23-ديسمبر-2015

حسين آيت آحمد

حين عاد حسين آيت أحمد عام 1999 إلى الجزائر التي غادرها فارًّا بجلده عام 1966 مترشحًا في الانتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز الرئيس الحالي، وخاطب الجزائريين بلغة عربية سليمة، كان قطاع واسع من الأجيال التي كبرت على تغييبه في كل المنابر والمقررات الدراسية، تجهل أنه سليل عائلة دينية تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، وقد حفظ القرآن سنواتٍ قليلة بعد ولادته عام 1926 في قريته عين الحمام بمنطقة تيزي وزو العاصمة الكبرى لأمازيغ الجزائر.

كان حسين آيت أحمد أول من أسس حزبا معارضا للنظام الذي أفرزه الاستقلال عام 1962

لقد اكتشف الجيل الجديد، أن الرجل لم يكن كما أشاع عنه النظام الحاكم، رغم تعاقب ستة رؤساء، بعيدًا عن الهوية الدينية للشعب الجزائري، ومتطرفًا لصالح الأمازيغ وانفصالهم عن الدولة الجزائرية، بل هو واحد من النخبة الأولى التي فجرت ثورة التحرير، منتصف خمسينيات القرن العشرين، ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد، وأنه كان ضمن الستة الذين كانوا في الطائرة المختطفة، تمامًا كما كان أول من أسس حزبًا معارضًا للنظام الذي أفرزه الاستقلال عام 1962، بسبب الأحادية التي قال إن الجزائريين اضطروا إلى تبنيها أثناء الثورة، حتى يُخرجوا المحتل، وقد فقدت دواعيها بعد خروجه.

كما اكتشف الجيل الجديد، وهو يتابع خطابات الرجل، في تلك الحملة الانتخابية، أنه ليس انفصاليًا، ولم يدعُ يومًا إلى ذلك، بل كان أحد زعماء النزعة الوطنية، والحريصين على الوحدة الترابية، غير أن معارضته للنظام، صنفته ضمن النخبة الخائنة، لأن هذا النظام حكم بمنطق أن الوطن هو حاكمه، وأن الخروج على خيارات هذا الحاكم، هو خروج على الوطن ووحدته، تمامًا كما فعل مع وجوه أخرى، كان على رأسها الأب الروحي للحركة الوطنية مصالي الحاج.

إعلان الرئيس اليمين زروال عن انتخابات رئاسية مسبقة، عام 1998، شكلت إشارة لآيت أحمد، وهو في منفاه السويسري، على أن هناك بوادر تغيير في البلاد، فعاد وأعلن ترشحه، باسم حزبه "جبهة القوى الاشتراكية" الذي كان من الأحزاب الديمقراطية القليلة التي عارضت توقيف المسار الانتخابي عام 1992، معتقدًا أنه يستطيع، إذا فاز، أن يطبق برنامجه الذي يرمي إلى إعادة السلطة إلى الشعب، غير أنه اكتشف ملامح الخدعة، باتجاه النظام إلى التمهيد لفوز مرشحه السيد عبد العزيز بوتفليقة، فانسحب في يوم الانتخابات نفسه، وعاد إلى منفاه.

ضمّن حسين آيت أحمد رؤاه السياسية والحضارية، عدة كتب، أهمها "الصمت على الجزائر" و"الحرب وما بعد الحرب" و"مذكرات مقاتل"

آيت أحمد تميز بكونه من الثوار الجزائريين القلائل الذي خاضوا مسارًا أكاديميًا، إذ حصل على الدكتوراه من جامعة نانسي الفرنسية عام 1975، برسالة كان عنوانها "حقوق الإنسان في ميثاق وممارسة منظمة الوحدة الإفريقية"، كما تميز بكونه من رؤساء الأحزاب القلائل الذين تنازلوا عن قيادة أحزابهم لوجوه شبابية جديدة، مكتفين بعضويتهم العادية في تلك الأحزاب.

من الكتب التي ضمنها رؤاه السياسية والحضارية، كتابه "الصمت على الجزائر" الصادر عام 2003، وكتاب "الحرب وما بعد الحرب" الصادر عام 2004، وكتابه عن المحامي المغتال مسيلي عام 2007، و"مذكرات مقاتل" عام 2009.

برحيله اليوم في منفاه الذي بدأ اضطراريًا، ثم أصبح اختياريًا، يكون حسين آيت أحمد، قد ختم مسارًا سياسيًا وثوريًا، رفض من خلاله، مع نخبة قليلة، تزكية خيارات ما بعد الاستقلال الوطني، في بلد تعثرت كل محاولات أبنائه في اللحاق بركب الدول المتقدمة، بسبب النظرة الإقصائية لنظام الحكم، وفشل خياراته السياسية والاقتصادية التي قامت على الاحتكار. 

اقرأ/ي أيضا:

هل سيكتب تاريخ الجزائر من جديد؟

الجزائر.. في ذكرى أم الثورات