08-مايو-2016

ديفيد فوستر والاس

أغرب ما قرأته في سيرته هو انتحاره، ديفيد فوستر والاس الروائي الأمريكي الذي لم يلحق ليخبر تجارب الشيخوخة وترهل الجلد والوحدة في نهايات العمر، اكتفى من حياته بما يعيشه الفرد من عزلة عامدًا إلى الكتابة عن شكل الحياة اليوم في عالمه، أو بلده الوﻻيات المتحدة الأمريكية.

ما زالت ذكرى انتحار والاس تدمي القلوب، ومقتطفاته تحضر في كل تجمع أمريكي يدفع تجاه عودة الإنسان إلى عيش حياة طبيعية

انتحر ديفيد فوستر والاس عن أربعين عامًا، بشنق نفسه، كتب القصص القصيرة والمقالات لعشرة أعوام، قدم بعدها روايته الملحمية وهي الرواية الثانية له "دعابة ﻻ نهائية"، أو في ترجمات أخرى "الكوميديا اللامتناهية". والاس واحد من أهم روائيي ما بعد الحداثة في أمريكا خلال القرن العشرين.

اقرأ/ي أيضًا: أبو شاور وأبو خالد.. في القصر الجمهوري

في هذا المقال، ﻻ أعمد إلى تناول ما تكرر عنه، وإنما الى اجتياز كل المعروف عنه إلى تفاصيل هنا وهناك من قراءة بالعربية والإنجليزية، ربما، لمحاولة وضع سياق مشابه لحياة والاس التي تكثفت وتغيرت عبر محطات وتجارب، كانت محصلتها طريقة كتابته التي تشاء أن تكون موسوعية ومتفرعة، وتتسابق لتضع القارئ في متاهة تشبه ما يواجهه الفرد في الحياة المعاصرة.

مقالاته التي كانت محط ملاحقات القراء المثيرة للجدل بطابعها الفلسفي والتأملي، فضلًا عن قصصه القصيرة، قبل هذا نشوؤه في عائلة محبة للثقافة، وانتقاله بعدها لدراسة الرياضيات والفلسفة، وعمله أستاذًا في عدة جامعات أمريكية، ثم معاناته من اكتئاب مرضي حاد أفقده القدرة على التواصل مع الآخرين، من بينهم صديقته التي حاولت الاقتراب منه، لكنه لم يرد أن يؤذيها فظل مبتعدًا، ودخوله في سنوات علاج متلاحقة بأدوية تخفف الاكتئاب، وحالات إدمانه المبكرة هو ما يفسر اضطلاعه في تناول حياة اليوم.

ما زالت ذكرى انتحار ديفيد فوستر والاس، عام 2008، تدمي القلوب، ومقتطفاته تحضر في كل تجمع أمريكي يدفع تجاه عودة الإنسان الى عيش حياة طبيعية. أول رواياته: "مكنسة النظام" نشرت عام 1987، وحين صار عمره أربعة وثلاثين عامًا نشر روايته الأشهر "دعابة ﻻ نهائية" عام 1996، استغرق العمل على مشروعه الروائي الثاني لحين صدوره نحو خمس سنوات، لتتكون من ألف وخمسمائة صفحة. ففي العام 1991 بدأ العمل بمشروعه الروائي، وفي عام 1993 بعث بالمشروع إلى محرره، وبعد نشر مقتطفات من الرواية خلال عام 1995 نشر الكتاب أخيرًا عام 1996.

عن روايته "دعابة ﻻ نهائية"، يقول ديفيد فوستر والاس إنه أراد من خلالها: "الإمساك بنسيج العالم الذي أعيش فيه"

عمله "دعابة ﻻ نهائية" يستحضر روايات شاك بالانيوك بقوة السخرية المبطنة، وهيوبرت سيلبي بالثرثرة الفظة، ونابوكوف ومعه توماس بينشون بهاجس الدقة العملية، وروايات مالكوم لووري في تراوحها الفج ما بين الحداثة وما بعد الحداثة، أما بانقضاضه على زمن الترفيه والمجتمع المشهديّ والترويج الإعلامي للعواطف والإدمان بكلّ أشكاله، فيبدو الكاتب سليل كبار الروائيين الذين سعوا إلى تسليط الضوء على عزلة الإنسان بدءًا من كافكا.

عن الرواية الموسوعية، ﻻ بل المتاهيّة، يقول كاتبها أنه أراد من خلالها: "الإمساك بنسيج العالم الذي أعيش فيه"، وهكذا مرارًا صرح والاس أنه كان يكتب للهروب من هذه الحالة ومن عزلته. "نعم، أنا مريض بالشك، لكن هل أنا مريض بما يكفي منه؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

في حضرة محمود درويش الألمانيّ

فكر علي شريعتي.. أدوار الضعف والقوة