27-مارس-2019

رفض معظم الجزائريين خطوة الجيش ومتخوفين من تكرار تجربة السيسي في مصر (فيسبوك)

الترا صوت – فريق التحرير

تم تناول الحراك الجزائري من زوايا متعددة، سواء مطلبيًا، أي مجرد رفض العهدة الخامسة والبوتفليقية، أو بما هو في حقيقته مساءلة كبرى لدولة الاستقلال الوطني في الجزائر ومنجزاتها وديناميكياتها. بينما طالع المشهد الجزائري نقلة غير هينة رفقة خطاب المطالبة بتفعيل المادة 102 من الدستور. إذ  رافق رئيس أركان الجيش الوطنيّ الشّعبيّ في الجزائر أحمد قايد صالح (1940) الحراك الشّعبيّ منذ انطلاقه يوم 22 شباط/ فبراير الفائت، من خلال خطب كان يلقيها أمام إطارات الجيش، في زياراته المتعددة إلى النّواحي العسكريّة المختلفة، وعبر خطوات استعراضية تهدف إلى تأكيد جهوزية الجيش الجزائريّ في حالة أيّ تهديد داخليّ أو خارجيّ.

دقائق بعد خطاب قايد صالح، حتّى انتشرت بين الجزائريين عبارة "من الأخير، الجمعة فيها"، أي أنّ الخروج في الجمعة السّادسة مؤكّد. وقرأ البعض خطوة قايد صالح من زاوية رغبته المبيّتة للترشّح 

 وصف قايد صالح شباب الحراك، بعد الجمعة الأولى بـ"المغرّر بهم"، ثمّ سرعان ما سُحبت هذه العبارة من موقع وزارة الدّفاع الوطني، التّي يشغل فيها منصب نائب وزير الدّفاع، وهو المنصب الذي يحتكره الرّئيس بوتفليقة منذ تولّيه الرّئاسة عام 1999. ثمّ قال صالح بعدها إنّ الجيش مؤسّسة عسكريّة دستوريّة تهتمّ بحماية البلاد من المخاطر المختلفة ولا دخل لها في السّياسة، ثم قال ما فهم أنّه انحياز منه للخيار الشعبيّ إنّ الجيش والشّعب يشتركان في الرّؤية نفسها للمستقبل، ثمّ أضاف أخيرًا أنّ ثمّة حلًّا يرضي جميع الأطراف، من غير أن يفصح عنه.

اقرأ/ي أيضًا: اتساع الحراك الجزائري يفرض سؤال: من بقي مع بوتفليقة؟

بقي الغموض مسيطرًا على المشهد الجزائري طيلة الأسبوع الذّي تلا التّصريح الأخير للقايد صالح، إلى أن أعلنه صراحةً، الثّلاثاء، في خطاب أمام إطارات من الجيش، وتناقلته وسائل الإعلام المحلّية، حيث دعا إلى تطبيق المادّة 102 من الدستور القاضية بإعلان شغور منصب الرّئيس، بحيث يتولّى رئيس مجلس الأمّة المصنف دستوريًّا بالرّجل الثّاني في الدّولة مقاليد الرّئاسة، ويشرف على تنظيم انتخابات رئاسيّة لا يترشّح لها، في أجل أقصاه تسعون يومًا.

لم يُعطِ رئيس أركان الجيش الجزائريّ ما قال إنّه حلّ يرضي جميع الأطراف في شكل أمريّة عسكريّة، بل في شكل التماس من المجلس الدستوريّ، حتّى لا تفهم خطوته على أنّها تدخّل من الجيش في الحياة السّياسيّة والمدنيّة، وهو ما يؤكده قوله في الخطاب نفسه "إنّ اللّجوء إلى المادّة 102 يهدف إلى إبقاء الأمور داخل الدّستور، الذّي يُعدّ الضّمانة، التّي يجب على الجميع الاحتكام إليها".

الجزائريون ينقسمون

قطاع واسع من الجزائريّين قالوا إنّ ترشّح الرّئيس بوتفليقة كان دستوريًّا بمنطق الدّستور الحالي، لكنّ الشّعب رفضه، فما مبرّر العودة إلى الدستور نفسه.

في هذا الصدد يقول النّاشط عبد الوهاب بن منصور  لـ"ألترا صوت"، إنّ بعض وجوه الجماعة الحاكمة قالوا إنّ قوى غير دستوريّة كانت تتحكّم في زمام الأمور، "وهذا يعني أنّ الدّستور نفسه وضع من طرفها بناءً على مصالحها، وهو بهذا بات خارج إرادة الشّعب". ويسأل بن منصور: "لماذا نترك الإرادة الشّعبيّة المطالبة بالرّحيل الشّامل لوجوه النّظام، فندخل في مرحلة انتقاليّة تسيّرها وجوه جديدة ونظيفة، من خلال حكومة توافق وطنيّ تعدّ لانتخابات حقيقيّة، ونحتكم لدستور فاقد للمصداقيّة؟ هذا إنقاذ للعصابة باسم الدّستور الذّي وضعته بنفسها".

من جهته، سارع الحقوقيّ مصطفى بوشاشي، الذّي يحظى بثقة كثير من قوى الحراك، إلى رفض الاقتراح ووصفه بـ"الخطوة المتأخرة"، التّي كانت ستؤتي ثمارها لو طبّقت قبل اليوم، حين كان مرض الرّئيس يشكّل نقاشًا عامًّا. وأضاف في تسجيل له تداوله روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك: "لا يعقل بعد الحراك الشّعبيّ الكبير أن نذهب إلى انتخابات يشرف عليها رئيس دولة مرفوض ومجلس دستوريّ مرفوض وحكومة مرفوضة، ذلك أنّ تطبيق المادّة 102 تستدعي المادّة 104، التّي تفرض الإبقاء على حكومة نور الدّين بدوي، الذّي شارك سابقًا في تزوير الانتخابات".

وهو الموقف نفسه، الذّي ذهبت إليه "حركة مجتمع السّلم" كبرى الأحزاب الإسلاميّة في الجزائر، حيث دعت في بيان لها إلى المحافظة على الطّابع المدنيّ للدّولة وطالبت بـ"تعيين رئيس حكومة بالتّوافق مع الطّبقة السّياسيّة والحراك الشّعبيّ، وتأسيس اللّجنة الوطنيّة المستقلّة لمراقبة الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات، وإصدار المراسيم، التّي تتضمّن تحرير العمل السّياسيّ واستقلاليّة القضاء وحماية الثّروة الوطنيّة". ودعا بيان الحركة قوى الحراك الشّعبيّ إلى المحافظة على سلميّته ونشاطه.

اقرأ/ي أيضًا: جمهورية بوتفليقة.. كشف حساب

دقائق بعد خطاب رئيس أركان الجيش حتّى انتشرت بين روّاد فيسبوك عبارة "من الأخير، الجمعة فيها"، أي أنّ الخروج في الجمعة السّادسة مؤكّد. وقرأ البعض خطوة قايد صالح من زاوية رغبته المبيّتة للترشّح لاستنساخ تجربة عبد الفتّاح السيسي. كتب الإعلاميّ محمّد سيدمو ساخرا: " رأيت فيما يرى الرّائي هذا السّيناريو. تطبق المادّة 102 بحذافيرها ويتقرّر إجراء انتخابات رئاسية بعد 4 أشهر ونصف. فجأة يقرّر عمّي القايد صالح الترشّح بصفته مواطنًا بعد أن ينزع قبّعته العسكريّة طبعًا".

في سياق الرّأي الآخر، عدّ البعض قبول مؤسّسة الجيش بتطبيق المادّة 102 القاضية بإزاحة الرّئيس بوتفليقة مكسبًا للحراك، في إطار سياسة "خذ وطالب". كتب الأكاديميّ باديس فوغالي: "تفعيل المادّة 102 مخرج إجرائيّ ينسجم مع متطلّبات المرحلة". وقال النّاشط طارق ثابت إنّه مدهوش من شعب "لا يعجبه العجب، ولا ترضيه جميع الحلول، ويستمرّ في تخوين كلّ من تصل إليه هتافاته".

هل يأتي مقترح الجيش بإزاحة بوتفليقة من باب الضرورة أو الخيار الآمن؟ هذا سؤال برسم الأيام المقبلة على الحراك الجزائري

يبدو أنّ مؤسّسة الجيش دعت إلى تطبيق المادّة 102 في شكل ملتمس للمجلس الدّستوريّ، لا في شكل أمر واجب التّنفيذ، حتّى لا تشعر بالحرج في حالة رفض الحراك الشّعبيّ الخطوة وخرج في الجمعة القادمة، بما يحملها على الخضوع في النّهاية لإرادته. وهذا ما فهمه قطاع واسع من الجزائريين، فلم يريدوا تفويت فرصة إزاحة النّظام الحالي وتعويضه بنظام جديد يستجيب لطموحاتهم.     

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا فشل بوتفليقة في تحديث الجزائر؟

الإعلام الجزائري.. مقبرة المواهب