائد انقلاب موريتانيا محمد ولد عبدالعزيز العودة إلى رئاسة الاتحاد بعد انقلابين قام بهما وعقب تعليق عضوية بلاده لمرتين خلال ثلاثة سنوات، كما استطاعت غينيا العودة بعد تعليق عضويتها عقب الانقلاب العسكري في 2008 ، وتولى الرئيس الحالي ألفا كوندي، وكان أحد المتعاونين مع الانقلاب، رئاسة المنظمة الأفريقية.

ضجة كبيرة

أصبحت الآلة الإعلامية المصرية معتادة على تضخيم كل الأخبار والأحداث المتعلقة بالسيسي، حتى زياراته الروتينية إلى الدول الغربية، وكان أبرز تلك التضخيمات اختيار مصر ممثلًا للمجموعة العربية في مجلس الأمن عام 2016 بالرغم من أن الاختيار دوري أيضًا.

الضجة الكبيرة التي عاشتها مصر خلال الأيام الماضية  كانت أضخم من الحدث بكثير. وعلى عكس ما تم تسويقه، فإن الاختيار لم يكن بسبب الإنجازات الداخلية أو السياسات الحكيمة للرئيس المصري، كما ادعى إعلامه، فهناك بعض الرؤساء الذين تولوا منصب رئيس الاتحاد الأفريقي وكانوا نماذج تاريخية في الشطحات السياسية، وإفقار دولهم، من بينهم القذافي وموجابي وغيرهم. وبالنظر لمهام الرئيس وقدراته، يجد المطلع أنه مجرد منصب شرفي يتم بشكل دوري بين مناطق القارة الخمسة الشمال والجنوب والوسط والغرب والشرق، كما أن رئيس الاتحاد ليس لديه القدرة على تغيير السياسات الجذرية للاتحاد أو تحديد سياسته خلال عام واحد، فهو صوت وسط  55 دولة أعضاء في الاتحاد.

تشكل الاتحاد الأفريقي عام 2002 بديلًا عن منظمة الوحدة الأفريقية، وتولى رئاسته 16 رئيسًا بما فيهم الرئيس المصري الحالي. ومنذ عام 2006، بدأت الدول في تداول منصب الرئيس بين المناطق الخمسة، وهو ما يؤكد عليه كتيب الاتحاد الأفريقي في صفحته الخامسة عشر تحديدًا لعام 2014، وفقًا للمعايير. واستطاعت دول شمال أفريقيا التي تقع مصر في نطاقها الجغرافي الحصول على المنصب لمرتين، الأولى كانت من نصيب معمر القذافي الزعيم الليبي السابق، وتقلد المنصب من 2009 إلى 2010، وحاول القذافي تمديد فترة رئاسته، دورة أخرى، لكن دول الاتحاد رفضت. أما المرة الثانية فكانت من نصيب موريتانيا عام 2014 ، واختير محمد ولد عبدالعزيز الرئيس الموريتاني كرئيس للاتحاد ممثلًا عن شمال أفريقيا، وجاء اختياره خلال تعليق عضوية مصر وعدم انضمام المغرب للاتحاد الأفريقي.

عاد الدور في 2019 لشمال أفريقيا من جديد، وتقدمت  مصر وحدها، وتمت الموافقة على تولي السيسي رئاسة الاتحاد، ولا يوجد سبب وجيه لمنع السيسي من رئاسة الاتحاد فكثر من رؤساء القارة يقودون ديكتاتوريات، وبعضهم جنرالات حرب سابقون. وجاء اختيار السيسي وفقًا للمادة 6 البند الرابع في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، الذي ينص على أنه "يتولى رئيس دولة أو حكومة يتم انتخابه بعد مشاورات بين الدول الأعضاء رئاسة المؤتمر لمدة سنة واحدة"، وفي كتيب الاتحاد لعام 2014 تظهر أبرز مهام رئيس الاتحاد الأفريقي الشرفي، وتتلخص في رئاسة مؤتمرات القمة وتمثيل القارة في مختلف المحافل الدولية، ومتابعة أعمال القمة، وإدارة بعض اللجان، ومتابعة القرارات، ويمكنه اقتراح بعض السياسات لكن الرئيس -أي كان-  يظل مقيدًا بضرورة موافقة الدول بالإجماع أو الثلثين على اتخاذ على أي قرار محوري وهام.

صلاحيات الرئيس

يُعد اختيار مصر لرئاسة الاتحاد الأفريقي أمرًا مهمًا، وهي المرة الأولى التي تحظى بها مصر بهذا المنصب الشرفي بعد إنشاء الاتحاد عام 2002، ولكنه ليس بهذا القدر من التضخيم. وفي حين يهتم السيسي بالعلاقات مع دول أفريقية لأسباب عديدة، على العكس من الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي ابتعد منذ محاولة اغتياله عن الاهتمام بالعمق الجنوبي لمصر، ويركز على طرح مبادرات متعلقة بالتجارة بين دول القارة، وتشكيل مجلس أقرب للسوق الموحد، فإنه يجد اعتراضًا من بعض الدول مثل جنوب أفريقيا أكبر الاقتصاديات في أفريقيا، وهو الأمر الذي يؤكد أن ما يتداوله الإعلام المصري مجرد أوهام.

فليس من الممكن أن تتحول الاستثمارات إلى مصر وأن يتم رفع التمثيل التجاري بسبب ترؤسها الاتحاد لمدة عام واحد، أما فيما يتعلق بملف سد النهضة، فإن رئيس الاتحاد لا يملك صلاحية إرغام الدول على قرارات بشكل مباشر، كما لا يملك الاتحاد ككل صلاحية الضغط بشكل مباشر على الدول الأعضاء، فيما يخص سياساتها الداخلية، كما لا يمنع قانون الاتحاد أي دولة من الانسحاب منه في حال ما شعرت بأضرار تستهدفها.

المستغرب في تسويق الوهم في الإعلام المصري، هو تصديرما وصفه البعض،  بأنه السياسة الحكيمة للرئيس السيسي والتي دفعته لرئاسة الاتحاد، بالرغم أن "الحكمة" لا تقع ضمن أي شرط من شروط اختيار الرئيس، وهو ما يؤكده تاريخ من حصلوا على هذا المنصب.

تناقضات مستمرة

كان من أبرز التناقضات، في ما أثير حول هذا الخبر، حديث الإعلام المصري، حول قدرة السيسي على تطوير القارة ورسم مستقبلها في سياق من الرخاء المرتقب، وكل ذلك من المفترض أن يتم خلال عام واحد، وهو الأمر الذي يتناقض مع تسويق نفس الأجهزة لضرورة بقاء الرئيس المصري لعشرين عامًا لاستكمال مشاريعه وإنجازاته داخل مصر، وهي السردية التي سبقت الترويج لتعديل الدستور المصري ليتيح للرئيس البقاء لعام 2034 بدلًا من 2022، فكيف سيتمكن من تطوير قارة في عام ويجد صعوبة في تطوير مصر في 8 أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: جيش السيسي الإلكتروني.. تسريبات وفضائح فيسبوكية

تضخيم تولي مصر مناصب دولية وفقًا للتناوب منطق اعتادت عليه الأجهزة الأمنية التي تدير الإعلام المصري، فمن قبل وعقب اختيار مصر لمقعد مجلس الأمن غير الدائم عام 2016، حدث نفس التضخيم. مع ذلك قدمت الإدارة المصرية خلال شغلها المقعد العربي غير الدائم لمدة عامين أداء مخجلًا، كان أبرز ما فيه قرارها في كانون الأول/ديسمبر 2016، سحب ملف قدمته لمجلس الأمن لإدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

منذ تولي الرئيس المصري رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام واحد، تصاعد تضخيم الأمر وتحول السيسي لمنقذ سيتمكن خلال عام من إنقاد القارة الفقيرة

لا يتعلق هذا النوع من البروباغاندا بالمناصب فقط، فمع أي زيارة للرئيس المصري لأي دولة، تتصدر مصطلحات كقيادة العالم، وأفريقيا والوطن العربي، الصفحات الأولى في المجلات والقنوات المصرية. وهو منطق يسعى إلى المبالغة في نجاحات هامشية، للتستر على الفشل الحقيقي الذي تعاني منه البلاد.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

طريق الإعلام في مصر.. "آخره لحن حزين"

"لا أرى لا أسمع لا أتكلم".. خطة الإعلام المصري