18-مايو-2018

الروائي السوري خليل صويلح

اختصرت رواية "اختبار الندم" (هاشيت أنطوان- نوفل، 2018)، للروائي السوري خليل صويلح، تاريخ مدينة بأكملها، من ضجيج الحرب إلى قصص الحب وارتكاب الحماقات في أحداث متشابكة شائكة صعبة الفهم، تنتهي بعناق، أو ربما بمشاعر متناقضة في مرمى الاضطراب.

اختصرت رواية "اختبار الندم" لخليل صويلح، تاريخ مدينة نهشتها الحرب

يقترح خليل صويلح سردية روائية تقوم أساسًا على راوٍ محطّم، يبحث عن متنفسّ عاطفي وشخصي مع ثلاثة نساء، يلتقي كلًّا منهن في ظرف ومكان. لكلٍّ من هؤلاء النساء حكايتها التي ترسم جانبًا من فسيفساء المجتمع السوري، لكن كل ذلك يؤول إلى لا شيء، إلى "حراسة حقول الوهم" كما يقول الراوي في النهاية.

اقرأ/ي أيضًا: خليل صويلح.. بيان ضد المكتبة

اللافت في رواية خليل صويلح "اختبار الندم" هو تلك الطاقة الشعرية، التي طرزت خلفية الأحداث، بجمل من قبيل: "كانت الطاولات والكراسي كلها باللون الأحمر ذريعة كبرى للغوص في اشتقاقات هذا اللون لجهة الشهوة"، و"كان الضجر أحد أسبابي في تطريز عباءة العزلة والتدثر بها كل هذا الوقت"، و"كأن الكتابة الافتراضية تمنحنا جرعة من الشجاعة في الخوض بما لا يمكن أن نقوله مباشرة"، "رائحتك تقتحم عزلتي"، و"أضاء المستطيل الأزرق بكلمة أفتقدك"، و"ونحن نغادر المقهى: ما الندم؟".

في "اختبار الندم"، تكتشف روح دمشق كمدينة حزينة، وتعاين تصادمها وضياعها بين الحب المتعب في شوارع الحرب، وبين الفراغ والوحدة على الشاشة الافتراضية الزرقاء في البحث عن حياة جديدة من وهم لتصبح حقيقة.

خليل صويلح أحد كُتّاب سوريا المعاصرين للحرب والحياة والموت معًا، وأحد سكان دمشق الذين بقي فيها خلال الحرب، وغاص فيها ليكتشف روحًا جديدة من خلال اختبار أشكال الندم، مكتشفًا تصادمات وأهوالًا، تكشف عن قلق المدينة وعن مآسٍ.

يكتب صاحب "ورّاق الحب" بعين ناضجة ترصد حالات انفصام الشخصيات واقعية. يكتب تلك الشخصيات بشغف وكأنها تسكن روحه وتطلق مخيلته بهدوء، وتقتحم عزلته لتشعل حواسه، ليقدّم نصًّا سيحتل موقعه بين الأعمال الأكثر أهمية في تاريخ الكتابة السورية.

اختبار الندم

تأخذنا رواية "اختبار الندم" إلى عالم السينما بمشاهد واقعية وذاكرة بصرية حقيقية في آن. وتمضي بنا بعد ذلك إلى حداثة الشاشة الزرقاء التي اقتلعت المسافات في الأحاديث، متجاوزة النزعة الطبيعية لروح الرواية في واقع حقيقي معقد وبحبكة عمقيه لمآسي الحرب في مدينة يسكنها الشجن، متأثرًا بالأحداث القاسية التي تمر بها البلاد، وبالمستوى الشعبي الذي تغيير خلال سنوات الحرب، متناولًا دمشق ذات الوجه الغامض والصامت، المحاطة بالتناقضات المعقدة والقصص المحيرة، والممزقّة بين نزعات سكانها والقيم الطارئة.

يقطف خليل صويلح اقتباسات من متون أدبية ويوظفها في نسيج نصه، من قبيل: "كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال" من "الملك لير" لشكسبير، "حياة لعينة، والمصيبة أنها لن تنتهي بمكافأة على الآلام أو بمشهد ختامي كما في الأوبرا، بل بالموت" من "العنبر رقم 6" لتشيخوف.

كما يقوم باقتباس نصوص من فضاء الحياة السورية المحتدمة، كما فعل مع آخر ما كتبه الشاعر بشير العاني على صفحته على الفيسبوك، بعد أن صدرت فتوى شرعية بذبحه مع ابنه ذي التسعة عشر بتهمة الردة: "لهكذا حزنٍ أسرجتني أمي، أنا الذي قايض الطمأنينة بالهزائم".

تشيخوف: الحياة لعينة، والمصيبة أنها لن تنتهي بمكافأة على الآلام أو بمشهد ختامي كما في الأوبرا، بل بالموت

يقول خليل صويلح عن "اختبار الندم": "الأمر يتعلّق بهذا الخلل في القيم، وضرورة فحصها وتقليب تربتها بسكة محراث أخرى، وتاليًا فإن الندم يذهب إلى مسلك آخر، أبعد من معناه في المعجم. الندم على أوقات الهباء المتراكمة، ونبش الأسباب التي أوصلت حياتنا إلى هذا الدرك من الوحشية والخراب الروحي، وكيفية احتضار الجسد بمبضع القسوة، وكذلك إعادة تدوير الألم، كما يحدث لساعة رملية في تبديد ما هو مشع في أرواحنا".

اقرأ/ي أيضًا: فواز حدّاد: أصبحت الرواية حياتي كلها

هكذا نلاحظ الرغبة الشديدة تغمر روح الراوي في عالم جديد، يتخلّص مما صنعته الحرب والقسوة ووسائل التواصل الاجتماعي، ويعيد

"اختبار الندم" نص يتأمل في مرآة الراهن، ويفحص العمى الجماعي الذي ولّد دمارًا يصعب ترميمه، وذلك لأنّ كل ما جرى ويجري ليس سوى محصلة لعسف متراكم ووحشية قصوى تركت ندوبها عميقًا في أرواح البشر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رواية "أرض الكلام".. قوة الشكل وتراجيديا المضمون

تعرّف على 5 من أبرز الروايات السورية