19-سبتمبر-2015

الكورفا على المدرجات منقسمة طبقيًا (جوسيبي بيلليني/Getty)

عندما تحضر سيرة كرة القدم فأول شيء توصف به بأنها لعبة شعبية، حيث تمارسها الشعوب في كل مكان. فهي لعبة بدأت في الشوارع، وانتهت في ملاعب ضخمة، يؤمها الآلاف كل أسبوع لمشاهدة فريقهم المفضل ومساندته، بالهتافات الخاصة بالفريق، واللافتات التي تعبر عن حب لاعب، الفريق، قضية تتعلق بالفريق.. إلخ. وشيئًا فشيئًا أصبح التشجيع عبارة عن تجمعات. ففي إنجلترا ظهرت مجموعة "الهوليغانيز" ابتداء من 1960، حيث بدأت هذه الظاهرة تأخذ أبعادًا أخرى من حيث الشغب واستخدام العنف في الملاعب بين المشجعين.

في البداية كانت قلة من الجماهير تنتمي إلى هذه المجموعة، لكن سرعان ما ظهر آخرون في العديد من مدن المملكة المتحدة. وما بين سنة 1970 و1980 انتشرت هذه الحركة في جميع أنحاء أوروبا سريعًا، حيث ساهمت في ذلك وسائل الإعلام التي كانت تتناقل أخبار الهوليغانز وتعرض صورًا لأعمال العنف والشغب التي كانت تحصل في انجلترا قبل وأثناء وبعد أي مباراة، فتأثر بذلك مجموعة من الشباب الذين عملوا على نشر هذا الفكر في كل أرجاء أوروبا.

في إيطاليا، معقل الكولسيوم، حيث كانت الرياضة تجتذب الناس، انتشرت مجموعات المشجعين كغيرها من بلدان أوروبا التي تأثرت بالهوليغانز الإنجليز. فتأسست العديد من روابط التشجيع أو ما تسمى "الألتراس". وفي العالم العربي، نعرف الألتراس جيدًا. أما أشهر "التراسات" إيطاليا وأسرارعداوتها وأسبابها الكروية وغير الكروية، فقد جعلت من بلاد الكولسيوم والمافيا أحد أبرز البلدان تعصبًا للعبة.

كما في أوروبا تأثرت الجماهير الإيطالية بالهوليغانز الإنجليز

في السبعينيات بدأت الجماهير تتخذ من جزء من الملعب مجمعًا لها، تجلس فيه كل مباراة، وتسمى هذه المنطقة من الملعب "الكورفا". وهي كلمة إيطالية تعني الزاوية. وهي مكان الجلوس الأكثر شعبية في الملعب لأن تكلفة الحضور في ذلك المدرج أرخص من بقية المدرجات التي في الوسط. حيث يطلق على الجماهير التي تتخذ من الجزء الجنوبي مقرًا لها "كورفا سود"، والجماهير التي في الجانب الشمالي "كورفا نورد".

لأن الطبقية، كانت ولا تزال موجودة، في إيطاليا، فسنرى فرقًا للأغنياء وأخرى للفقراء. فرق لأبناء المدن وأخرى لأبناء الضواحي، وهكذا. وهو ما ساهم في خلق الاختلاف بين "التراسات" الفرق.

ميلانو.. مدينة الكالشيو

ميلانو مدينة تتنفس الكرة وتعيش على عداوة كلاسيكية بين قطبيها. ميلانو هي المدينة الأفضل في إيطاليا لتوفرها على قطبي الكرة هناك ميلان والإنتر. مسيرة "الالتراس" الإيطالية تبدأ من عاصمة الموضة. فكما هو معروف أكبر ديربي بالعالم هو ذلك الذي يجمع بين ميلان وانتر أو ما يسمى ديربي الغضب، أو ديربي المادونينا، نسبة إلى تمثال العذراء حيث أقيمت بقربه أول مبارة، يحدث هنا، في ميلانو. مهد هذا لعداوة بين أنصار الناديين، استقت أصولها من التاريخ أيضًا، بحيث كان ميلان للشعب، وكان الإنتر أرستقراطيًا. دخول عالم "الإلتراس" أسس لتنظيم محكم لهذه العداوات. فكانت الالتراس الميلانية أكبر عدو لنظيرتها من الإنتر والعكس.

فوسا دي ليوني (Fossa dei Leoni)

كان ميلان فريقًا يساريًا للشعب والإنتر أرستقراطيًا مع السلطة

تعد مجموعة فوسا دي ليوني أكبر روابط الميلان التشجيعية حيث تضم 3 آلاف عضو وهي أقدم الروابط في إيطاليا ونادي ميلان، تشكلت عام 1968 عبر مجموعة من طلبة المدارس العليا، الذين كانوا يتجمعون في القسم رقم 18 بالمدرجات الجنوبية مرتدين قمصان الميلان حاملين أعلامًا وحقائب. وتمثل الرابطة الاتجاه السياسي للفريق حيث تمثل الحركة اليسارية، وذلك بعكس الرئيس سيلفيو برلسكوني الذي يمثل الحركة اليمينية، وهذا ما أكسب الميلان على العموم وبرلسكوني على الخصوص ميزات فريدة اكتسح بها منصب رئيس وزراء إيطاليا كونه يمثّل اليمين، وكون النادي الذي يرأسه يمثّل اليسار. ولذلك صدر قبل سنوات قانون يمنع تضارب المصالح في إيطاليا وخُيّر برلسكوني بين رئاسة النادي أو رئاسة الوزراء فتنازل عن رئاسة الميلان. في عام 1972 قامت الرابطة بتأليف أغنية خاصة بها باسم Inno Fossa، ولكن عام 2005 شهد حل الرابطة نهائيًا، ولم تعد موجودة، حيث توجه بعض رؤسائها إلى رابطة لواء الروسونيري، وبهذا انتهت قصة أكبر وأقدم قصة اولتراس للميلان.

مجموعة "لواء الروسونيري" Brigate Rossoneri التابعة لميلان

تعد هذه المجموعة من أكبر مجموعات "الالتراس" الميلانية وأقدمها بعد الالتراس المنحلة "فوسا ديل ليوني". تشكلت في عام 1975 باندماج مجموعتي Cava del Demonio وUltras الصغيرتين، وقد عانت في البداية من فرض وجودها في مدرجات الميلان، وواجهت رفضًا من رابطة فوسا ديل ليوني لكنها انتصرت فيما بعد، وفرضت حضورها في المدرجات الجنوبية على الجميع. وكانت أول مباراة تشهد تواجد الرابطة رسميًا في المدرجات بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 1975 في مرحلة الذهاب ضد بولونيا. الرابطة بعيدة نوعًا ما عن أعمال الشغب وشعارها "تشجيع الميلان بشكل دائم ونظيف". وتعد هذه الرابطة هي الأقرب للنادي وترتبط بعلاقات قوية مع اللاعبين والمسؤولين في ميلان، كما تربطها علاقات ممتازة بأبرز الشخصيات السياسية والاجتماعية والفنية والثقافية في مدينة ميلانو. والرابطة تعرف بحبها وتعصبها الشديدين للميلان وإصرارها على تشجيعه في كل مكان، الأغنية الرسمية للرابطة هي Inno Brigate وتضم حوالي ألفي عضو.

ألتراس كوموندوس

وهي المجموعة التي تعرف باسم "نمور الكوموندوس". تأسست سنة 1967 لتكون بذلك من أقدم الألتراس في ميلانو. لا تعرف إلا ميلان، تعتبر من المجموعات المتعصبة جدًا ضدً من يدعون العنصرية والانتماء إلى الفكر الفاشي أو غيره سواء داخل إيطاليا أو خارجها. هذه المجموعة لا يُعرف عنها التسامح ودائمًا ما تدخل في صراعات مع أنصار الغريم التقليدي أو لاتسيو، وحتى أنصار أياكس وريال مدريد وباريس سان جيرمان من الخارج.

"بويز سان" ألتراس الانتر

إنها من ضمن "الكورفا نورد" (المنعرج الشمالي) لأنها تجلس في المدرج المناقض لنظيرتها من "الروسونيري"، أي ميلان. تأسست مجموعـة الـ BOYS SAN MILANO 1969 سنـة 1969 وتعتبـر هذه المجموعـة من أقـدم المجموعـات في إيطاليا وأقدم مجموعـة مسانـدة لنادي انتـر ميـلان، تم تأسيسهـا من قبل مجموعـة من الشباب العاشقين للنـيرازوري، وأول لقاء شهدته المجموعـة هو لقاء الانتـر ورومـا.

فترة السبعينات كانت جميلـة بالنسبـة للبويز سان ميلانـو أدخلت العديد من أساليب التشجيع إضافـة لأخدهـا مكانتها في الكورفا نـورد، بعـد تجديد ملعب السـان سيـرو، ومكان المجموعـة في منتصف الكورفا نـورد.

الفتـرة الذهبيـة للمجموعـة هي ثمانينيات القرن الماضي حيث خاضت خلالها المجموعة العديد من الاشتباكات بين عدة مجموعات في إيطاليا، حيث كثرت في هذه الفترة ظاهرة الشغب والعنف كثيرًا في أوروبـا.

عرفت ميلانو الكثير من أحداث الشغب بين ألتراس ميلان والأخرى من الإنتر، التي كانت دومًا تصدر من الأخيرة بما أنها تسير بفكر المتسيد كونهم الطبقة البرجوازية في ميلانو .. وفي أهم الأحداث كانت ألتراس "بويز سان" قد أشعلت فتيل حرب على "سان سيرو" سنة 2005، وذلك حين قامت المجموعات التابعة لها بإشعال الملعب بما تسمى الشماريخ أو "الفيميجان"، إذ أصابت لاعب الميلان ديدا وهو ما سبب أعمال عنف كبيرة بين جمهور الفريقين خارج الملعب ليصاب حوالي 25 من أنصار الإنتر.

مدينة تورينو وألتراس يوفنتوس

أسست جماهير السيدة العجوز في منتصف السبعينيات مجموعتين هما Venceremos وAutonomia Bianconera. ولكونهما يساريتي التوجه كان الوضع فوضويًأ، إذ كانتا منشغلتين بالسياسية أكثر من تشجيع الفريق. وفي عام 1976 تشكلت أول مجموعتين رسميتين للسيدة العجوز، وهما فوسا دي كامبيوني "Fossa Dei Campioni" أي معقل الأبطال والبانثرز "Panthers" التي تعني النمور.

الـ FIGHTERS

بعد سنة واحدة أنشئت مجموعة الـ"فايترز" التي تعتبر من أهم وأكثر المجموعات تنظيمًا وتأثيرًا في تاريخ مشجعي اليوفي، وأسس هذه المجموعة بيبي روسي Beppe Rossi وهو شخصية معروفة في إيطاليا ومحبوب من قبل جماهير اليوفي وذلك في سنة 1977  في مدينة تورينو الايطالية، حيث احتلت المجموعة مدرج فيلادلفيا على ملعب stadio communale (الملعب البلدي).

ظهور الفايكنغ "Viking"

في منتصف الثمانينيات وتحديدًا في 1985 تأسست مجموعة الفايكنغ، وهي أخطر مجموعة في تاريخ اليوفي. أرادت مجموعة من أبناء ميلانو التعبير عن تشجيعهم لنادي اليوفي بعيدًا عن موطن النادي في تورينو. وفي إيطاليا هذه مسألة حساسة. الفايكينغ مجموعة يمينية متعصبة، عرفت بتطرفها الكبير والهمجية الكبيرة. جميع مجموعات الأندية الإيطالية لا يرغبون في في افتعال مشاكل مع الفايكينغ أو.. "هوليغانز" إيطاليا.

روما عاصمة الكولوسيوم والعداء الكروي

ديربي روما هو أحد أكبر الديربيات في العالم، يجمع بين روما ولاتسيو. ينتهي دومًا بأحداث مؤسفة للكرة الإيطالية نتيجة للتعصب بين ألتراس الفريقين. ناديا العاصمة ممثلان في التراس "كوماندو إلترا كورفا سود" التابعة لـ"الجيالوروسي" روما و" إريدوسيبيلي" التابعة لنسور العاصمة لاتسيو. وقبل سنة 1977، كانت الكورفا سود روما مكونة من مجموعات تشجيعية صغيرة. وفي سنة 1977 قررت المجموعات التشجيعية التالية (غوريلياري ديلا كورفا سود، بانتيري، بويز، فوسا دي لوبي) الاتحاد وتشكيل ألتراس الكورفا سود.

وفي أواخر التسعينيات تفككت رابطة ألتراس الكورفا سود بسبب قضايا عديدة، أهمها تقاسم ملعب واحد مع العدو، والاْفكار السياسية، لكن في موسم 1999/2000 الوضع تغير حيث تم تغيير رابطة مشجعي الكوماندو أولترا كورفا سود برابطة روما أولترا، التي كونت من الشباب وبعض المشجعين المنتمين للرابطة القديمة. أما أول مجموعة مشجعين رئيسية لفريق لاتسيو تكونت سنة 1971 وكان اسمها كوماندوز مونتيفيردي لاتسيو في سنة 1976. وهي مجموعة اتحاد بيانكو الزرقاء ثم في السنة التالية تم تغيير مسمى المجموعة إلى "مشجعو النسور" الذي كان بتأثير بريطاني. استطاعت المجموعة الأخيرة طوال عقد من الزمان قيادة مشجعي النادي من خلال حضورها في المدرج الجنوبي.

أنشئت في سنة 1978 مجموعة اسمها فايكنغ لاتسيو وأخذت موقعها في المدرج الجنوبي. وفي نفس السنة قررت مجموعة "مشجعو النسور" الانتقال للجلوس في المدرج الشمالي لتصبح الرابطة الرسمية لتشجيع النادي.

" إريدوسيبيلي" لاتسيو فوق الجميع

يتهم جزء من جمهور لاتسيو بمعاداة السامية

خلال مباراة لاتسيو وبادوفا سنة 1987 تم عرض ملصق مساحته عشرة أمتار معلنًا وصول رابطة تشجيع جديدة اسمها إريدوسيبيلي أسسها أنطونيو غرينتا. استطاعت رابطة إريدوسيبيلي أن تقود بقية الروابط في المدرج الشمالي وتغيير ثوري في طريقة التشجيع حيث تم التخلي عن الطبول والاستعانة بالأناشيد كما الطريقة الإنجليزية، وهذا يتناقض مع النمط الإيطالي الذي تنتهجه رابطة مشجعي النسور، وبحلول سنة 1992 أصبحت رابطة إريدوسيبيلي الرابطة الأقوى في النادي خصوصًا مع حل رابطة مشجعي النسور.

يمتاز مشجعو لاتسيو بتضامنهم اللامحدود مع القضية الفلسطينية، إذ اعتادوا رفع أعلام فلسطين والمطالبة بتحريرها، لكنه تضامن مشبوه، إذ أن الرابطة تروج لأفكار معادية للسامية ولليهود.