03-أغسطس-2023
gettyimages

القضية الحدودية بين العراق والكويت تعود إلى الواجهة من جديد (Getty)

يحتدم في العراق جدل متصاعد حول ملف ترسيم الحدود العراقية الكويتية، وفي آخر تطورات الملف يتجه نواب للدعوة إلى جلسة طارئة للبرلمان العراقي من أجل مناقشة الملف، كما شهدت المنطقة الحدودية في الساعات الأولى من فجر الأربعاء 2 آب/أغسطس، تحركًا لعناصر من التيار الصدري احتجاجًا على إجراءات إخلاء الشريط الحدودي حيث نشر أنصار التيار صور زعيمه مقتدى الصدر عند مدخل المدينة، فيما تداولت منصات عراقية مشاهد تظهر مركبات تقل مسلحين من "سرايا السلام"، قالت إنّهم انتشروا في المدينة بعد منتصف الليل.

 وفي الأثناء يتواصل الصمت الحكومي إزاء الملف، وهو صمت يصفه خصوم الحكومة بالمريب ويعتبرونه دليلًا قاطعًا على تخليها عن جزء من الأرض العراقية لصالح الكويت، والمقصود ههنا منطقة ناحية أم قصر الحدودية. 

لا يملك العراق وثائق كافية يمكن الاستناد إليها بما يتعلق بالحدود البرية والبحرية مع الكويت 

وكانت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الكويتي سالم عبد الله الجابر الصباح "الشرارة" التي أججت الجدل بين العراقيين، حيث تحدث الوزير الكويتي الذي زار بغداد الأحد الماضي، عن عزم حكومة البصرة إزالة المنازل الحدودية، وتحدث الصباح بعد مباحثات مع كبار المسؤولين العراقيين حول القضايا الحدودية العالقة، مشيرًا إلى "تطابق في وجهات النظر"، تمهيدًا لحسم الملف العالق منذ نحو قرنين.

وقال نظيره العراقي فؤاد حسين: "تحدثنا في ملف ترسيم الحدود وكان هناك نقاش مستفيض في هذه المسألة"، مبينًا أنّ "الإطار الصحيح لحل المشكلات هو الحوار".

بودكاست مسموعة

وقامت الحكومة العراقية عقب زيارة وزير الخارجية الكويتي، بتوجيه يقضي بـ"إبعاد" الأسر العراقية من الحدود العراقية - الكويتية في ناحية أم قصر الحدودية، وإسكانها بدلًا من ذلك في مجمع سكني جديد خُصّص لها بعيدًا عن الخط الحدودي. 

وكان هذا الإجراء هو ما تنتظره بعض الكتل والنواب الذين رأوا فيه تنازلًا عن أم قصر لصالح الكويت، محملين حكومة محمد شياع السوداني المسؤولية عن ذلك.

وعزّز صمت الحكومة العراقية عن الرد، الهواجس والشكوك بين العراقيين الذين انخرطوا في نقاش كبير عبر وسائل الإعلام والتواصل حول الخطوة وتداعياتها. وبالمحصّلة عاد ملف ترسيم الحدود العراقية الكويتية إلى الواجهة بقوّة.

وفي هذا الصدد قال النائب عن محافظة البصرة عامر عبد الجبار إن "هناك وثائق رسمية تؤكد وجود تنازل بالحقوق العراقية لصالح الكويت، ومنها أم قصر، وهذا ما لم نقبل به، وتم جمع تواقيع من نواب من كتل مختلفة بهدف إصدار قرار برلماني ملزم يصوت عليه البرلمان، يمنع أي تنازل عن الحقوق العراقية لصالح الكويت".

getty

وأردف النائب، قائلًا: إن "صمت الحكومة مستغرب إزاء الملف، رغم أنني أبلغت وزير الخارجية العراقي به، وقدمت له وثائق رسمية تؤكد تلك التجاوزات، وكشفت له كيف تنازل العراق عن أراضيه للكويت، لكنه بصراحة لم يتخذ أي إجراء، وهذا ما يدفعنا إلى اتخاذ إجراءات برلمانية بحق الوزير خلال الفترة المقبلة"، وفق تعبيره.

وأكّد عبد الجبار أن "الأيام المقبلة ستشهد ارتفاعًا في الرفض السياسي والشعبي لرفض بيع أو إعطاء أم قصر أو أي شبر من الأراضي العراقية للكويت تحت أي عنوان أو حجة كانت"، مشددًا على أن "أي إصرار بهذا الصدد، سوف يشهد تصعيدًا شعبيًا كبيرًا، فلا يمكن القبول بهكذا خطوات لبيع العراق أو إعطائه"، وفق توصيفه.

ورغم استمرار الاعتراضات العراقية بما يتعلق بالحدود البحرية التي حسمتها الأمم المتحدة بعد الغزو العراقي وأحداث حرب الخليج الثانية، إلاّ أنّ المخاوف الجديدة تتعلق بالحدود البرية، حيث قال الوزير الكويتي إنّ محافظ البصرة أسعد العيداني وافق على إزالة منازل عراقيين في المنطقة الحدودية في أم قصر.

أما النائب الآخر عن البصرة رفيق الصالحي فقال في حديث لـ "الترا عراق"، إنّ "الكويت تحاول التقدم في العمق العراقي بحرًا وبرًا، بموافقات وقرارات أممية جائرة"، مضيفًا أنّ "المساحات التي ستقطع من الأراضي العراقية ليست بالهينة".

ويضيف الصالحي، الذي يمثل كتلة تحالف الفتح بزعامة العامري، إنّ "الكويت ستحصل بموجب قرار الأمم المتحدة والاتفاق مع حكومة النظام السابق، على أكثر من 85 مزرعة من مزارع المناطق الحدودية، المخصصة لزراعة الطماطم، بالإضافة إلى مساحة تضم أكثر من 100 منزل سكني لمواطنين عراقيين منذ سنوات طويلة".

وتقدر مساحة كل مزرعة بما لا يقل عن 100 دونم، فضلًا عن نحو 100 منزل، بحسب الصالحي، الذي يقول إنّ "العراق تنازل عنها، كما تنازل عن مساحات شاسعة من المياه الإقليمية والتي شيدت عليها الكويت ميناء خور عبد الله، وغيره من المنصات البحرية".

ويرى الصالحي، أنّ "القرارات الأممية تصب بمصلحة الكويت، وتعتمد على التنازلات من قبل النظام السابق عام 1993"، مشددًا في ذات الوقت، أنّ "العراق اليوم وبجميع مكوناته وجهاته السياسية لن يسكت عما يحصل وسيواجه هذا التمدد".

وتحدث الصالحي، عن "حراك شعبي ونيابي وسياسي في البصرة لرفض التنازل عن الأراضي الحدودية، يشمل تظاهرات وفعاليات مختلفة"، مشيرًا إلى أنّ "البصريين سيوقفون هذا التنازل بكل الطرق السلمية".

على الجانب الآخر، نفى محافظ البصرة أسعد العيداني الاتهامات والتأويلات، قائلًا في تصريحات صحافية مساء أمس الثلاثاء، إن "قضية ميناء أم قصر، وترسيم الحدود، سُوقت سياسيًا، وأن نوابًا يشوهون الحقيقة حول بيع العراق أراضي إلى الكويت"، مبينًا أن "العراق والكويت اتفقا في 2013 على بناء منازل خاصة للعوائل العراقية الساكنة على الحدود، ومحافظة البصرة جهزت المنازل المتاخمة للحدود العراقية الكويتية بالماء والكهرباء".

getty

وأشار العيداني إلى أن "الكويت شيّدت 99 منزلًا على أراضٍ عراقية، وستوزع للعوائل التي تسكن على الحدود، وأن رئيس الوزراء كلفني وفق القانون بتوزيع المساكن على العوائل العراقية الساكنة على الحدود، كما أنها كلها استلمت المنازل ولم تسكنها حتى الآن".

وكان وزير الخارجية الكويتي قد أشاد، نهاية العام الماضي، بـ"إنجاز مشروع المجمع السكني في مدينة أم قصر بجمهورية العراق"، موضحًا أن "هذا المشروع جاء بديلًا عن المنازل المتاخمة لخط الحدود بين الكويت والعراق في منطقة أم قصر، تمهيدًا لإزالة تلك المنازل، وتنفيذًا لتوصيات فريق الأمم المتحدة بشأن صيانة العلامات الحدودية بين البلدين، وإزالة كافة العوائق على جانبي الحدود"، وفق ما نقلته وكالة "كونا" الكويتية الرسمية.

تشكيك داخلي

وتشكك أطراف سياسية وشعبية في قدرة المسؤولين العراقيين بما يتعلق بالملفات الحدودية، وهو ما يؤكده النائب عدنان الجابري.

زكي وزكية الصناعي

ويقول الجابري لـ "الترا عراق"، إنّ أهالي أم قصر "يدفعون ثمن أخطاء نظام صدام حسين وهذا النظام"، مبينًا أنّ أهالي المنطقة الغنية بالنفط "غير مقتنعين بأداء الحكومة في ملف الحدود مع الكويت".

ويعتقد الجابري بضرورة أن يلجأ العراق إلى "المحاكم الدولية لاستعادة حقوقه، وترسيم الحدود وفق الوثائق التاريخية"، محذرًا من "الخضوع للاتفاقات الجديدة التي تخنق العراق بحريًا"، وفق قوله.

التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الكويتي سالم عبد الله الجابر الصباح "الشرارة" التي أججت الجدل بين العراقيين

ويرى الجابري أنّ المفاوضات وكلّ ما يتعلق بالحدود مع الكويت "يجب أن تجري علنًا، مع إشراك مختصين فنيين مهنيين لتقديم المشورة قبل حسم أي اتفاقات".

وحددت الأمم المتحدة، في العام 1993، الحدود البحرية والبرية بين البلدين، إثر احتلال العراق للكويت، في العام 1990، إذ تُعدّ الحدود الكويتية العراقية منطقة أمنية مخترقة بعد عام 2003، كما يقول خبراء عسكريون، حيث تنتشر عمليات تهريب الأفراد، وقطع السلاح، والمخدرات.

 

دلالات: