21-يوليو-2017

عمران يونس/ سوريا

سيستشعر مرارة مداهِمة لأن الزمن خانه في عشر سنوات على الأقل، وبدّد أحلامه المتواترة، وراوغه بمهارات يُحسد عليها. ولأنه خُتِل في وعد قديم، وأُخِذ على حين غِرّة، ولم يُمهل لاستكمال مسيرته التي تٌبتر أمام عينيه. المرارة ذاتها ستملأه، عندما يتذكر حبيباته اللاتي هجرنه لأسباب مجهولة، وفي توقيتات شديدة الحساسية. وعندما ينحشر في الوقت الهارب من قبضته مبقيًا على دقائق خمس تنغرس في حلقه كنصل معقوف: سيدرك (في تلك اللحظة تحديدًا) أنه سقط من جديد في خيانة كرّرت نفس المخطَّط.

لا شك أن عقرب الندم سيلدغه، إذ أسهم في هروب الوقت بتغافل شبه مقصود وتواكلية متوهَّمة، وفوَّت الفرص تباعًا على أمنيات وشك التحقيق، فكيف يستبطئُ الدقائق الخمس المنسربة من فرصته الوحيدة؟ (بل الأخيرة).

سينتهز المهلة المستثناة تلك ليستعيد وجه أمِّه، الذي بدّدتْ نضارته مرارات الأيام . (ربما يتذكر وجوهًا أخرى تفتقر إلى الأهمية والتأثير..) فيما سيخلِّصه وجه ابنته من أزمة الوقت بهدوء، فيخلِّف وراءه حسرة خافتة على دمعات تتساقط من نساء معدودات يحببنه، وآهة حادة تنطلق من صدرٍ ضمَّه، وحزن مخلَّد في عينيّ امرأة تمنَّتْه. سيرمق سويعاته الفائتة بنظرة شديدة التفحّص، لأنه أجاد استغلالها بحيث حقّق لها سعادة غير مسبوقة وأثار غيرة الزمن الذي راوغه طويلًا بتشمُّت، وهو توازن سيرضي كبرياءه قليلًا ويجعله يتخفَّف (لأول مرة) من وطأة الشعور بالخيبة. عندئذ (فقط) يتصالح مع إرثه الذي ربما يسبّب أرقًا تاريخيًا لذويه، ويطلب الغفران الذي أجَّله إلى وقت لا يعلمه إلا هو (شخصيًا)، لأنه الآن فقط يدرك قيمة الوقت وحتميَّته، ويثق في أن رغباته ستتحقَّق بالطريقة الدقيقة التي تصوَّرها (لكن متى؟).

لا بأس. سيتخلَّى عن كلِّ ما حصَّله، لأجل حياة ظلَّت مؤجلة حتى الزمن الاستثنائي. (يفسِّر التسارع الملحوظ لعقارب الساعة في السنوات الأخيرة بأنه مؤامرة ضد الوقت، قُصِد بها بطريقة خفيّة اختزال سنوات عمره). سيزهد إذن في ذاته، وسنواتٍ تخيَّلتْه، وحقيقة خسرها الأنداد، وفي الأجل المؤجَّل سيجلس مقابل نصّ ختامي، وشهقة مرتاحة، ونظرة ثقة ينالها، وطعم قبلة عتيقة طارده، وعَوَز إلى حزن يطهِّره، يستلقي في ظلِّه، يغوص في نوره، يتدثَّر، يتمتم، يرنو، ويصعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حيث تتيه الأرواح المقتولة

ظلّ متسمر لعصفور لا يهدأ