01-يونيو-2022
الكاتبة الفلسطينية دعاء سويلم (ألترا صوت)

الكاتبة الفلسطينية دعاء سويلم (ألترا صوت)

لا تؤلف الفلسطينية دعاء سويلم شخصيات ومواقف. هي تكتب نفسها، أو ما تعتقد أنه يعبّر عن نفسها خير تعبير. وبهذا التمنّع عن التأليف، تجبر قارئها على التهيؤ لقراءة نصوص تشبه الكتابة الإبداعية، لكنها ليست كتابة بالمعنى المتعارف عليه. ففي الرواية والشعر والكتابة الإبداعية يحدث أن يتفهم القارئ ارتكاب أحد الشخصيات جريمة مشينة، أو خيانة أحد الشخصيات لشخصية أخرى. ذلك أن ما يحدث في الرواية والشعر ليس حدثًا من لحم ودم. هو حدث تمثيلي، يشبه جرحًا بلا دم.

تمحو كتابات دعاء، بضربة من القلب، كل التعالي الذي مارسه العالم ويمارسه على الفلسطينيين، حتى وهو يتضامن معهم ويحمل قضيتهم على كتفيه

في كتابات دعاء تحضر هي نفسها. الكاتبة هنا تقرأ نفسها وحياتها. نصوصها الحارة هذه، هي صورة حياتها إن كان تعبير الصورة موافيًا لعمق الحياة التي تعيشها.

وحيث أن دعاء فلسطينية وامرأة، فهذا أدعى لأن تُرفع لها قبعات النقاد والقراء على هذا الخرق البالغ الأهمية في جسد الكتابة. النساء أولًا، في بلادنا أكثر مما هن عليه في بلاد أخرى، حين يعبّرن عن آلامهن، فإنما يعبّرن عما تعجز الثقافة السائدة التي صنعها وأثثها الرجال، عن الإحساس به. قصارانا إذا اجتهدنا، نحن الرجال، أن ندرك أن ثمة ألمًا يعتمل في نفوسهن وأجسادهن، لكننا لم نختبره ولن يتسنى لنا أن نختبره.

والفلسطينيون ثانيًا، بوصف هذا الشعب هو الشعب الوحيد في العالم، الذي لا تضيف له الرواية الكثير. كل رواية قابلة لأن نركنها على جانب السرير، حتى لو كانت تأريخًا دقيقًا لآلام شعب وهجراته والمجازر التي تعرض لها. إلا حين تكون الكتابة بوحًا مباشرًا، يكاد لا يقطع سيل معاناته غير الدموع.

الفلسطينيون المحكومون بأن يكونوا أفرادًا بلا مستقبل، على ما تعرف الدول السيدة المستقبل. محرومون من حيازة صفة المواطنة، التي من دون حيازتها لا يمكن للإنسان أن يتحصل على أبسط حقوقه. ويصبح في نظر القانون والسياسة على حد سواء كائن بلا حقوق، ويمكن إهدار دمه بسهولة ويسر. هؤلاء، حين نقرأ ونعاين معاناتهم في الروايات والقصص وسائر أنواع الفنون، يضعوننا في خانة أرفع منهم، خانة من يستطيع أن يتضامن من موقعه المتعالي مع من يقع في موقع أدنى منه.

لكن كتابة دعاء تجبرنا على تعديل وضعياتنا التي نتخذها حالما نبدأ القراءة. كتابتها هي حوار مباشر معها. لا تنفصل عنها، وليس في وسعنا أن نغلق الكتاب ونطوي طرف الصفحة، ذلك أن الدم يسيل الآن، وهذا المكتوب ليس تذكرًا له ولا تسجيلًا متأخرًا لحدوثه. كما لو أن دعاء تدعونا إلى الحوار معها، وما أن نبدأ بهذا الحوار حتى نصبح أندادًا، ولا نعود مفرقين بوصف بعضنا ضحايا وبعضنا الآخر متضامنين. مثل هذه الكتابة تمحو، بضربة من القلب، كل التعالي الذي مارسه العالم ويمارسه على الفلسطينيين، حتى وهو يتضامن معهم ويحمل قضيتهم على كتفيه.

لا تؤلف دعاء سويلم شخصيات ومواقف. هي تكتب نفسها، أو ما تعتقد أنه يعبّر عن نفسها خير تعبير

تنشر دعاء ما تبوح به على منصة فيسبوك، وهي منصة تفاعلية بطبيعة الحال، والأرجح أن ما تكتبه على هذه المنصة يصنع لها وظيفة مجدية. ذلك أنها بخلاف الرائج على هذه المنصة، لا تبحث عن المفارقات التي يمكن تتويجها باختراع النكات، أو انطلاق السخرية من النفس والآخر على حد سواء، بل تجعل من هذه المنصة مكانًا مناسبًا لفرض المساواة على الجميع، رجالًا ونساءً، أطفالًا وشيوخًا، ومواطنين من كل دول العالم وفلسطينيين.  


دعاء سويلم كاتبة وشاعرة فلسطينية تنشر معظم نصوصها في صفحتها على فيسبوك.

لها رواية منشورة بعنوان: "أرواح عالقة".

نماذج من كتاباتها:

 

يا رب، هذا الصّباح ليس لي

البشر يستيقظون لأجلك

للعمل

لأولادهم

لصباح الخير

سأفتح لك صندوقي البريدي،

انظر

لا رسالة واحدة فيه

تشجعني على النّهوض.

كل يومٍ أحسب المتبقي من الأيام

أضع الكثير من الاحتمالات

مثل الموت بنوبة قلبية من شدّة الحزن

أو الإفراط بشرب القهوة ظنًا بأنّها كحول

أو أن تقوم القيامة.

منذ وقتٍ طويل لم يهجرني أي أحد

ربّما لكونهم خرجوا دفعة واحدة معًا

فهم يحبون الوقت

إنني أفتقد لذلك

أن أستيقظ لأجل مشكلة تحصل مع كل النّساء

لأجل خيبة جديدة.

*

 

لم تدرس أمي إلا للصف الرّابع الابتدائي

ولم يكن أبي طبيبًا

أو مهندسًا

كان عامل بناء يحبّ عمله

وأمي ربة بيت طيبة

كنّا عائلة تقليدية

ثمّ ورث أبي من أبيه

كرسيه المقعد

وأنا كتبتُ عنه

لذلك جعل الله مني كاتبة.

علّمت أمي تهجئة الحروف

وقراءة سورة الملك

ولكن علّمتني شيئًا واحدًا

لا أعرف كتابته:

الحب.

ثمّ جعلني الله كاتبة.

*

 

ماذا فعلت بكِ الخيبات يا امرأة؟

اخترتُ البقاء وحيدة، دون علاقة صداقة قويّة، أو عاطفيّة.

أن تحب، أو أن تكوّن صداقة؛

يعني أن تتعرض لخيبةٍ جديدة، بعد أن تسمح للأمل أن يدخل حياتك.

أن تموت من القهر، ويكبر ألمك فيصبح من الصّعب السّيطرة عليه، أن تحترق روحك دون رائحة دخان، أن تفقد ثقتك بالجميع ثمّ بنفسك، وتموت بسبب خيبة أمل وأنت تتنفس.

لذلك قررتُ البقاء وحيدة.

إنّ لغة التعميم خاطئة، ولكنّ أمثالي من ذاقوا الحزن القاتل، ومن يموتون من الحساسية؛ الأفضل لهم مغادرة الأماكن بسرعة.

*

 

كنت نائمة

حينما أخبرني الله بأن والدايّ

الآن على السّرير معًا

وبعد تسعة أشهر ستلدني أمي

لم أخرج في ثورة

وحتى لم أقبل أو أرفض

كل ما فعلته واصلت النّوم.

رأيت وجه القابلة أثناء ولادتي

همست في أذني: موتي، أرجوكِ!

زوجي حفّار قبور

يجب أن يحصل اليوم على ميتٍ جديد؛

حتى نشتري العدس ونطعم الصّغار.

الله يريدني أن أعيش

والقابلة تريد مني أن أموت

وأنا لا أعرف غير الصّمت.

*

 

أتعرفين؟ إذا وجدتِ يدًا واحدة مخلصة؛ لا تتركيها مهما حصل. داء الوحدة والخوف ينتشر في الهواء في كل مكان، ولا سبيل للفرار منه إلا بالحب.

ستكتبين حزنًا، ستموتين من الهموم، ستهربين من العالم إلى أي مكانٍ لا أحد يمكنه الوصول إليكِ، سيكون رقمك خارج التّغطية، تمامًا مثل قلبك. ثمّ ستجدين أملًا، وتعودين للمقاومة من جديد، وربّما تخلقين وهمًا، كل ذلك لأجل محاربة هذا الخراب، هذه الغربة التي تأكل أرواحنا.

*

 

لا أعرفُ عدد ركعات صلاة العشاء

ولم أرفع يديّ للسماء

ولم أكن امرأة مؤمنة

ولكن..

كان يمكنني أن أغوي ذلك الرّجل

فأصبح غنية

ولكنني لم أفعل.

كان يمكنني أن أقبل وظيفة

فتصبح لي قيمة بين النّاس

ولكنني لم أفعل

لأجل مبادئي.

يا رب..

لم أستغلّ صديقًا

ولا حبيبًا

فلماذا الكل هجرني؟

لم أقل لامرأة

أنتِ سمينة أو ضعيفة

وإن رأيتُ امرأة في حضن الكثير من الرّجال

أقول: لا دخل لي، فلكل إنسانٍ أسبابه.

ولم أقل لسائق التاكسي الثّرثار

بأن يتوقف عن الكلام

وإن كنتُ في عالمٍ آخر.

وعرفتُ بأنّ ثمّة عائلات

لا تحبّ أولادها الذّكور

فبكيتُ عليهم.

لديّ الكثير من الهموم

لا يمكنني النّوم من التّفكير

أنا حزينة

ضائعة

مشرّدة

العائلة ليست بخير

وأنا كذلك.

يا الله..

لم أسرق غير ورقة عليها دعاء

من الكنيسة

فلم أنم لأشهر.

وكنتُ بنتًا صالحة لوالدي

تمنت الكثير من النّساء

لو كنتُ بنتها.

فلأجلِ هذه الأشياء

خلّصني من هذا التّعب

إمّا بالموت

أو أن تعيش عائلتي براحة

عاقبني وحدي

اجعلني أحملُ كل ألمها

لقد كنتُ طيبة

في حياتي

وأنت تعرف ذلك أكثر مني.

*

 

ليتني كنتُ برغوثًا؛ لأدعس وأموت مثل كلبٍ جائع، أو الموت بمبيد الحشرات، ولكنني أموت بمبيد الحياة كلّ يوم.

لا أريدُ أن أموت مثل العمة لارا التي ماتت مختنقة في حوض الاستحمام والتّدخين يملأ البلاط، ولا مثل أمين الذي أكله كلبه من شدّة الجوع، هل تعرف من قتلهم؟ الحياة.

*

 

لا تسألني:

لماذا أرفضُ حبّك؟

أنا لا أرفضك أنت

بل أرفض العالم كلّه.

اخترتُ الوحدة

لأنّ امرأة مثلي

لم تعرف إلا الحزن والمسؤولية

في حياتها.

ستحبني اليوم

مذهولًا بتلك الشخصية القويّة

وغدًا

ستهجرني

وتقول: امرأة دراما

كما فعل الذين من قبلك.

لا تقترب مني

ثمّة نساء خلقن من المعاناة

والعزلة

وأنا واحدة منهن.

أرجوك،

اعثر على الحب الحقيقي

ولكن

لا تفتشّ عني

في أي بديلة.

أصبحتُ قاسية

لأنّ العالم لم يكن عادلًا معي

ولكنني

لستُ استغلالية

لأي قلب

سأبقى بمفردي

هذا قدري.