21-فبراير-2021

الشاعر والروائي المغربي محمد الأشعري

ألترا صوت – فريق التحرير

اجتمعت في الرّباط لجنة تحكيم جائزة الأركانة العالميّة للشعر، التي يمنحها سنويًّا بيت الشعر في المغرب بشراكة مع مؤسّسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير وبتعاون مع وزارة الثقافة.  وقد تكوّنت اللجنة، هذه السنة، من الشاعر نجيب خداري رئيسًا، ومن الأعضاء: الناقد عبد الرحمان طنكول، والناقد خالد بلقاسم، والشعراء: حسن نجمي الأمين العام للجائزة، رشيد المومني، عبد السلام المساوي، نبيل منصر، مراد القادر.

حاز الشاعر المغربي محمد الأشعري جائزة الأركانة العالميّة للشعر للعام 2020، لأن قصيدته أسهمَت في ترسيخ الكتابة بوصفها مقاومةً توسّع مساحات الحريّة في اللغة وفي الحياة معًا

وقد آلت جائزة الأركانة العالميّة للشعر للعام 2020، في دورتها الـ 15، إلى الشاعر المغربي محمد الأشعري الذي أسهمَت قصيدته، مُنذ أكثر من أربعة عقود، في ترسيخ الكتابة بوصفها مقاومةً تروم توسيعَ أحياز الحريّة في اللغة وفي الحياة، عبر ممارسة شعريّة اتّخذَت من الحُريّة أفُقًا ومدارَ انشغال.

اقرأ/ي أيضًا: "الأركانة العالميّة للشّعر" تختار وديع سعادة

عملت قصيدة الشاعر محمد الأشعري، التي يجسّدُ مسارُها أطوارَ وعي القصيدة المغربيّة المعاصرة بذاتها وبأزمنتها الشعريّة، على تحرير مساحات في اللغة لصالح القيَم ولصالح الحياة، وذلك بتحرير هذه المساحات من النزوع التقليديّ المحافظ الذي يشلّ الحياة بشلّ اللغة وتقليص مناطق مجهولها. لقد ظلّت قصيدة الأشعري وفيّة لما يُوسّعُ أُفق الحريّة في الكتابة وبالكتابة، باعتبار هذه الحريّة مقاومةً باللغة، بما جعل الانحياز إلى هذا الأفق، في منجَزه النصيّ، ذا وجوه عديدة؛ منها التصدّي بطرائق مختلفة للتقليد ولتضييق الحياة، والارتقاء باللغة إلى صفائها الشعريّ، وتمكين الجسد من حصّته الحرّة في بناء اللغة وفي بناء المعنى، وتهييء الكلمة الشعريّة لأن تقتاتَ مجهولَ الجسد، احتفاءً به وبالحياة، وانتصارًا للحُريّة التي هي ما يمنحهُما المعنى.

في التفاعُلِ الشعريّ لمحمد الأشعري مع الحياة الحرّة في أدقّ التفاصيل؛ في اليوميّ وفي العابر وفي المتغيِّر بوجه عامّ، حرصَ دومًا على تحصين قصيدته من كلّ تجريد ذهنيّ، وعلى صون حيَويّتها وديناميّتها استنادًا إلى تجربة تُنصتُ لنبْض اليوميّ ولمُتغيّرات الحياة الحديثة ولانشغالات الإنسان وقلقه، وتنصتُ، في الآن ذاته، للمنجَز الشعريّ العالميّ، بما أمّن لقصيدته خلفيّتها المعرفيّة، دون أن تتحوّل هذه الخلفيّة إلى تجريد، لأنّ الشاعر محمد الأشعري انحازَ إلى شعر المعنى وفق تصوّر يرى أنّ الشعر يُقيمُ لا في اللامعنى بل بين المعنى واللامعنى، اعتمادًا على لغة عربيّة حديثة قائمةٍ على صفاء شعريّ.

انحيازُ قصيدة محمد الأشعريّ إلى المعنى تحقّقَ بالابتعاد عن المُباشر وبالتجاوُب الذي أقامتهُ بين الشعر واللوحة والمعمار والسينما. فقد نهضَت قصيدته على مُحاوَرات صامتة بين الكلمة والرّسم وفنون أخرى، وعلى تفاعلات حيويّة بين الشعريّ والسرديّ. عبر ديناميّة هذا البناء النصّي، كان المعنى الشعريّ يتخلّقُ، في منجز محمد الأشعريّ، مُنصتًا لنبْض الحياة ولمُتغيّراتها، برُؤية حداثيّة تنتصرُ للقيَم وللإنسان وللفكر الحرّ.

محمد الأشعري (1951) سياسي وشاعر وروائي مغربي، اشتغل بالصحافة والمجال السياسي الذي قاده إلى مسؤوليات نيابية وحكومية، منها تولي منصب وزير الثقافة. نشر ديوانه الشعري الأول سنة 1978. حصلت روايته "القوس والفراشة"، الحاصلة على جائزة البوكر العربية.

أعماله: "صهيل الخيل الجريحة" 1978، "عينان بسعة الحلم" 1982، يوميّة النار والسفر 1983، "سيرة المطر" 1988، "مائيّات" 1994، "سرير لعزلة السنبلة" 1998، "حكايات صخريّة" 2000، "قصائد نائية" 2006، "أجنحة بيضاء... في قدميها" 2007، "يباب لا يقتل أحدًا" 2011، "كتاب الشظايا" 2012، "جمرة قرب عُشّ الكلمات" 2017. وصدرت رواية "العين القديمة" 2018.


مختارات من شعره

 

فسيفساء

 

السّماء ارتعشت

عندما مرّت ابتسامتُها

وأرخت غيمها

على زرقة الكون

ثمّ أجهشت ممطرةً.

*

 

إنّها خفيفةٌ جدًا

وعارية

ومتوترة

نائية جدًا

غريبةٌ في هذا المدى الأزرق

ولكنّها لا تُصادقُ غير خوفها

كأنّ الذعرَ وحدهُ يمنحُها الأمان.

*

 

لا أستطيعُ أن أجزم

لكنني سمعتُ صوت انكسار بعيد

ثمّ رأيتُ وجهها

يمضي

خفيفًا

كشظية بلّور.

*

 

كيف نعبرُ هذا السّاحة

بينما الظلال التي ترافقنا

ما تزالُ في ناصية الشّارع

مشدوهةً

لأنّها لا تعرف

أين تقضي الليل.

*

 

كلّما اقتربتُ من جسدها

حطّت على أصابعي

فراشاتٌ

مرتبكة.

 

الفراشات نامت

وأنا أمسحُ زجاج النافذة

لأرى

كيف

تسبلُ رموشها.

*  

 

كلّ النوافذ مطفأة

سوى واحدة

لعلّ صاحبها

مات

خارج البيت.

 

 

تماثُل

 

أكتبُ في العتمة

أتخيّلُ بياض الصفحة

وأتخيّلُ سواد الكلمات

وأتخيّل السطور

التي بلا أجساد

ها نحنُ نتشابهُ تمامًا

أنا

وقصيدتي.

 

تماهٍ

 

تغمرُني

مشاعرُ مضطربة

وأنا أتمدّد

في هذا السّرير

الأعلى من كلّ شيء

حتى من هواجسي

أقولُ لنفسي إذا نمتُ

فسأحاولُ أن لا أعود

وأقولُ أيضًا

لكي لا أذهب

يجب أن أبقى يقظًا

حتّى إذا غمرني ضوء نهارٍ آخر

 

فزعتُ من السّرير

وتساءلتُ مرتبكًا

من عادَ

ومن ذهبْ؟

 

رنينٌ حاد

 

لا مجال للتمويه

منذ ذلك المساء

الذي نبتت فيه

أسنانٌ حادة

لهاتفك

وأنا أكرهُ المكالمات

وأفضّلُ أن تبتلعني الأرضُ

على أن يقولَ ليَ أحد

كيفَ أنتْ؟

 

مشهد ليليّ

 

أتذكّرُ مطرًا

يهطلُ على الإسفلت

أتذكّرُ ضوءًا

يبدّدهُ الماء

أتذكّرُ مظلّةً تمشي

ليس تحتها أحد

أتذكّرُ خوفًا

يمشّطُ شعرهُ في مدخلِ المدينة

أتذكّرُ أناملَ

تُعلي سيباستيان باخ

وأخرى تشيرُ إلى السّماء

حيثُ لا أحد. 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الأركانة العالمية" لشاعر الطوارق محمدين خواد

أدباء مغاربة.. متاهات اللذة الفنية