25-أكتوبر-2017

نيكو بيروسماني/ جورجيا

فتح عينيه فرأى السقف. وقف على قدميه، حرّك يديه، رقص عاريًا وهو يضحك. ارتدى شيئًا من ملابس صاحبه، وخرج إلى عالمه الجديد فتى شابًا بملابس رثة وابتسامة عريضة. مشى في الحارة القديمة الجديدة يكاد يحيي كل من يرى، ارتطم مع أحد المارة، "حمار"، فركض إلى سيارة نظر في زجاجها ووجد وجه إنسان جميل، ابتسم من جديد.

وصل أحد الشوارع التي يعرفها واندفع كما اندفع الناس داخل أحد الباصات. فتاة تجلس مواجهةً له ضحكت من الضحكة المرسومة على وجهه وخافت صديقتها. تحرك الباص، تنهد، وضحك كما يضحك طفل يركب أرجوحته الأولى، ضحك عليه الركاب فضحك معهم "مين ما دفع؟".  توقف الضحك. "مين اللي ما دفع؟". نظر الركاب إليه لكنه لم يفهم. "الحمار اللي ما دفع يدفع". عيون السائق على المرأة تنظر نحوه. تحرك يريد ترك كرسيه ولكنه لما رأى انعكاسه الجديد على الزجاج، وكان قد تعلم أن يصدق الزجاج ترددت رغبته في الهرب.  قال له رجل لا يعرفه بعد أن دفع عنه غضب السائق "لا يهمك.. لا تزعل".  بعد أن نزل من الباص قرر أنه لن يصعد الباص مرة أخرى. مشى يتبع رائحة أوصلته إلى محل فلافل، وقف ينتظر دوره دون أن يطلب، سأله البائع. "متلن" رد عليه، أعطاه البائع سندويشة لم يدفع ثمنها، والبائع لم يطلب. بعد ذلك عاد إلى بيته لينام، ليس طويلًا، فالصوت الذي أحدثه وهو يفتح الباب جذب إليه رجلًا غاضبًا دفع الباب ودخل وهو يصرخ:

"شو عم تساوي هون؟"

"أنا"

"أنت اللي سرئت حماري؟"

"لأ".

"وين الحمار؟"

"أنا"

"أنت شو؟"

"أنا"

"أي أنت حمار.. بس مو الحمار تبعي"

"أنا… صرت"

"حكي وين الحمار؟".

و هجم عليه.

"تركو" صاحت زوجة صاحب الحمار، ثم اقتربت وأمسكت زوجها عنه "أنت روح من هون". تجمد في مكانه، صرخت ثانية، فخرج يركض.

فتح عينيه فرأى السماء. جلس على الأرض لا يعلم أين هو. تدبر شربة ماء قبل أن يتجه بحثًا عن أكل. يوم واحد كان كفيلًا بإزالة الابتسامة الغريبة عن وجهه وذلك لم يكن في صالحه، فصاحب محل السندويش رفض أن يعطيه دون نقود، ولم يستطع الحصول على شيء يأكله وهو لم يتعلم بعد كيف يجوع بصمت. لكن هناك، عند مدخل حارة ضيقة رأى على الأرض شيئاً يمكن أن.. عادة قديمة. دخل الحارة، تأكد من أن أحدًا لا ينظر إليه وتناول فطوره.

خرج من الحارة الضيقة ليجد أنه بين عدد كبير من الناس، وعرف حينها من أين كان يأتي الصوت الذي سمعه قبل أن يخرج إلى الشارع. لم يحاول أن يخرج من بينهم وربما ما استطاع لو حاول، ابتسم، ابتسامة جديدة وابتسموا له، بعض منهم، البعض الآخر لا ينظر أمامه لكن لا يتعثر في خطاه. هؤلاء أعجبوه، قلدهم، نادى، ولوح بيديه مثلهم وبدا عليه الجد مثلهم، بدا أنه منهم ولو فُهم ما كان يقول لربما رددوا بعده. لكن الاصوات العالية انخفضت ثم علت من جديد بإيقاع مختلف وبدأ الركض. وقل العدد. وهو أيضًا بدأ يركض ويضحك ضحكة عصبية لا استغراب فيها أو خوف، وأخيرًا وقع على وجهه. حين فتح عينيه لم ير شيئًا. وإن كان الظلام يُرى فقد رآه. حرك رأسه باتجاه الصوت. أضيء في وجهه نور قاس اختار أن يغلق عينيه عنه ويعود إلى الظلام. أجلسوه على كرسي وفتحت عيناه.

"شو اسمك؟"، سأله الرجل ذو النظرة الحاقدة التي لا يعرف سببها.

"شو اسمك؟" أعاد.

"صابر". أجاب بعد تفكير

"صابر شو؟".

"صابر".

"صابر شو؟".

"صابر.. صابر، اسمي صابر"، لأنه لا يعرف كيف يسيطر على الخوف سيطر الخوف عليه.

"حكيلي صابر، ليش كنت طالع بالمظاهرة؟".

"شو يعني؟".

ضربه وأعاد السؤال.

"ليش كنت طالع بالمظاهرة؟".

نفس الجواب الذي لم يكتمل.

"شو بدك أنت واللي معك؟".

"أنا بدي أطلع من هون، هني ما بعرف شو بدن، سألن".

لم يُعجب الرجل كثيرًا بالإجابة فانهال عليه بالضرب وهو يصرخ عليه، ويهينه بكلمات تمرس استعمالها، لكن كلمة لم تترك أثرًا في صابر، إلى أن قال له "حمار". فرد صابر "أنا مالي حمار".

"لأ حمار".

لكن صابر أصر على الإنكار "أنا مالي حمار".

"لو كنت حمار كان أحسنلك لأنك رح تاكل ئتل بس الحمير بتتحملو. اعترف أحسنلك صابر". قال بنبرة تصنع فيها تعاطفه مع صابر. لكن صابر ظل رافضًا أن يعترف أنه ومن يومين فقط كان حمارًا، وأن أمنية قديمة له بأن يصبح إنسان قد تحققت من نفسها. ولو أنه اعترف فهل من عاقل يصدق هذه الحكاية. عاد المحقق ليضربه. لكن صابر أصر على الإنكار "أنا مالي حمار".

 

اقرأ/ي أيضًا:

على عقرب الساعة أن يبطئ قليلًا

حيث تتيه الأرواح المقتولة