19-ديسمبر-2015

دعوات إلى إعادة كتابة تاريخ الثورة الجزائرية من أجل الأجيال القادمة(فيليب ديسماسز/أ.ف.ب)

ظل تاريخ ثورة التحرير الجزائرية، المشهورة باسم "ثورة أول نوفمبر"، مقدسًا عند أبناء الجزائر، أطفالًا، شبابًا وكهولًا، قبل أن تعصف به منذ سنوات قليلة رياح الشك مع قيام بعض المجاهدين بنشر مذكراتهم التي تتضمن أحداث صراع بين المجاهدين بسبب الزعامة، لتتحول إلى حرب إعلامية، يشكك فيها هؤلاء ببطولة أبرز الشهداء ورموز الدولة، ما جعل الشباب خاصة، يتساءلون عن حقيقة التاريخ الذي تعلموه في المدارس.

نشر عديد المجاهدين في ثورة التحرير الجزائرية مذكراتهم وقد تضمنت أحداث صراع بينهم بسبب الزعامة ما أدى إلى موجة تشكيك في بطولة أبرز الشهداء

يقول سمير، شاب من الشرق الجزائري، لـ"ألترا صوت": "في المدرسة تعلمنا أن المجاهدين كتلة واحدة، خاصة أثناء مؤتمر الصومام (1956)، حيث درسنا أنه مثل انطلاقة جديدة للثورة الجزائرية وأعطاها طابعًا تنظيميًا، سياسيًا وعسكريًا، كما تعلمنا أيضًا أنه أعطى الأولوية للسياسي على العسكري".

هذا التاريخ الذي درسه جيل كامل من أبناء الجزائر كان "الحقيقة" في نظر الجميع قبل أن تبدأ الشكوك على غرار ما جاء على لسان سمير، الذي يوضح: "في السنوات الأخيرة، ومن خلال تصريحات رؤساء الجمهورية السابقين، أمثال الشاذلي بن جديد، علي كافي، وبعض المجاهدين مثل بن عودة وآخرين تبين وجود خلافات وخيانات في الثورة، حتى لم نعد نعرف من مات من أجل الوطن ومن مات من أجل الزعامة".

ويعتبر ذات المتحدث أن هذه التصريحات غير بريئة بالرغم من أنها نجحت في خلق شك لديه مثل باقي الشباب، مؤكدًا لـ"ألترا صوت": "لا أصدق كل ما يقولون، لأنهم لم يتكلموا إلا في آخر سنوات حياتهم، لماذا لم يفعلوا من قبل؟". وعن مطالبة البعض بضرورة إعادة كتابة التاريخ يضيف ذات المتحدث: "تاريخنا الحقيقي لم يكتب ولن يكتب، المجاهدون والمؤرخون كذبوا على الشعب، والرجال الصادقون ماتوا في الثورة، لهذا تاريخنا لن يكتب بلا أكاذيب".

ويتبنى الشباب الجزائري اليوم موقفين مختلفين من هذه القضية، ففي وقت تطالب فيه فئة بضرورة إعادة كتابة تاريخ الثورة بما فيه من صراعات، ترفض فئة أخرى تدريس هذه الخلافات للأطفال كونها أمرًا عاديًا، ويبررون موقفهم بعظمة الثورة، معلقين "إسرائيل كتبت تاريخًا مزيفًا وتدرسه لأبنائها، ونحن نملك تاريخًا حقيقيًا ونهينه".

"الإساءة للشهداء" لمصلحة من؟

يعتبر الإعلامي الجزائري حمزة دباح، صاحب مبادرة "منسيتش" التي توثق لجرائم فرنسا المرتكبة ضد الشعب الجزائري، والتي لاقت رواجًا كبيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لـ"ألترا صوت": أن "تصاعد الجدل بين "المجاهدين" حول تاريخ الشهداء والشخصيات الوطنية أمر خطير للغاية، لا يسيء فقط للأسماء المندرجة فيه، وهو يعكس حالة لا ترقى لأخلاق المناضلين وللنضج الذي ينبغي أن يتحلوا به حفاظًا على اللحمة الوطنية، خاصة أن مثل هذا التلاسن غالبًا ما يتطور لاتخاذ أبعاد جهوية وتحريك نعرات عصبية، إن كل هذا يسيء للدولة الجزائرية التي تقف موقف المتفرج من إساءات لسمعة الثورة، وهذا مؤشر خطير على مقدار ما قد تكون بلغته مؤسسات الدولة إما من تسيب مقصود، أو عجز، باعتبار أن قانون البلاد يقضي بحماية ذاكرة الشهداء ويمنع الإساءة للثورة".

ويضيف حمزة: "لا يمكن الركون في مثل هذا السياق إلى التصديق بأن ما يقال معزول وعفوي، دون أن يكون هناك من يحرك هذا التجاذب أو يغذيه. ويبقى الأكيد أن المستفيد الأكبر من الإساءات المتكررة للثورة هو مستعمر الأمس إذ يصب ذلك في مصلحته مباشرة، وقد يكون هناك مستفيدون داخليون يعملون معه من داخل دواليب النفوذ من أجل الإساءة للثورة بشكل يجعلها عبئًا على الجزائريين كتمهيد لطيها والدخول في علاقة جديدة مع فرنسا لا يعكرها شيء من إرث التاريخ".

من جهته يؤكد إسماعيل خريبش، أستاذ مادة التاريخ، لـ"ألترا صوت": أن "ثورة أول نوفمبر من أعظم الثورات، ومثال يقتدى به حيث أطاحت بأكبر الإمبراطوريات الاستعمارية، وعظمة الثورة التحريرية استمدتها من عظمة رجالها ومفجريها".

يطالب جزء من الشباب الجزائري بإعادة كتابة تاريخ الثورة وإبعادها عن القدسية 

انتشرت في العشرية الأخيرة، في الجزائر، كتابة المذكرات الشخصية والشهادات لمن عايشوا الثورة وكان لهم حظ الوقوف وصنع بعض أحداثها والتي تم من خلالها كسر عديد الممنوعات وتخطي عديد الخطوط الحمراء.

يعتبر إسماعيل خريبش أن "هذه المذكرات والشهادات قد هزمت المؤرخين، وقد ساهمت بشكل كبير في زعزعة ثقة الشباب بالثورة وتغيرت نظرتهم عن عظمتها وذلك بسبب التناقض الصارخ بين تلك المذكرات والشهادات وما يدرس في المناهج التربوية". ويقول الأستاذ خريبش: "أشعر أن في كل هذا أنانية وتصفية حسابات تاريخية، وهو ما زاد في سعة الهوة بين الثورة وبين جيل ما بعد الثورة".

ويقترح ذات المتحدث، من أجل رد الاعتبار وتقليص الهوة بين الشعب الجزائري وبين ثورته: "يجب أن نكتب تاريخ الثورة ونكسر الممنوعات ونكشف الجزء الخفي بذكاء وحذر، عن طريق تكليف المؤرخين بذلك بعيدًا عن أنانية وذاتية المذكرات، لأن الثورة ملك الشعب الجزائري وتصويرها كأنها مجموعة صراعات وتصفيات دموية خطير".

الملتقيات لكسب الثقة!

دعا الإعلامي والناشط الشبابي بلال لراري، خلال حديثه مع "ألترا صوت"، "النخب الإعلامية والثورية في الجزائر إلى الالتفاف حول الملتقيات الوطنية التي تنظمها الجامعات حول الثورة وذلك من أجل تكريس رهان الفعل التاريخي بصبغة أكاديمية نزيهة، بعيدًا عن التزييف لمحطات التاريخ الجزائري، وبدل التراشق من خلال التصريحات".

ويؤكد بلال: "أنا مقتنع بأن الجيل الجديد ضحية صياغة تاريخية مستعجلة، في ظرف زمني سابق، اليوم من حقه أن يعرف أحداث ما بعد الثورة، وحقيقة صناع تاريخه من جيل الثورة قبل وبعد الاستقلال". ويضيف: "يجب أولًا على المؤسسات والجمعيات الثقافية أن تخرج من بوثقة التلميع والاختباء وراء الأنشطة الفلكلورية، باستضافة الذين ناضلوا. نحن مطالبون بجمع كافة الشهادات من أجل الجيل القادم، لأنه سيحاسبنا على حقه في قراءة تاريخه الحقيقي".

في نفس السياق، قال وليد لطرش، طالب جامعي من محافظة المسيلة، لـ"ألترا صوت": "مؤخرًا نظمنا على مستوى الجامعة أول ملتقى لنا وكان موضوعه حول دور الشباب في تكريس مبدأ المواطنة وقيم ثورة أول نوفمبر في ظل مشروع المصالحة الوطنية. هذه الملتقيات تساهم في نزع الشك، وتضمن أيضًا حرية التعبير عن مواقف الشباب لكن دون التجريح أو التشكيك في وطنية الشهداء".

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. في ذكرى أم الثورات

الجزائر.. حراك اجتماعي متصاعد