09-فبراير-2018
فتاة مصرية تحمل لافتة عليها عبارة "لا لختان الإناث"

125 مليون فتاة وسيدة حول العالم خضعن للختان (كريس ماك غراث/Getty)

البعض يعتبرها عادة دينية والبعض الآخر يقول إنها "فرعونية"، ارتبطت بماض سحيق، بينما آخرون لا يزالون يصرون على تسميتها بعملية "الطهارة" التي تفرض "نسقًا أخلاقيًا وسلوكاً جنسيًا منضبطًا" لدى من خضعن لها من الإناث. أما المحللون والعلماء والحقوقيون فيرون أنها عادة شعبية تمترست خلف معتقدات دينية وأخلاقية وأساطير لا أساس لها من الصحة من أجل السيطرة على الحياة الجنسية للنساء. كيف بدأ الأمر؟ ولماذا ختان البنات في مصر من بين الأعلى عالميًا، وما الذي يجعل هذا الخطر مستمرًا؟ 

ما يزال ختان البنات في مصر سائدًا، وهي تحتل المرتبة الأولى من حيث انتشار الظاهرة التي يعتبرها كثيرون تقليدًا فرعونيًا 

125 مليون فتاة وسيدة حول العالم خضعن للختان، واحدة من كل أربعة منهن تعيش في مصر، حسب إحصاءات اليونيسيف. وختان البنات، يعني قطع جزء من العضو الأنثوي البظر أو قطعه كله ومن ثم تخييطه والإبقاء على فتحات ضيقة صغيرة للتبول ودم الحيض، وهي لا تعود للفراعنة أساسًا، بل هي عادة انتشرت منذ أزمنة سحيقة مع قبائل السكان الأصليين في أستراليا وحتى في مجتمعات مختلفة قبلية في إفريقيا.

ويذكر المؤرخون أن عمليات تشويه الأعضاء التناسلية للإناث كانت في روما القديمة تمارس على النسوة اللاتي يتخذن كإماء وكانت تنفذ بطريقة تمنعهن من الحمل بعد ممارسة الجنس مع "أسيادهن".

ذكر العالم اليوناني استرابو، الذي زار مصر في العام 25 قبل الميلاد أن الختان كان يمارس للذكور والإناث على حد سواء. وإن كان يخص الذكور حال الولادة، بينما كانت العادة تمارس في "مدينة ممفيس" القديمة في مصر للشابات قبل الزواج، كعلامة لعبورهن إلى مرحلة النضج.

على الجانب الآخر، ترى سليمة إكرام أستاذة علم المصريات في الجامعة الأمريكية أن "هذه ليست ممارسة شائعة في مصر القديمة، وليس هناك دليل مادي يخصها في المومياوات، وليس هناك أي شيء عنها  في الفن أو الأدب الفرعوني، وترجح أنها قد تكون نشأت في أفريقيا جنوب الصحراء".

لكن بعيدًا عن التاريخ، يلقى منع ختان البنات مقاومة شديدة خاصة في المناطق الريفية بمصر، وعلى الرغم من تجريمه رسميًا عام 2008، إلا أنه لا يزال منتشرًا ويكاد يرتبط في أذهان البعض بالريف المصري، يُطلقون عليه "عملية الطهارة" في السياق المجتمعي والثقافي المصري، لما يُعتقد بأن له علاقة بالسيطرة على "الشهوة الجنسية" عند الفتيات، كما يذكر مؤيدون للختان عادة.

دينيًا، أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى تفيد بأن ختان الإناث حرام شرعًا، موضحة "إنها قضية ترجع إلي الموروث والعادات، وأنه بعد البحث والتقصي ثبت لدى الفقهاء أن هذه العادة تمارس بطريقة مؤذية ضارة تجعلنا نقول إنها حرام شرعاً"، وقد استند مدير إدارة الفتوى بمصر في فتواه إلى أن: "الحقائق العلمية والبحوث الطبية تقطع بفائدة ختان الذكور وضرر ختان الإناث"، موضحًا أن "البحوث العلمية والطبية الحديثة أثبتت أنه لا علاقة بين الختان ونقصان الشهوة بحال".

لكن ورغم سطوة الدين في المجتمع المصري فالظاهرة، وإن تراجعت، لم تتوقف وبقيت تحافظ على نسب مرتفعة. إذ تشير تقارير إخبارية أن نسبة الختان بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 إلى 17 سنة، تناقصت من 74% عام 2008 إلى 61% عام 2014 لكنها نسب عالية.

ولقد كانت هناك جهود من المجتمع المدني ومن الحكومات في مصر لمقاومة عادة تشويه الأعضاء التناسلية للنساء من خلال مقاطع فيديو ومحاضرات وندوات وغير ذلك، لكن، حتى مع العلم بالمخاطر، يظل هاجس السيطرة المفتاح الأساسي في فهم الدوافع الفكرية والنفسية للاتجاه لهذه الممارسة في الوقت الحاضر، حتى يبدو الأمر حصاراً للمرأة ووصاية على جسدها باسم الدين، من خلال تعريضها لصدمة نفسية وألم لا تنساه طوال حياتها.  

الضغط الاجتماعي يعني استمرار الظاهرة 

يعتبر ختان الإنثات ممارسة غير قانونية في مصر منذ عام 2008. رغم ذلك، تقدر منظمة اليونيسف أن 91%  من المصريات المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عامًا تعرضن للختان، وأغلبية العمليات تمت على يد أطباء وقابلات مرخصين. والواقع أن المعدل مرتفع للغاية في مصر، إلى درجة أن القضاء على الظاهرة فيها يعني القضاء على ربع الحالات في تقريبًا عالميًا. 

وليس ثمة عمر محدد لإجراء عملية الختان، إذ تخضع البنت لهذا الإجراء طفلة أو عند البلوغ أو حتى لاحقًا في سن المراهقة، لكن معظم العمليات تتم في فصل الصيف، وكثيرًا ما تكون مؤلمة للبنت، ومهينة إلى حدّ لا يمكن تصوّره بحسب الكثير من الشهادات. فتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية تسبب بصدمة جسدية ونفسية شديدة، عنوانها الإذلال والألم المكتوم، الذي يستمر لعدة أيام رغم الاحتفاء من العائلة. أما في أسوأ الأحوال، فإن الختان يؤدي إلى وفاة البنت بسبب بعض المضاعفات والالتهابات. 

A woman holds the razor blade in Egypt

وقد وصلت ظاهرة الختان في مصر إلى هذه المعدلات "الوبائية"، لأن شريحة واسعة من الناس تعتقد بأنه يحدّ من "شهوة" الفتاة ورغبتها الجنسية، ويحول دون وقوعهن بالخطأ. كما يعتقد آخرون أنّه "سنّة" دينية، رغم أن لا دليل ثابتًا يقوم عليه، علمًا أن الختان سائد كذلك بين بعض المسيحيين في مصر أيضًا، وهو ما يؤكّد على أن الممارسة ثقافية وليس مطلبًا دينيًا.