27-أكتوبر-2022
اللاجئون السوريون

طوعية" العودة يشوبها الكثير من الشكوك (Getty)

نشرت وكالة سانا، التابعة للنظام السوري، بالأمس صوراً للاجئين قالت إنهم عادوا إلى مناطقهم "الآمنة والمحرّرة من الإرهاب". وبحسب الوكالة نفسها فإن اللاجئين عادوا عبر معبري الدبوسية والزمراني إلى محافظتي حمص وريف دمشق، وقد اتخذت المحافظتان "جميع الإجراءات لاستقبال العائدين إلى أرض الوطن بالتعاون والتنسيق مع مديريات الصحة والشؤون المدنية والهجرة."

منظمات دولية: اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها

من الناحية الأخرى نشرت الوكالة اللبنانية الوطنية للإعلام تقريراً عن العودة "الطوعية" في رحلةٍ أولى ضمّت 750 لاجئاً سورياً، ورافقها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هكتور الحجّار الذي احتفى بهذه الرحلة واصفاً إيّاها بأنها "يومٌ وطنيٌّ بامتياز"، مضيفاً أن "مواكب الرحلات الطوعية انطلقت حتى نقطة الحدود اللبنانية-السورية. لا نقوم باستعراض أعداد النازحين، القرار السياسي اتخذ، العودة ثم العودة، هناك دفعاتٌ أخرى وسنستمر."

 

ويأتي ذلك "استئنافاً" لخطةٍ موضوعةٍ لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تُوّجت عام 2018 بآليةٍ أطلقها جهاز الأمن العام اللبناني يمكن من خلالها للاجئين السوريين تسجيل رغبتهم في العودة إلى الوطن، مع الاتصال بالسلطات السورية للتأكّد إن كان الشخص مرغوباً به أم لا، إلا أن الخطة قد عُلّقت بعد تفشّي جائحة كورونا.

وعادت الجهود اللبنانية على هذا الصعيد في الأشهر القليلة الماضية، كما كشف وزير المهجّرين عصام شرف الدين مطلع شهر يوليو/تموز الماضي، الذي قال أنه من "المرفوض كلياً ألا يعود النازحون السوريون إلى بلادهم بعدما انتهت الحرب فيها وباتت آمنة"، كاشفاً أن "الدولة السورية تمدّ يدها للتعاون في هذا الملف". وتقوم الخطة بحسب تصريحات شرف الدين إلى إعادة 15 ألف لاجئٍ شهرياً. تلا ذلك إعلان تصريحاتٌ لشرف الدين في أيلول/سبتمبر الماضي كشف فيها انطلاق أولى القوافل قريباً، وهو ما أكّده الرئيس ميشال عون في 12 تشرين الأول/أكتوبر الحالي.

وكشف اللواء عبّاس إبراهيم، المدير العام للأمن العام اللبناني، أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان قد وصل إلى مليونين و80 ألف لاجئ، إلا أن عدد المسجّلين لدى مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منهم يتراوح بين 800-900 ألف بحسب مصادر مختلفة.

وتزامن كل ذلك مع مخاوف حقوقية مختلفة.

كرهًا لا طوعًا

كان شرف الدين قد دعا في تصريحاته إلى تأسيس لجنةٍ مشتركة تضمّ الحكومتين اللبنانية والسورية والأمم المتحدة، ومرةً أخرى اقترح تشكيل لجنةٍ رباعية تضمّ العراق ولبنان وسوريا والأردن.

إلا أن المفوّضية أنكرت وجود تنسيقٍ من هذا النوع بصورةٍ غير رسمية، بحسب مركز "وصول الحقوقي" وكان هذا ما أكّدته نادين مظلوم، المتحدثة الرسمية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، التي كشفت أن "عملية العودة الميسّرة ليست عمليةً تابعةً للمفوّضية." على الرغم من تواجدها بالأمس مع القوافل.

وشهدت قوافل العودة التي انطلقت بالأمس، على أحسن الأحوال، تنسيقاً خجولاً مع المنظّمات الدولية المعيّنة التي حذّرت من الترحيل غير القسري مع استمرار الانتهاكات في سوريا، وبشكلٍ رئيسي على يد النظام السوري، بينما أكّدت مراسلة قناة الجزيرة الإنجليزية زينة خضر أن السلطات اللبنانية هي من تكفّلت بالتنسيق مع اللاجئين دون أي تعاونٍ من الأمم المتحدة أو غيرها من مؤسّسات حقوق الإنسان.

الأهمّ أن "طوعية" العودة يشوبها الكثير من الشكوك. فبحسب استطلاعٍ للرأي شمل بلاد مصر ولبنان والأردن والعراق أجرته المفوّضية في شهر يونيو/تموز  الماضي، قال ما يصل إلى 92% من اللاجئين السوريين أنهم لا ينوون العودة إلى بلدهم على الإطلاق.

ويُضاف إلى ذلك ورود العديد من التقارير الحقوقية التي قالت أن الحكومة اللبنانية تقوم بإعادة اللاجئين قسراً إلى بلادهم، كان منها مركز "وصول" الذي قال أنه وثّق قيام الحكومة اللبنانية بإعادة 141 لاجئًا سوريًّا إلى سوريا قسراً منذ بداية عام 2022.

وكانت منظّمة العفو الدولية قد استنكرت، في بيانٍ لها، موقف الحكومة اللبنانية ودعتها إلى إيقاف عمليات الإعادة "الطوعية" للاجئين السوريين. وذكر البيان أن السوريين غير قادرون على أخذ قرارٍ "حرٍّ ومستنير بشأن عودتهم بسبب السياسات الحكومية التقييدية المتعلقة بالتنقل والإقامة، والتمييز المتفشي، وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، فضلًا عن عدم توفر معلومات موضوعية ومحدّثة حول الوضع الحالي لحقوق الإنسان في سوريا."

وأضافت ديانا سمعان، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في المنظّمة: "من خلال تسهيلها بحماسة عمليات العودة هذه، تعرّض السلطات اللبنانية، عن قصد، اللاجئين السوريين لخطر المعاناة من انتهاكات شنيعة، والاضطهاد عند عودتهم إلى سوريا."

كما وصفت منظّمة هيومن رايتس ووتش في تقريرٍ لها في شهر تموز/يوليو الفائت أن عليات الإعادة السرية للسوريين من قبل السلطات اللبنانية "غير قانونية وغير آمنة." في وصفها لخطة إعادة 15 ألف لاجئٍ سورياً، وقد شدّد التقرير على أن سوريا غير آمنةٍ على عكس ما ذهبت إليه تصريحات الوزير اللبناني شرف الدين.

وتحدّثت عددٌ من المنظّمات الحقوقية عن الخطر والانتهاكات التي تنتظر اللاجئين السوريين العائدين إلى السوريا كالاعتقال القسري والتعذيب وحتى الموت، منها تقريرٌ لمنظّمة العفو الدولية صدر في شهر أيلول/سبتمبر 2021 بعنوان "أنت ذاهبٌ إلى الموت."، حيث وثّق التقرير تعرّض العائدين إلى سوريا "للاعتقال التعسفي والتعذيب... بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي والاختفاء القسري." وخلص التقرير إلى أنه "لا تُوجد في سوريا أي منطقةٍ آمنةٍ يمكن للاجئين العودة إليها بما في ذلك العاصمة دمشق..."

وفي تقريرٍ آخر صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2021 لمنظّمة هيومن رايتس ووتش، قالت المنظّمة إن "اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهادا من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري. أغلب من قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" ناضلوا أيضا من أجل البقاء على قيد الحياة والحصول على احتياجاتهم الأساسية."

اللاجئون السوريون... ضيق وتضييقٌ

يواجه اللاجئون السوريون حالياً في معظم مناطق لجوئهم أزماتٍ مختلفة، منها طبعاً إعادتهم القسرية إلى سوريا غير الآمنة، سواءً في لبنان، أو تركيا التي أجبرت مئات السوريين على توقيع أوراق عودةٍ طوعية إلى سوريا، وضروب المعاملة السيئة المختلفة التي وصلت إلى حدّ الموت تحت التعذيب لأحد اللاجئين السوريين في لبنان في أيلول/سبتمبر الماضي، وضرب وجلد بعض الأطفال السوريين في آب/أغسطس الماضي، والانتهاكات التي تعرّضوا لها على الحدود اليونانية بعلمٍ من الاتحاد الأوروبي وفقاً لتقريرٍ مسرّبٍ من مكتبة مكافحة الفساد في الاتحاد الأوروبي.

يواجه اللاجئون السوريون حالياً في معظم مناطق لجوئهم أزماتٍ مختلفة، منها طبعاً إعادتهم القسرية إلى سوريا، غير الآمنة

يُضاف إلى ذلك الوضع المعقّد للأوراق الثبوتية للاجئين السوريين، وابتلاع البحر لـ 791 لاجئٍ سوريٍّ على الأقل منذ عام 2014 خلال محاولة هجرتهم إلى أوروبا، أكثر من أي جنسيةٍ أخرى، وإجبار الدنمارك على عودة بعضهم إلى سوريا حتى بعد وصولهم إلى أوروبا.