22-أبريل-2017

يُطبق النظام المصري على أنفاس الإعلام بمحاولات مستميتة للسيطرة عليه (Getty)

يتوقف المرء كثيرًا ويحتار حيرة ضال في صحراء جرداء، أمام النهج الذي تتبعه السلطات المصرية تجاه الإعلام، ومحاولاتها المستميتة والمفضوحة للسيطرة والتحكم الكامليْن في مفاصل المشهد الإعلامي داخل مصر. هل يعقل أن يخاف نظام أو سلطة من صحيفة أو كاتب أو قناة فضائية أو موقع إلكتروني؟

أي نوع هو هذا النظام أو هذه السلطة؟ وكيف يُفترض بها قيادة شعبها، وهي لا تحترم عقله ووعيه؟ وما الذي تفعله في أرض الواقع، ويبدو كشف الإعلام له بمثابة مصيبة تحيط برقبة هذا النظام أو تلك السلطة؟ والسؤال الأهم: هل الإعلام الدعائي يمكن أن يُبلِعَ شعبًا كاملًا واقعًا مريرًا، ويجعله حلو المذاق في فمه، ويقنعه بأن "الحياة بمبي"، وأن المرارة والتعقيدات والأزمات التي تحيط به وتنشب أظافرها في حياته اليومية، هي مجرد "ضريبة مؤقتة" لرخاء قادم قريبًا؟

أي سلطة هذه التي تخاف من صحيفة أو كاتب أو قناة فضائية أو موقعٍ إلكتروني؟ وكيف يفترض بها قيادة شعبها؟

هل يمكن لإعلام معارض وعدائي وكاره ومتآمر ومنحط وسافل، أن يسوّد عيشة ناس "نصف مرتاحة"، ويحرّضهم على التمرّد ضد واقع هم قادرون على تحمّل ضغوطاته وأزماته، والحياة تمضي بهم يومًا حلوًا وآخر مرًّا؟ باختصار، هل يمكن للإعلام من فضائيات وصحافة وفضاء إلكتروني، أن يلعب بالثلاث ورقات، ويغيّر قناعات الناس ويبدّل في واقعهم المُعاش، ويصوّره لهم على غير حقيقته ويصدّقون ذلك ويؤمنون به ويتصرّفون على أساسه؟ قطعًا لا.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يزعج عزمي بشارة إعلام السيسي.. إلى هذا الحد؟

ربما كان ذلك ممكنًا لبعض الوقت في أزمان سابقة، لكن الآن مع هذا الكمّ الهائل من أدوات الاتصال والتواصل، تراجعت قدرة الإعلام الموجَّه والدعائي -سواءً كان معارضًا أو مؤيدًا- على اللعب بمشاعر الناس وعقولهم ووعيهم، وكيف له أن يفعل في ظلّ "سوق عكاظ" المنصوبة نهارًا وليلًا في كل أنحاء الدنيا؟ سوق يستحيل أن ينفرد بها كاتب أو مذيع أو جريدة أو قناة فضائية أو موقع على الإنترنت، مهما كانت إمكانياته أو من يقف وراءه.

فلماذا إذن يخاف نظام أو سلطة، ويعمل على حصار مصادر المعلومات والآراء مهما كان شططها السياسي؟ لقد ولّى زمن جوزيف غوبلز وزير دعاية هتلر النازي، وولّى زمن تأميم الإعلام في عصر السماوات المفتوحة، ومَن يتصوّر أنه قادر على صناعة واقع فضائي وصحفي غير واقع الناس، فهو يتآمر على نفسه ويدفن رأسه في رمال ناعمة.

من يتصور أنه قادر على صناعة واقع صحفي غير واقع الناس، فهو يتآمر على نفسه ويدفن رأسه في الرمال

تخيّلوا معي لو أن الصحافة المصرية كانت تتمتّع بحرية جيدة في ستينات القرن الماضي، هل كان يمكن أن يستيقظ المصريون في الخامس من حزيران/يونيو 1967 على واحدة من أسوأ الهزائم في تاريخهم كله؟ تخيّلوا معي لو أن حسني مبارك أنصت بجدية إلى ما كانت تكتبه الصحف الخاصة والمستقلة وصفًا لواقع المصريين وأزماتهم، وأدرك الواقع جيدًا بعيدًا عن حَمَلة المباخر وشِلل المطبّلين وجوقة "كُلّه تمام يا فندم"، وتابع باهتمام ما كانت تذيعه القنوات التلفزيونية الخاصة في برامجها السياسية من انتقادات وموضوعات، وأحدث تغيُّرات تعيد تشكيل هذا الواقع وتقلل من حدة أزمات سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ هل يمكن لخمسين ألف شاب في 25 كانون الثاني/يناير 2011، أن يحدثوا انتفاضة شعبية هائلة تنتهي برحيل مبارك نفسه؟

اقرأ/ي أيضًا: "لا أرى لا أسمع لا أتكلم".. خطة الإعلام المصري

 هل قلّل إعلام مبارك من حالة الغضب الشعبي قبل ثورة يناير، الغضب الذي أسهم في زيادة أعداد المطالبين برحيل ذلك المكابر العاطفي؟ هل أنقذ إعلام شاه إيران السابق نظامه من السقوط في 1979؟

الخائفون والمرتعشون والمتحجرون عقليًا وضيقو الأفق ومعدومو الخيال، ربما لا يُدركون أنّ إعلام الترفيه والرقص ونجمات الغناء والحوارات الشخصية الساخنة، لا يغيّر واقعًا يئنّ منه الناس، ولا إعلام التصفيق وبثّ آمال وأحلام لا يراها الناس على أرض الواقع، يخفّف مأساة الحياة اليومية في مصر، فالواقع المعاش أقوى من أي إعلام، لذا فإن منعوا أو سيطروا أو تحكموا في كل الفضائيات والصحف، الناس لن يصدقوا إلا حياتهم ومن يساند هذه الحياة ويدافع عنها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. إعلام برتبة شريك في الفساد

مصر.. أبرز فضائح إعلام السيسي