04-نوفمبر-2015

زجل

الزَّجَل.. بهذا الدال اللغوي اختار المغاربة أن يُجَنّسوا شِعرهم المكتوب بالدارجة. وقد صدرت العديد من الدواوين الشعرية داخل هذا الجنس الأدبي المتميز، ليس آخرَها كتاب "سؤال فلت للموت" عن "منشورات الهامش" للشاعرة دليلة فخري. 

الموت من الثيمات الأشبه بالثقوب السوداء في الفضاء خارج الأرض

الاقتراب قرائيًّا من هذا الكتاب يستلزم استعدادًا للدخول في متاهات جمالية منذ العنوان، سؤال فلت للموت: هل تُفلت الموت شيئًا؟ ثم، أليس الموت نفسه سؤالًا حاول الإنسان أن يجيب عليه منذ أن ابتُلي بشقاء الوعي، لكن الإجابة منفلتة دومًا؟ أليسَ السؤالُ هو الذي أفلتَ الموت؟

طيلة الكتاب ترافقنا الشاعرة بأسئلتها الموغلة في اللاجواب، من خلال كتابة شعرية اعتمدت الاختزال، القارئ لها أشبه بالسائر في حقل ألغام، غير أن هذا السائر يبحث عن الانفجار وليس يتحاشاه. تكسر الشاعرة الإجابات الجاهزة وتحيي الأسئلة، في وفاء جميل للعنوان، للسؤال الذي أفلته الموت، وهذا ليس كافيًا وحده، ما لم يُعَمّد بماء الشعر. والكتاب غارق في هذا الماء.

"كل موتة/ رقعة/ ف كفن كبير".. هكذا تُنزِل الشاعرة في الصفحة 39 من الديوان، الموتَ من شرفة المطلق، إلى أرض النسبية الخصبة، فيصبح الموت متجليًا في الميتات المختلفة لَبِنَةً في بناء كبير، البناء الذي لا يسعه إلا الموت نفسه.

الموت إبداعيًا من الثيمات الأشبه بالثقوب السوداء في الفضاء خارج الأرض (وهل كان الشعر يومًا أرضي الأصل أو المآل؟) إذ لا يسلم المبدع المتناول لها من السقوط المُفني إذا لم يتملك أدوات النجاة. والشاعرة تثبت لنا من خلال تناولها ومقاربتها أنها تقود سفينة الشعر باقتدار إلى كوكب الدهشة. الدهشة الذي تتوق إليه نفس المبحر في الشعر. ويمكن أن نسوق هنا نموذجا على هذا الأمر، تقول الشاعرة: "ف كل خطوة/ مشاتها الموت/ ينبت خريف" الصورة الشعرية مستنبتةٌ هنا من خلال دالّين لغويين متوازيين في المعنى: الخريف والموت. هذا التوازي يجعل المشهد  مألوفاً في وجدان المتلقي رغم جِدّةِ التركيب، مما يسهل عليه الإيمانَ به جماليًا. 

الأمّة التي لا تسأل تموت، يقول الفيلسوف فانون. ونحن أمة كَفَّتْ عن السؤال منذ نشأتها، لأن هذه النشأة بالضبط مبنية على أساس الجواب النهائي، الصّادِّ لكل محاولات التشكيك. لذلك يكون التطرق لمفهوم كالموت نوعًا من المغامرات الإبداعية التي ينتظرها المتأمل بعطش، ليس إلى الجواب المختلف، بل إلى السؤال المتخلى عنه: "الموت/ فاش تقادينا/ غتقادى؟" صفحة 89، ما معناه: "الموت/ عندما تنتهي منا/ هل ستنتهي هي؟". هكذا إذن يشاغبنا الكتاب بأسئلته و تعريفاته الشعرية المفتوحة على التآويل، و الزاهدة فيها في الوقت نفسه. وهل يبقى الشعرُ إذا فُسِّرَ لُغزُ الموت؟

اقرأ/ي أيضًا:

ريبر يوسف.. حكمة الولد وطيش العجوز

سوزان عليوان.. خفوت النبرة وهاجس التعبير